تبدد الثقة بالاقتصاد العالمي... ودافوس أمام اختبار صعب

16 يناير 2017
الاستعدادات لمؤتمر دافوس الاقتصادي (فرانس برس)
+ الخط -
تراجعت الثقة في الحكومات والشركات والإعلام، العام الماضي، عندما هزت انتخابات أجريت في عدة دول المؤسسات السياسية والاقتصادية.

وأظهر مقياس إيدلمان السنوي للثقة الذي صدرت نتائجه، اليوم الإثنين، قبيل بدء اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي بين 17 إلى 20 يناير/ كانون الثاني، أن غالبية الشعوب تعتقد الآن أن النظم الاقتصادية والسياسية خذلتها.

وقال رئيس الشركة التي أجرت البحث لوكالة "رويترز"، ريتشارد إيدلمان: "هناك شعور بأن النظام غير سليم". وأضاف "أكثر الإحصاءات الصادمة في هذه الدراسة هو أن نصف أصحاب الدخول المرتفعة وخريجي الجامعات والأكثر اطلاعا يعتقدون كذلك أن النظام لا يعمل".

وبحسب البحث، يجد نحو ثلاثة آلاف من مسؤولي الشركات والساسة والأكاديميين الذين يحضرون اجتماعات المنتدى في منتجع دافوس السويسري، أنفسهم على مسافة أبعد بشكل متزايد من الناخبين والزعماء الشعبويين في مختلف أنحاء العالم والذين لا يثقون في الصفوة.

وبحسب نتائج البحث، فقد بلغت نسبة ثقة الناس في الحكومات 41% فقط، وعلى سبيل المثال، انخفضت في جنوب أفريقيا إلى 15% بعد أن واجه رئيسها، جاكوب زوما، المعتاد على حضور المنتدى، مزاعم فساد.

كما انخفضت في الإعلام إلى 43% وانخفضت الثقة في منافذ الأخبار بشكل خاص بعد عام أصبحت فيه عبارة "مرحلة ما بعد الحقيقة" كلمة العام في قواميس أكسفورد.

وجاءت الثقة في الشركات أعلى قليلاً عند 52%، لكنها انخفضت كذلك وسط فضائح منها تزوير فولكس فاغن لاختبارات انبعاثات الوقود وبطاريات أجهزة هواتف سامسونغ القابلة للاشتعال.

وتراجعت مصداقية مسؤولي الشركات في جميع الدول التي شملتها الدراسة وبلغت أدنى مستوياتها عند 18% في اليابان وبلغت 28% في ألمانيا و38% في الولايات المتحدة.
وبحسب البحث، فقد أظهرت النتائج أن حكومة الصين، تتمتع بأكبر قدر من الثقة، حيث بلغت 76%.

واستطلعت الدراسة التي تجرى منذ عام 2001 آراء 33 ألف شخص في 28 دولة في الفترة من 13 أكتوبر/ تشرين الأول إلى 16 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي.

قالت الدراسة الصادرة عن مجموعة تتضمن عدداً من قادة الأعمال ومسؤولين ماليين عالميين "إن بإمكان الشركات فتح الباب أمام فرص سوقية بقيمة 12 تريليون دولار على الأقل بحلول عام 2030 وخلق ما يصل إلى 380 مليون فرصة عمل عبر تطبيق بضعة أهداف رئيسية للتنمية".


ضغط اجتماعي

وقال التقرير الذي نشرته، اليوم الإثنين، لجنة الأعمال والتنمية المستدامة إن "من المرجح أن يتصاعد الضغط على الشركات للاضطلاع بدور اجتماعي يتسم بالمسوؤلية".

وجرى تدشين المجموعة في المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس 2016" لتشجيع الشركات على تولي زمام المبادرة في الحد من الفقر وتحقيق التنمية المستدامة.

وتضم المجموعة في عضويتها رؤساء تنفيذيين من شركات متعددة الجنسيات مثل ادلمان وبيرسون وانفستك وميرك وسفاري كوم وأبراج وعليبابا وأفيفا، بجانب أكاديميين ومختصين في البيئة وقادة نقابات تجارية وناشطين من شركات استثمار في مجال الأعمال الخيرية.

وقالت الدراسة "إن تحقيق الأهداف العالمية يفتح فرصة اقتصادية بقيمة 12 تريليون دولار على الأقل بحلول 2030 للقطاع الخاص وربما أكثر من ذلك بمثلين أو ثلاثة أمثال"، مضيفة أن هذا يمكن تحقيقه عبر العمل في أربعة مجالات تتمثل في الطاقة والمدن والزراعة والصحة.

وتعادل القيمة البالغة 12 تريليون دولار - الناتجة عن وفورات الشركات وزيادة الإيرادات 0.1 في المائة من الناتج الاقتصادي العالمي المتوقع بينما ستتركز 90% من الوظائف الجديدة في العالم المتقدم.

