ليس ثمة ما يؤكد بلوغ الأميركيين هدفهم في جعل صادرات إيران النفطية "صفرا"، نظرا للقدرات الإيرانية والخبرات المتراكمة في الالتفاف على العقوبات الأممية، التي تعرضت لها منذ 2012.
بموجب قانون العقوبات الأميركي، سمحت الولايات المتحدة بتجاوز ثماني دول لهذه العقوبات التي دخلت حيز النفاذ في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، والتي بموجبها مُنحت مهلة الإعفاءات البالغة 180 يوما والتي انتهت في 2 مايو/ أيار الحالي.
وشملت الإعفاءات كلا من الصين والهند واليونان وإيطاليا وتايوان واليابان وتركيا وكوريا الجنوبية. وأشار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 23 إبريل/نيسان الماضي، إلى أن الدول التي سبق أن حصلت على "استثناءات" في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، قد تواجه عقوبات أميركية، إذا استمرت في استيراد النفط الإيراني بعد 2 أيار/مايو الحالي.
وأدى القرار الأميركي إلى ارتفاع في أسعار خام برنت إلى 76 دولارا للبرميل الواحد، وهو أعلى سعر مسجل منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2018.
وتبلغ صادرات إيران رسميا نحو 1.3 مليون برميل يوميا، في حين تقوم بعمليات شحن كميات إضافية بطرق غير معلنة.
ووفقا لتقارير منظمة "أوبك"، فإن عوائد إيران النفطية بلغت نحو 52.7 مليار دولار خلال العام الماضي، بينما بلغ إجمالي الصادرات الإيرانية 110.8 مليارات دولار من صادرات المواد الكيميائية والمعادن والمنتجات الصناعية والزراعية الأخرى.
ومنذ أيار/مايو 2018، انخفضت صادرات النفط الإيراني إلى النصف تقريبا، حيث تراجعت من 2.8 مليون برميل يوميا إلى 1.3 مليون.
ومن المحتمل استمرار تراجعها، مع الإصرار الأميركي على اتخاذ إجراءات عقابية على الدول التي لا تلتزم بقرار العقوبات على إيران.
في الوقت ذاته، فإن ذلك يعتمد أيضا على قدرات السعودية ودول أخرى على زيادة إنتاجها لتعويض تخفيض إنتاج النفط الإيراني.
ويتوقع خبراء النفط أن صادرات النفط الخام الإيراني قد تصل إلى أقل من 500 ألف برميل يوميا في النصف الثاني من هذا العام، بانخفاض كبير عن 1.3 مليون برميل يوميا في الربع الأول 2019.
وعلى ما يبدو، فإن السعودية والإمارات، أبرز المنافسين الإقليميين لإيران، ستحاولان تعويض سوق النفط العالمية، لمنع ارتفاع أسعار النفط قبل موعد الاجتماع المقبل لدول أوبك وروسيا في 17 يونيو/ حزيران المقبل.
يشار إلى أنه منذ وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 2017، تبنى سياسة "حازمة" تجاه إيران، تمثلت في الانسحاب من صفقة الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات الأميركية.
ولإيران، تاريخ طويل في الالتفاف على العقوبات الأميركية، وقدرتها على الاستمرار في بيع النفط بطرق شتى وبكميات تجنب اقتصادها احتمالات الانهيار الشامل، أشار إليها المرشد الإيراني علي خامنئي، بأن بلاده ستقوم بتصدير أية كمية من النفط تلبي احتياجات اقتصادها.
وبحلول 3 مايو/ أيار الحالي، بدأ سريان حزمة العقوبات الأميركية الإضافية على إيران، لتصفير صادرتها النفطية في أجواء من التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز والتهديد الأميركي بالرد العسكري على إيران.
ويمر عبر مضيق هرمز نحو ثلث النفط المنقول بحرا من الدول المنتجة في الخليج العربي وإيران والعراق إلى الأسواق العالمية.
