يجمع خبراء الاقتصاد في تونس على أنه من الصعب التكهن بمستقبل الدينار الذي يواصل رحلة الانزلاق مقابل الدولار واليورو في غياب سياسة نقدية واضحة وضعف احتياطي البنك المركزي من العملة الصعبة الذي يستقر في معدل 82 يوم توريد.
فقد شهدت العملة التونسية تراجعاً لافتاً لقيمة سعر صرفها مقابل العملتين الأميركية والأوروبية على مدار 9 أعوام، إذ تراجع سعر الدينار أمام الدولار 107% منذ عام 2011 حتى بداية 2019.
مع بداية 2011 بلغ سعر الدولار 1.424 دينار، وارتفع الدولار تدريجياً حتى بلوغه 1.871 دينار عام 2015، ثم كسر حاجز الدينارين سنة 2016، وصعد عاماً بعد آخر، ليسجل 2.439 عام 2018. ومع بداية سنة 2019 ارتفع الدولار إلى 2.949.
أما مقابل العملة الأوروبية الموحدة فقد تراجع سعر الدينار 76.8% خلال 9 سنوات، إذ بلغ مطلع 2011 ما قيمته 1.902 دينار، ثم تجاوز الدينارين سنة 2013، وقفز إلى 2.418 دينار سنة 2017، ثم إلى 2.940 بداية سنة 2018، قبل أن يخترق حاجز 3 دنانير مطلع 2019، مسجلاً 3.363 دنانير.
يُشار إلى أنه في سنة 2017 تسببت تصريحات لوزيرة المالية لمياء الزريبي حينها بإمكان تعويم الدينار، بمزيد من الانهيار لسعر العملة المحلية، حيث تسارعت وتيرة الانزلاق منذ ذلك التاريخ، فيما يؤكد خبراء الاقتصاد أن ضغوطات يمارسها صندوق النقد الدولي على حكومة تونس هي التي تسبب في تراجع حاد لسعر الدينار مقابل الدولار واليورو.
ويعزو الخبير معز الجودي تراجع الدينار إلى ضغوط يمارسها صندوق النقد الدولي مقابل تمويل قرض ائتماني بقيمة قدرها 2.9 مليار دينار على 4 سنوات، مشيراً إلى أن خبراء الصندوق طلبوا من المركزي التونسي عدم التدخل بطريقة مفتعلة لتعديل الدينار حتى يأخذ حجمه النقدي الحقيقي.
ويوضح الجودي أن البنك المركزي دأب على تحديد سعر مرجعي للدينار خلال بداية عملية العرض والطلب في سوق الصرف، لكنه كان يتدخل لشراء الدينار بالعملة الصعبة من أجل تعديل قيمته وليحد من انزلاقه، وهو ما يرفضه الصندوق، معتبرا أن هذا التدخل لا يعكس قيمته الحقيقية.
ويدفع التونسيون ثمنا باهظا لانزلاق سعر الدينار الذي أثر على معيشتهم نتيجة ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات، وارتفاع نسبة التضخم إلى 7.4%، بحسب بيانات معهد الإحصاء الحكومي.
كما يثير هبوط الدينار التونسي مخاوف حقيقية، وسط دعوات لحكومة يوسف الشاهد إلى الحد من انزلاق الدينار مقابل العملات الأجنبية؛ تفادياً لأي تداعيات جديدة لتراجع العملة المحلية على الاقتصاد الوطني التونسي.
2019 سنة صعبة لاقتصاد تونس
ويتوقع خبراء الاقتصاد سنة صعبة لتونس، في ظل تواصل انزلاق الدينار مقابل الدولار واليورو مطالبين بتثبيت سعر الصرف.
في المقابل، يقول البنك المركزي التونسي إن هذا التراجع مرده حجم المدفوعات الهامة بالعملة الأجنبية التي تقوم بها عادة تونس في بداية كل عام لتكوين المخزونات اللازمة من الطاقة والمواد الأولية الغذائية والصناعية وتأمين النشاط الاقتصادي إضافة إلى سداد أقساط الديون وخدمة الدين".
ونبه المركزي عقب اجتماع لمجلس إدارته في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي من تواصل تداعيات عجز الميزان التجاري على الدينار مشددا على ضرورة كبح الواردات واستنهاض القطاعات المدرة للنقد الأجنبي.
بدوره، قدّر وزير المالية السابق والخبير المالي، حسين الديماسي، في حديث مع الـ"العربي الجديد"، معدل الانزلاق السنوي للدينار مقابل الدولار في حدود 8.7%، في حين لفت إلى أن تراجع الدينار مقابل اليورو بلغ على مدار السنوات الثماني الماضية 70% بمعدل سنوي في حدود 5.8%.
وقال الديماسي إن تراجع سعر الدينار مرجح لمزيد من التفاقم نتيجة عجز غير مسبوق في الميزان التجاري ونقص في إيرادات النقد الأجنبي التي كانت تأتي أساساً من السياحة وتحويلات المغتربين، مضيفاً أن تونس مطالبة بتدارك الوضع عبر تحسين الصادرات، مشيراً إلى أن توجيهات صندوق النقد الدولي إلى البنك المركزي بعدم التدخل في سوق الصرف، خاطئة وفاقمت الصعوبات الاقتصادية.
وتفاقم عجز الحساب الجاري في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 فبلغ 10.7 مليارات دينار أي نحو 3.5 مليارات دولار تعادل 10.1% من الناتج الداخلي الخام مقابل 9.2 مليارات دينار أو 3 مليارات دولار تعادل 9.6% من الناتج الداخلي الخام في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وفق ما ورد بتقرير البنك المركزي التونسي حول التطوّر الاقتصادي والنقدي لشهر ديسمبر/كانون الأول 2018.
ويشير التقرير ذاته إلى أن عجز الميزان التجاري بلغ 17.3 مليار دينار أي نحو 5.7 مليارات دولار خلال الأشهر 11 الأولى من العام الحالي، مقابل 14.4 مليار دينار في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 أي زهاء 4.8 مليارات دولار.