موجة من الشعبوية

في العام الماضي، كانت هناك حالة إجماع في المنتدى على أن دونالد ترامب ليس أمامه فرصة للوصول للبيت الأبيض. وجاء فوزه بعد أقل من نصف عام على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليوجه صفعة لشتى المبادئ التي تعتز بها صفوة دافوس بشدة، منذ فترة طويلة من العولمة إلى التجارة الحرة والشركات متعددة الجنسيات.

وترامب هو المثال الحي على موجة جديدة من الشعبوية التي تجتاح دول العالم المتقدم وتهدد النظام الديمقراطي الليبرالي لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

ومع اقتراب الانتخابات في هولندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، هذا العام، فقد بدا قلق الحضور في منتدى دافوس واضحاً.

وقال الرئيس التنفيذي للمجموعة الدولية لمعالجة الأزمات، جان ماري جوينو "بصرف النظر عن رؤيتك لترامب ومواقفه، فإن انتخابه أدى إلى شعور عميق بعدم التيقن وسيلقي ذلك بظلاله على دافوس".

وكان موازيس نايم من مؤسسة "كارنيغي" للسلام العالمي أكثر صراحة، بحيث قال: "هناك إجماع على أن شيئاً ضخماً يجري. شيء عالمي وغير مسبوق على عدة مستويات، لكننا لا نعرف ما هي أسبابه أو كيف نتعامل معه".

وتستحضر عناوين حلقات المناقشة في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يستمر في الفترة من 17 إلى 20 يناير/ كانون الثاني المشهد العالمي الجديد الباعث على القلق.

ومن بين هذه العناوين "كيف يمكن حل أزمة الطبقة المتوسطة المضغوطة والغاضبة؟" و"سياسات الخوف أو التمرد للمنسيين" و"التسامح هل بلغ مداه؟" و"مرحلة ما بعد الاتحاد الأوروبي".

كما أن قائمة الزعماء الذين يحضرون المنتدى، هذا العام، معبرة كذلك. فنجم المؤتمر هو شي جين بينغ، أول رئيس صيني يحضر مؤتمر دافوس على الإطلاق. ويعتبر حضوره إشارة على ثقل الصين المتزايد في العالم في وقت يعد فيه ترامب بمزيد من نهج "أميركا أولاً".
تحضر المنتدى كذلك تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا التي تواجه مهمة شائكة تتمثل في إخراج بلدها من الاتحاد الأوروبي.

لكن المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، التي دأبت على حضور المنتدى السنوي والتي تلائم سمعتها كزعيمة قوية ثابتة على الموقف الشعار الرئيسي للمنتدى وهو "الزعامة المسؤولة المتجاوبة" فلن تحضر هذا العام.

ويعتقد جاي ستاندينج الذي ألف العديد من الكتب عن "طبقة جديدة تفتقر للأمان الوظيفي والإيراد المضمون" أن المزيد من الناس يميلون للاعتقاد أن الرأسمالية القائمة على اقتصاد السوق تحتاج لتعديل شامل حتى أولئك الذين استفادوا منها.

وقال ستاندينج الذي دعي لدافوس للمرة الأولى، إن "نماذج المؤسسات التي تمثل التيار الرئيسي لا تريد ترامب والسلطويين اليمينيين".

وأضاف "تريد اقتصاداً عالمياً يحقق نمواً مستداماً يمكنهم من خلاله القيام بأعمالهم". لكن رئيس مجموعة أوراسيا الاستشارية، إيان بريمر، ليس واثقاً من ذلك. وهو يروي عن زيارة قام بها في الفترة الأخيرة لمقر بنك جولدمان ساكس في نيويورك، حيث رأى مصرفيين "يحتفلون في المصعد" بارتفاع أسعار الأسهم واحتمالات خفض الضرائب وتحرير الإجراءات التنظيمية في عهد ترامب. كما سيحضر اجتماعات دافوس لويد بلانكفين، رئيس جولدمان ساكس وجيمي ديمون رئيس مورجان ستانلي.

وقال بريمر "إذا أردت إيجاد أشخاص مستعدين للاحتشاد معاً للقول، إن الرأسمالية كسرت من أساسها فإن دافوس ليس المكان المناسب لذلك".

ويقول الخبير في العولمة والتنمية بجامعة أوكسفورد، إيان جولدين، إن "المشكلة هي أنه في العديد من المشكلات من تغير المناخ إلى التنظيم المالي، لا يمكن تحقيق نتائج إلا من خلال التعاون الدولي، وهذا بالتحديد ما يرفضه الشعبويون".

وأضاف أن "حالة السياسة العالمية أسوأ مما كانت عليه، منذ فترة طويلة، في وقت نحتاج فيه للمزيد من التنسيق لمعالجة قضايا مثل تغير المناخ ومخاطر شاملة أخرى تتزايد بدرجة كبيرة مع ضيق الأفق والانعزالية".

(رويترز، العربي الجديد)

المساهمون