صراعات الشرق الأوسط تفاقم اضطراب الاقتصاد البريطاني

10 أكتوبر 2024
حي المال في لندن، 31 يناير/كانون الثاني 2023 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يشهد الاقتصاد البريطاني تقلبات بسبب التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، مما يؤثر على الأسواق المالية وارتفاع تكاليف التأمين وأسعار النفط، ويزيد من مخاطر الاستثمارات البريطانية.
- تراجعت تجارة السلع بين المملكة المتحدة ولبنان في النصف الأول من العام، رغم وصولها لمستوى قياسي في 2023، حيث تعمل السفارة البريطانية في بيروت على تعزيز العلاقات التجارية.
- يحذر الخبراء من تأثير الصراع على الاقتصاد البريطاني، مع استمرار مفاوضات التجارة الحرة مع إسرائيل لتعزيز العلاقات في قطاعات متعددة، مما يدعم آلاف الوظائف البريطانية.

يتسبب العدوان الإسرائيلي المكثف على لبنان وغزة والضربات المتبادلة مع إيران التي تنذر بحرب مباشرة، في زيادة قلق القطاعات الاقتصادية في بريطانيا التي ترتبط بمصالح تجارية واقتصادية في المنطقة، لاسيما مع تل أبيب وبيروت، فضلا عن تأثرها باضطراب أسواق النفط حال اندلاع حرب واسعة.

في الأيام الأخيرة، سجّلت الأسواق المالية البريطانية تقلبات ملحوظة، حيث شهدت أسعار النفط تذبذباً ملحوظاً نتيجة المخاوف من تأثير الصراع على استقرار المنطقة والأسواق العالمية، مما زاد الضغوط على الاقتصاد البريطاني. وتتزامن هذه المخاوف مع البيانات الصادرة أخيراً عن وزارة التجارة الدولية في المملكة المتحدة، التي أظهرت أن تجارة السلع بين المملكة المتحدة ولبنان سجلت تراجعاً في النصف الأول من العام الجاري، بسبب تصاعد حدة الاشتباكات وتأثيرها على استقرار المنطقة، ما أدى إلى تراجع الصادرات البريطانية بنسبة 11.9% والواردات بنسبة 2.5%. بينما كانت التجارة الثنائية بين البلدين قد قفزت بنسبة 44.8% في السنة التي سبقت الربع الأول من عام 2024، مع زيادة صادرات الخدمات بنسبة 89.9%.

وتعاني العلاقات التجارية بين المملكة المتحدة ولبنان تحديات تاريخية طويلة الأمد، حيث تبين وثائق من الأرشيف الوطني البريطاني لعام 2000، أن الشركات البريطانية فوجئت آنذاك بفرض رسوم جمركية جديدة على الواردات اللبنانية، بما في ذلك المركبات والمنتجات الزراعية، مما أثر بشكل كبير على المصدرين البريطانيين، وأثار تساؤلات حول التزام لبنان باتفاقيات الشراكة التجارية. واليوم، ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية، لا تزال التجارة الثنائية تواجه تحديات مشابهة، حيث تؤثر الأوضاع في المنطقة بشكل مباشر على استقرار الأسواق والمخاطر المرتبطة بالاستثمارات البريطانية.

ورغم هذه التحدّيات، يشير شون ويليامسون من مكتب الإعلام في وزارة الأعمال والتجارة في المملكة المتحدة في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أنه على الرغم من الاضطرابات الإقليمية، وصلت التجارة بين المملكة المتحدة ولبنان إلى مستوى قياسي بلغ 1.1 مليار جنيه إسترليني (1.44 مليار دولار) في عام 2023. ويلفت ويليامسون إلى أنّ وزارة الأعمال والتجارة في السفارة البريطانية في بيروت تتمتع بعلاقات ممتازة مع الشركات البريطانية في لبنان وأنّ مكتب الوزارة في لبنان سيقدّم الدعم على أساس كل حالة على حدة.

وبينما تحرص وزارة الأعمال والتجارة في السفارة البريطانية في بيروت على تعزيز العلاقات التجارية من خلال دعم الشركات البريطانية وتبادل أفضل الممارسات، فإنّ التوترات المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة مع الصراع الحالي بين إسرائيل وحزب الله، تفاقم التحديات التي تواجه العلاقات التجارية. وتشهد الأسواق المالية البريطانية تقلبات حادة نتيجة ارتفاع أسعار النفط أخيراً وزيادة تكاليف التأمين على السلع، مما يثير مخاوف من تراجع الصادرات البريطانية إلى لبنان وارتفاع المخاطر المرتبطة بالاستثمارات الأجنبية. ولهذا، يواصل المستثمرون البريطانيون مراقبة التطورات عن كثب وتأثيراتها المحتملة على مستقبل العلاقات التجارية.