ومن بين الدول الثماني التي حصلت على الإعفاءات، أوقفت بشكل كامل إيطاليا وتايوان واليونان واردتها من النفط الإيراني قبل 2 أيار/مايو، بينما أعلنت الهند عزمها على الامتثال للعقوبات الأميركية الإضافية، إذ تحاول تركيا تطبيق آليات دفع بديلة لتفادي العقوبات.
ومن المرجح أن تلتزم اليابان وكوريا الجنوبية بالعقوبات الأميركية، في حين يرى مراقبون أن تركيا والهند والصين لن تمتثل لتلك العقوبات، حيث تستورد الدول الثلاث ما يصل إلى 70 في المائة من النفط الإيراني.
وأوضحت تركيا والصين عدم قبولهما بالقرار الأميركي، والعقوبات أحادية الجانب على إيران.
ويستورد البلدان نحو نصف صادرات النفط الإيراني، ما يعني عدم إمكانية تحقيق الهدف الأميركي بتراجع الصادرات الإيرانية إلى "صفر برميل".
ومن المحتمل أن تصبح تركيا، أكثر اعتمادا على النفط الروسي إذا خفضت نسبة استيرادها من النفط الإيراني.
بينما تجد الصين أمامها موردين للنفط عوضا عن إيران، مثل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، بما يمكنها من تجاوز الحاجة للنفط الإيراني.
وتتخوف الصين من إجراءات عقابية أميركية في حال عدم الامتثال للقرار الأميركي، يطاول منع المصارف الصينية من التعامل بالنظام المالي الأميركي، وتبعات ذلك على التمويل والتبادل التجاري بين أكبر اقتصادين عالميين- الولايات المتحدة والصين.
وتشهد العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، حالة من التوتر بسبب القرار التركي بشراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسي S - 400، على الرغم من الاعتراضات الأميركية.
كما أن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، تشهد المزيد من التصعيد بسبب "الحرب التجارية" بين البلدين؛ والصين هي أكبر مستورد للنفط الخام في العالم.
وفي ردها على القرار الأميركي، تحدثت الحكومة الصينية عن أنها "ستدعم الحقوق والمصالح المشروعة للشركات الصينية".
وتصف الصين تجارتها النفطية مع إيران، التي تبلغ 625 ألف برميل يوميا من النفط الخام بأنها "تجارة قانونية".
ورغم الرد الهندي الذي اتصف بعدم التحدي للإدارة الأميركية، غير أن قرار واشنطن وضع الحكومة الهندية في مأزق أيضا، تحاول الخروج منه بإجراء مفاوضات مع الأميركيين للحفاظ على مشترياتها من النفط الإيراني وهو ما ترفضه الولايات المتحدة.
وتزعم الولايات المتحدة أنها تسعى من خلال فرض مزيد من العقوبات، إلى إرغام إيران على لجم نشاطاتها المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة.
غير أن نتيجة هذه العقوبات لا تبدو مؤكدة، إذ سبق لإيران أن تعرضت لعقوبات أممية وأميركية طيلة سنوات لم تُحدث أثرا واضحا على سياساتها بدعم القوات الحليفة لها أو التدخل في شؤون الدول الحليفة للولايات المتحدة وتهديد أمنها واستقرارها.
وليس ضرورياً أن تلجأ إيران إلى تعطيل حركة الملاحة الدولية، ومنع مرور شحنات النفط عبر مضيق هرمز، حيث بإمكانها فعل ذلك عبر وكلاء محليين مثل جماعة الحوثي التي تسيطر على مسافات واسعة من السواحل اليمنية القريبة من مضيق باب المندب في البحر الأحمر الذي تمر عبره شحنات النفط إلى الدول الأوروبية.
ومن الناحية العملية، لا يمكن للولايات المتحدة فرض عقوبات على الدول التي تنتهك القرار الأميركي، كما لا يمكنها عمليا بلوغ هدفها بمنع كامل لتصدير النفط الإيراني بالاعتماد على نفسها، في وقت فشلت في تطبيق مثل هذه العقوبات بين عامي 2012 و2015.
(الأناضول)