كشفت مصادر سورية خاصة لـ"العربي الجديد"، أن حكومة الأسد بصدد تقييم الاستثمارات الإيرانية التي لم يتم تفعيلها، بهدف إلغائها، وذلك ضمن سياسة جديدة سيعتمدها نظام الأسد، بعد أن أوعز لوزارات، الصناعة والاقتصاد والمالية لدراسة الاستثمارات وتقديم تفاصيل حول الجدوى وعدم البدء بالتنفيذ.
ولم تستثن المصادر الخاصة، شركة السيارات السورية- الإيرانية "سيامكو" لأنها تقتصر على صالة لحام ودهان وتجميع القطع المستوردة فقط، ولا تقوم بسورية بأي صناعة، بل توقفت اليوم عن أي نشاط، بعد أن أعلنت معاودة العمل وتجميع سيارات "شام" العام الماضي.
وتضيف المصادر أن ما وصفته بالتوجه الجديد يركز على "العائدات التي تحققها الاستثمارات لصالح الخزينة العامة للدولة وجدوى المشروعات على صعيد الاقتصاد الوطني" وأن ما يقال عن صناعة السيارات بسورية، يقتصر على التجميع والمتوقف حالياً، كما أن إجمالي الرسوم الجمركية على مكونات السيارات المستوردة لمصلحة معامل التجميع والمحصلة لدى أمانتي جمارك طرطوس واللاذقية منذ عام 2017 وحتى نهاية الربع الثاني من عام 2019 لم تزد عن 8.6 مليارات ليرة سورية.
وأشارت إلى أن "اجتماعاً حكومياً عقد قبل يومين من أجل توجيه إنذار للشركة السورية الإيرانية كمقدمة لإلغاء الترخيص "إن لم تحول معملها إلى ثلاث صالات وتحقق الجدوى التي تنشدها سورية".
وحول بقية المشروعات والاستثمارات الإيرانية التي قدمتها حكومة الأسد، تؤكد المصادر أن مشروع استثمار الخليوي تم صرف النظر عنه كما تم إلغاء مشروعات عديدة كمصرف مشترك واستثمارات بمجالات الطاقة، وخاصة الكهرباء.
بدوره، يشير معاون وزير سوري سابق لـ"العربي الجديد" إلى أن الاتفاقات السورية الإيرانية، كانت تأخذ شكلاً سياسياً نظرياً، أكثر منه اقتصادياً عملياً "حتى اليوم لم يتم تنفيذ الاتفاقات التي تم التوقيع عليها خلال اجتماع اللجنة العليا السورية - الإيرانية المشتركة التي عقدت بدمشق مطلع العام الماضي".
ويضيف المسؤول السوري أن ملتقى التعريف بالفرص الاستثمارية والتجارية التي استضافته طهران منتصف العام الماضي، أيضاً باء بالفشل "ولم يتم ضخ أموال إيرانية ولا تأسيس شركات لإعادة الإعمار، بحسب الاتفاقات والوعود، وهو ما دفع حكومة النظام لإعادة التقييم اليوم".
ويكشف معاون الوزير الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن "تردد وامتناع إيران عن مد نظام الأسد بالنفط، إلا وفق الدفع النقدي "الكاش" هو من الأسباب التي دفعت النظام السوري ليوجه هذه الرسائل اليوم".
ويكشف المسؤول السوري أن مساعي رجل الدين الشيعي عبد الله نظام، لم تفلح بـ"رأب الصدع وتسوية التوتر الاقتصادي على الأقل، بين سورية وإيران" وربما تشهد العلاقات توتراً أو تراجعاً على الأقل، على صعيد دعم إيران لنظام الأسد، بالمال والسلاح والنفط، كما كانت تمده طيلة فترة الحرب.
وشهدت العلاقات السورية الإيرانية تطوراً بعد عام 2011 من خلال وقوف طهران إلى جانب نظام بشار الأسد، بوجه ثورة السوريين ومطالبهم بالحرية وتوزيع الثروة، حتى بلغت إيران مستوى الشريك التجاري الأول لسورية بحجم تبادل وصل عام 2014 لنحو 870 مليون دولار بعد اتفاقية التجارة الحرة وإلغاء الضرائب والتعرفة الجمركية بين البلدين، قبل أن يتراجع حجم التبادل إلى نحو 200 مليون دولار العام الماضي.
وتمخض عن تلك العلاقات، العشرات من الاتفاقات والعقود الاستثمارية، كان آخرها نهاية العام الماضي، وقت وقع كلا البلدين على ستة عقود في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والصناعة والنفط والاتصالات واستثمار مرفأ اللاذقية.
ويرى الاقتصادي السوري محمود حسين، أن إيران أحست بفشل مشروعها العسكري بسورية، بعد التوغل والتحكم الروسيين "لذا لجأت إلى ثنائية التغيير الديموغرافي والتشييع والاقتصاد، وخاصة تملّك العقارات بالمدن الكبرى، كحلب ودمشق ودير الزور".
ويضيف حسين لـ"العربي الجديد"، نتيجة ما تمر به إيران منذ نهاية العام الماضي، سواء من اضطرابات داخلية نتيجة الانتفاضة الشعبية والتي تبعها صدام بالوكالة مع الولايات المتحدة وتشديد العقوبات والحصار، وأخيراً زيادة انتشار فيروس كورونا، والتي أدت مجتمعة إلى أزمة اقتصادية تتجلى بزيادة الفقر والغلاء والركود اقتصادي "وصل الدولار إلى 160 ألف ريال إيراني"، جعلتها-الأزمة- ترجئ تنفيذ وعودها ومشروعاتها الاقتصادية بسورية، بل وحتى وقف المد المالي المباشر الذي كان يُصرف على المليشيات المقاتلة بسورية، والذي كان له دور مهم في ضخ دولار بالسوق السورية ومساندة تثبيت سعر صرف الليرة.
ولم يستبعد الاقتصادي السوري أن تشهد الفترة القريبة المقبلة، وخاصة بعد السيطرة الروسية الكاملة على القرار السوري والمطالب الدولية بتحجيم دور إيران بسورية، أن تلجأ طهران للمطالبة بديونها على النظام السوري، أو المساومة بتلك الديون المقدرة بأكثر من 30 مليار دولار، مقابل الإبقاء على الاستثمارات ذات الربح الكبير ومزيد من التمدد عبر "حامل الدين" بعباءة الثقافة، بمدن شمال شرق سورية والاستمرار بشراء العقارات في دمشق وحلب.