وفي ما يتعلق بآفاق الاستثمار البريطاني في لبنان وسط هذه التوترات، يقول البروفيسور كريستوفر م. ديفيدسون، الخبير في سياسات الشرق الأوسط ودول الخليج، لـ"العربي الجديد" إنّه يجب على المستثمرين في المملكة المتحدة الاستعداد للتحول في المشهد السياسي، حيث من المرجح أن يعطي أي شخص يخرج منتصراً في الانتخابات الأميركية المقبلة (نوفمبر/ تشرين الثاني) الأولوية لإنهاء الأعمال العدائية الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط بسرعة، مما سيسهل الانتقال بعيدًا عن الإدارة الحالية التي وصفها بـ"البطة العرجاء".

ويرى أنه بعد انتهاء الحرب، فإن هناك فرصاً استثمارية، لافتا إلى أن الظروف السوقية الحالية، التي تتميز بتخفيضات كبيرة على عدد كبير من الأصول مثل النوادي والمطاعم، ترجع إلى حد كبير إلى انسحاب المغتربين اللبنانيين، مما يخلق بيئة شراء مؤاتية للمستثمرين. ويقول، علاوة على ذلك، من المتوقع أن يتضاءل حتمًا نفوذ حزب الله وإيران في المنطقة، على الأقل على المدى المتوسط، وبالتالي، قد يؤدي هذا الضعف المحتمل إلى جعل لبنان أكثر جاذبية مرة أخرى للسياحة الخليجية والاستثمار.

وفي الوقت الذي تتأثر فيه الأسواق المالية البريطانية بتداعيات الصراع في الشرق الأوسط، لا يزال مؤشر الأسهم القيادية في لندن يحافظ على أدائه الإيجابي مقارنة ببقية الأسواق الأوروبية، وقد استفادت شركات الطاقة الكبرى مثل "شل" و"بي.بي" من ارتفاع أسعار النفط بنسبة 2% نتيجة التوترات المتزايدة حول إسرائيل ولبنان وإيران.

يحذر خبراء من أنّ الأسواق العالمية والمجتمع الدولي في حالة تأهب، في انتظار الرد الإسرائيلي على الهجمات الصاروخية الإيرانية، يوم الثلاثاء الماضي، مشيرين إلى أن الهدوء النسبي في الأسواق قد لا يدوم طويلًا بسبب التعقيدات الجيوسياسية. وهناك قلق متزايد من أن الصراع قد يستمر في التصاعد، ليس فقط مما يعرض إنتاج إيران البالغ 3.4 ملايين برميل يومياً من النفط للخطر، ولكن قد يؤدي إلى مزيد من الاضطرابات في الإمدادات الإقليمية.

ورغم المخاوف، يرى بعض المحللين في لندن أن التأثير المالي للصراع في الشرق الأوسط قد يظل محدوداً طالما أن الوضع لا يتسع ليشمل دولًا أخرى. في المقابل، يبين تقرير صادر عن مكتب مسؤولية الميزانية، أنّ الصراعات المتزايدة في الشرق الأوسط تشكّل تهديدًا كبيرًا للاقتصاد البريطاني، حيث من المتوقع أن تتأثر المملكة المتحدة بشكل كبير بالاضطرابات العالمية.

وتشمل التأثيرات الاقتصادية طويلة الأمد عدة عوامل رئيسية، حيث قد تؤدي الصدمات الناتجة عن ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة إلى ركود يستمر لأكثر من عام، بدءًا من 2025. وبينما يُتوقع أن يبدأ الاقتصاد في التعافي بعد عام 2026، فإن التعافي الكامل سيكون بطيئًا. وبحلول عام 2028، قد يبقى الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة أقل بنسبة 1.5% عن مستويات ما قبل الأزمة.

وفي حال توقعت الأسر والشركات استمرار ارتفاع التضخم، قد يؤدي ذلك إلى زيادة الأسعار محليًا، مما يدفع أسعار الفائدة للارتفاع، وبالتالي يضعف النمو الاقتصادي. وربما تنجم عن هذه الضغوط التضخمية، استجابة نقدية أقوى، مما يؤخر التعافي الاقتصادي.

وعلى الرغم من هذه الاضطرابات، تستمر المملكة المتحدة في مفاوضات التجارة الحرّة مع إسرائيل، حيث انعقدت الجولة الخامسة من هذه المفاوضات في الفترة من 8 إلى 17 إبريل/ نيسان الماضي. وتظهر البيانات قيمة التبادلات التجارية بين المملكة المتحدة وإسرائيل تبلغ 6.4 مليارات جنيه إسترليني (حوالي 8.4 مليارات دولار) سنوياً، مما يشير إلى إمكانات كبيرة للنمو، حيث تدعم هذه التجارة نحو 38 ألف وظيفة بريطانية. وتهدف المفاوضات إلى تعزيز العلاقات التجارية في قطاعات مثل الخدمات المالية والأمن السيبراني والرعاية الصحية والذكاء الاصطناعي، مما يتجاوز الاتفاقيات السابقة مع الاتحاد الأوروبي.

المساهمون