تلبدت سماء الاقتصاد العالمي بالغيوم مرة أخرى بعد انتكاسة محادثات التجارة بين الولايات المتحدة والصين، حيث أظهرت مؤشرات النمو الاقتصادي في كل من الصين وأوروبا تراجعاً ملحوظاً. وعادت المخاوف من حدوث أزمة مالية شبيهة بأزمة المال العالمية في العام 2008، على الرغم من اختلاف الظروف التي خلقت أزمة المال السابقة واستعداد المصارف المركزية العالمية للتعامل مع أي هزة مستفيدة من دروس أزمة المال.
من بين نذر التشاؤم التي تبدت أخيراً، تراجع النمو الألماني والثقة الاستثمارية، حيث أظهر مسح في برلين، نشر أمس الثلاثاء، أن ثقة المستثمرين الألمان تراجعت بشكل مفاجئ في مايو/ أيار مع تصاعد الخلاف التجاري بين الصين والولايات المتحدة، وهو ما يلقي بظلاله على توقعات النمو في أكبر اقتصاد في أوروبا.
وكان مكتب الإحصاء للاتحاد الأوروبي "يوروستات" قد ذكر الأسبوع الماضي، أن اقتصاد منطقة اليورو التي تضم 19 دولة قد سجل نموا بنسبة 0.4% في الربع الأول من عام 2019 مقارنة بالربع السابق له. وقالت مؤسسة يوروستات إن الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي الذي يضم 28 دولة قد نما أيضا بنسبة 0.5% على أساس موسمي.
وتزيد هذه النتائج قليلاً عن نظيرتها في الربع الأخير من عام 2018 لكل من منطقة اليورو، التي سجلت نموا بنسبة 0.2% والاتحاد الأوروبي ككل، الذي سجل نموا بنسبة 0.3%.
أما على أساس سنوي، فقد سجل الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو في الربع الأول هذا العام نمواً منخفضاً مقارنة مع التوقعات السابقة.
وفي سياق التشاؤم، حذر راغورام راجان، الاقتصادي والأكاديمي الهندي الذي تنبأ بوقوع الأزمة المالية العالمية عامي 2007 و2008، من أزمة اقتصادية أخرى مقبلة.
وتوقع راغورام الذي شغل سابقاً منصب مدير البحوث في صندوق النقد الدولي، في مقابلة مع قناة "سي ان ان" الأميركية، حدوث أزمة مالية قائلاً: "ستكون هناك أزمة مقبلة، ولكن السؤال هو متى بالتحديد، من الواضح أن ما حدث بعد الأزمة المالية العالمية هو أننا بنينا حجم ديون ضخم ليس في المواقع ذاتها ولكن في مواقع أخرى بالعالم".
وأشار إلى أن الديون التي خلقت أزمة المال العالمية السابقة كانت ديون شركات، أما الآن فهي ديون حكومات.
وأضاف: "الآن عندما يتباطأ النمو سيكون هناك ثمن يتوجب دفعه، والسؤال هل سيكون الثمن مشابها للثمن الذي دفعناه في الأزمة الاقتصادية العالمية الماضية؟ على الأغلب لا، لن تكون في المناطق نفسها وعلى الغلب لن تكون لدينا أزمة بنكية لأن البنوك اليوم بحال أفضل كثيراً مما كانت عليه". ونهاية مارس/ آذار الماضي، قال ديفيد ليبتون، النائب الأول للمدير العام لصندوق النقد الدولي، إن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تشكل أكبر خطر على الاستقرار العالمي. مضيفا أن إرساء الاستقرار المالي ضروري للتعامل مع الصدمات على صعيد الاقتصاد الكلي في أوروبا.
وأضاف ليبتون "بوضوح هذا ليس شأن أوروبا وحدها. والولايات المتحدة بحاجة إلى ترتيب بيتها ماليا كذلك. التوترات التجارية الأميركية الصينية تشكل أكبر خطر للاستقرار العالمي". وأثرت الحرب التجارية الدائرة والتي بدأت قبل أكثر من 10 أشهر على تدفق بضائع بمليارات الدولارات بين البلدين.
ويلخص اقتصاديون أزمة الاقتصاد العالمي بالارتباك الذي أحدثته سياسات الرئيس دونالد ترامب الخاصة برفض الاتفاقات التجارية الموقعة مع بلاده والعودة إلى مفاوضات تجارية ثنائية يفرض فيها شروطاً قاسية على الشركاء التجاريين. كما أن استخدامه المكثف للحظر التجاري والمالي، أضعف عمليات التبادل التجاري بين دول العالم.
ومما يزيد المخاوف انزلاق العالم في أزمة التوتر العسكري بمنطقة الشرق الأوسط بين إيران والولايات المتحدة والتي زادت حدتها خلال الأيام القليلة الماضية، وكذلك التوتر في مناطق التماس بين أوروبا وروسيا.
ويدافع ترامب عن نزاعاته التجارية، خاصة حربه التجارية مع الصين في إطار قوة اقتصاد بلاده، وهذا المنطق في التفاوض يهدد بكارثة اقتصادية، حسب قول محللين. وقال ترامب في سلسلة تغريدات، صباح أمس الثلاثاء، على تويتر: "نحن في وضع أفضل بكثير حاليا من أي اتفاق كنا سنبرمه".