رفض الحكومة الفلسطينية في 2019 تسلّم أموال المقاصة، بعد قرار إسرائيلي باقتطاع جزء منها يمثل مخصصات الأسرى وذوي الشهداء، أدى إلى صرف أنصاف رواتب لموظفي الحكومة الفلسطينية، وطاولت الأزمة مختلف مرافق الاقتصاد المحلي.
الحكومة الفلسطينية تواجه اليوم تراجعاً حاداً في الإيرادات المالية، ناتج من إجراءات اتخذتها لمنع تفشي الفيروس محلياً، تمثّل بإعلان حجر منزلي إجباري شامل نتج منه توقف عجلة الإنتاج وتراجع حاد في القوة الشرائية.
ووفق بيانات ميزانية فلسطين 2019، بلغ إجمالي إيرادات الحكومة 12 مليار شيكل (3.42 مليارات دولار)، بمتوسط شهري 286 مليون دولار، 95 بالمئة منها مصدرها الضرائب والجمارك والرسوم التي يدفعها المواطن والمؤسسات المحلية.
بينما بلغ إجمالي نفقات الحكومة قرابة 13.5 مليار شيكل (3.81 مليارات دولار) خلال العام الماضي، بمتوسط شهري 317 مليون دولار، بينما تُسَدّ الفجوة بين الإيرادات والنفقات من خلال المنح المالية والاقتراض. والأحد الماضي، توقع رئيس الوزراء محمد اشتيه، تراجع الإيرادات المالية بنسبة 50 بالمئة خلال الفترة المقبلة، بسبب تراجع عجلة الإنتاج والقوة الشرائية، وبالتالي هبوط الاستيراد.
يعني ذلك أن الإيرادات المالية التي تتوقعها الحكومة لن تتجاوز 143 مليون دولار شهرياً في أفضل الأحوال، خلال الفترة المقبلة تمثل نسبتها 45 بالمئة من إجمالي النفقات. لذلك، لمّح اشتيه إلى احتمالية عدم تمكن حكومته من صرف 100 بالمئة من رواتب الموظفين العموميين (133.2 ألف موظف)، اعتباراً من راتب إبريل/ نيسان 2020، بسبب الضائقة المالية.
وقال اشتيه في مؤتمر صحافي الأحد: "هذا الشهر (مارس) سنصرف 100 بالمئة من رواتب الموظفين، ولا نعلم كيف ستكون الأمور مستقبلاً. لذا، أدعو المواطنين إلى التروي في نفقاتهم". ووفق بيانات الميزانية الفلسطينية، تعد أموال المقاصة (تمثل إيرادات الضرائب والجمارك على السلع الواردة من الخارج)، المصدر الأبرز لدخل الحكومة بنسبة 65 بالمئة من إجمالي الإيرادات.
وتبلغ قيمة أموال المقاصة الشهرية وفق بيانات ميزانية فلسطين 2019، نحو 690 مليون شيكل (195 مليون دولار)، وهي أموال تجبيها إسرائيل نيابة عن الفلسطينيين، كأحد تفاهمات بروتوكول باريس الاقتصادي، وتُحول إلى الخزينة الفلسطينية شهرياً.
إلا أن تراجع القوة الشرائية في السوق الفلسطينية، وتوجه المستهلكين إلى ضبط الإنفاق بسبب مخاوف فقدانهم وظائفهم وضبابية المشهد الاقتصادي، يُظهران أن إيرادات المقاصة ستتضرر على نحو حاد خلال الفترة المقبلة. وبدأ مستشارون قانونيون بنشر تصوراتهم لواقع سوق العمل والخلافات القانونية التي قد تطرأ خلال الفترة المقبلة، بسبب إعلان حالة الطوارئ وغلق المنشآت والمؤسسات.
ويشير البند الـ(38) من قانون العمل الفلسطيني، إلى أن المؤسسات التي تغلق أبوابها قسراً لمدة شهرين متتاليين، مجبرة على دفع أجور العاملين لديها خلال فترة 60 يوماً، بعدها سيكون لأرباب العمل الحق في خيار تسريح الموظفين. وحتى نهاية 2019، بلغت نسبة البطالة في السوق الفلسطينية قرابة 25.5 بالمئة، بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وهي نسبة مرشحة للارتفاع خلال الشهرين المقبلين في حال بقاء حالة الطوارئ قائمة.
لذا، ستكون الحكومة الفلسطينية أمام أزمة سيولة، وعجز عن دفع أجور موظفيها بنسبة 100 بالمئة، وأزمة بطالة مستفحلة، وتراجع في قدرة القطاع الخاص على قيادة الاقتصاد الفلسطيني.
ومع تراجع سلسلة الإمدادات عالمياً، قد تبدأ أسعار بعض السلع الرئيسة بالارتفاع إلى ما بعد الربع الثاني 2020، وفق السيناريو الحالي، خاصة سلع الطحين والأرز والسكر، ويظهر ما يُسمى الركود التضخمي، أي ارتفاع أسعار والطلب الضعيف.
لذلك، طلبت الحكومة الفلسطينية من مؤسسات دولية ومحلية، دراسة توقعات حالة الطوارئ وتفشي فيروس كورونا على السوق المحلية، لاتخاذ قرارات لتخفيف ضرر أثر الفيروس على الأسواق المحلية. ومن المرتقب أن يعلن الجهاز المصرفي الفلسطيني الأسبوع المقبل تدخلاً كبيراً لمساندة الحكومة عبر فتح خط تمويل للأشهر القادمة، بقيمة إجمالية تتجاوز 400 مليون دولار.
(الأناضول)