دروس من الحرب التجارية الأميركية الصينية

23 مايو 2018
لم تتوان أميركا عن وضع قيود على تجارتها(فرانس برس)
+ الخط -

عندما وصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الحكم، كانت أهم القضايا الاقتصادية التي تشغل باله هي انخفاض معدل نمو الاقتصاد، وارتفاع نسبة البطالة (بمقاييسهم)، بالإضافة إلى وجود عجز في الميزان التجاري للولايات المتحدة، بلغ 600 مليار دولار، تسببت الصين وحدها في ما يقرب من ثلثيه، بما يعادل 375 مليار دولار.

على الفور قرر ترامب أن يعمل على تخفيض هذا العجز، ورأى أنه لو نجح في ذلك فسوف تقل البطالة، وترتفع معدلات نمو الاقتصاد الأميركي.

في البداية فرض تعريفات جمركية إضافية على واردات بلاده من الصلب والألومنيوم، فردّت الصين، التي تصدر له السلعتين، بفرض تعريفات جمركية على 128 منتجاً أميركياً "لحماية المصالح الوطنية للصين"، على حد تعبير صحيفة الشعب الصينية الرسمية وقتها.

بعد ذلك أعلن ترامب نيته فرض تعريفات جمركية جديدة على ما قيمته نحو 150 مليار دولار من واردات بلاده من الصين، فأعلنت الصين أنها سترد بالمثل لو نفذ ترامب تهديده.

وقبل شهر ونصف الشهر تقريباً، أصدرت وزارة التجارة الأميركية قراراً بمنع الشركات في الولايات المتحدة من التعامل مع شركة "زد تي إي" الصينية، المتخصصة في معدات وأنظمة الاتصال، لمدة سبع سنوات، بسبب انتهاكها تسوية تمت عام 2017، بعد اتهامها بأنها باعت معدات بشكل غير قانوني، احتوى بعضها على مكونات أميركية، لكوريا الشمالية وإيران.

وكانت الشركة قد قبلت الاتهام العام الماضي، ووافقت على التسوية مقابل تحملها مبلغ 1.2 مليار دولار، دفعته بالفعل للحكومة الأميركية.

لكن الولايات المتحدة قالت إن الشركة كذبت بشأن معاقبة الموظفين المتسببين في المشكلة، وأشارت إلى أن بعضهم تلقى مكافآت مالية. وحرم هذا القرار الشركة الصينية من أي نشاط يتعلق بالولايات المتحدة وشركاتها، وأي مواد أميركية، سواء كانت قلم رصاص أو جهاز توجيه (راوتر).

وبعد مرور أقل من شهر على إصدار الحكومة الأميركية قرارها، بدأ العديد من كبار عملاء شركة "زد تي إي" إعادة تقييم علاقتهم مع شركة الاتصالات الصينية المتعثرة، بعد أن بدأوا يشعرون بالقلق من انتظام إمدادات الهواتف وأجهزة الربط الشبكي لإغلاق بعض خطوط التجميع لدى الشركة.

وتزايدت المخاوف العالمية بشأن قدرة الشركة على توريد الهواتف الذكية وأجهزة التوجيه وأجهزة الاتصالات الأخرى بعد إعلان الشركة أنها "تكافح من أجل تجاوز تأثيرات قرار وزارة التجارة الأميركية".

الأسبوع الماضي أعلنت شركة "زد تي إي"، التي توظف 75 ألف شخص حول العالم، أنها أوقفت جزءاً كبيراً من عملياتها، على الرغم من استمرار موظفيها في التوافد على مقرها الرئيسي في شينزن الصينية، واعترف بعض الموظفين بأنهم لا يوجد لديهم إلا القليل للقيام به منذ توقف الإنتاج في أواخر إبريل/ نيسان.

وبعد ذلك أعلنت عدة شركات اتصالات في الولايات المتحدة وأستراليا وبعض البلدان الأفريقية توقفها عن استخدام معدات الشركة الصينية، خاصة أن الكل يعرف مدى اعتمادها على الشركات الأميركية في توفير مستلزمات إنتاجها.

وكانت شركة كوالكوم الأميركية قد قامت بتوفير شرائح 84% من الهواتف التي وردتها شركة "زد تي إي" في الربع الأول من العام الحالي 2018 على مستوى العالم.

بعد ذلك عقدت مباحثات استهدفت خفض حدة التوتر بين البلدين، إلا أنها فشلت في تحقيق أية إنجازات تذكر، الأمر الذي اضطر كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس الصيني للحضور إلى واشنطن الأسبوع الماضي لإجراء مزيد من المفاوضات.

لكن طلب ترامب، بضرورة تعهّد الصين بتخفيض العجز التجاري الأميركي بما قيمته 200 مليار دولار، وقف حائلاً دون وصول مفاوضي البلدين إلى اتفاق تام.

وكان يفترض أن يبدأ تطبيق التعريفات الجمركية الجديدة على المنتجات الصينية الواردة إلى الولايات المتحدة هذا الأسبوع، لكن وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشن أعلن تأجيل تطبيقها لحين الانتهاء من التفاوض، ومن المتوقع وصول وزير الخارجية الصيني إلى الولايات المتحدة هذا الأسبوع للمشاركة في المفاوضات.

انخرط البلدان في هذه الحرب التجارية الاقتصادية الشرسة، وتعاملا على أساس أن لكل طرف الحق في حماية مصالحه، ولم يندهش أي طرف من سعي الطرف الآخر إلى الضغط عليه. فالعلاقات الدولية بين البلدان المختلفة تحكمها المصالح، ومن الطبيعي أن يستغل كل طرف كافة الأسلحة المتاحة لديه في صراعه مع الأطراف الأخرى.
وعلى النقيض من ذلك، تعاني مصر عجزاً دائماً في ميزانها التجاري، يتراوح سنوياً بين 20 و30 مليار دولار، ويسبب مشاكل كارثية، بدءاً من انخفاض قيمة العملة كل فترة، وهو ما يؤدي إلى انخفاض مستويات المعيشة، حتى أصبح أكثر من ربع المواطنين المصريين، وفقاً للتقديرات الرسمية، يعيشون تحت خط الفقر، وحتى زيادة الاقتراض الخارجي لسد هذا العجز، وهو ما وصل بالديون الخارجية إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ مصر، بما يقرب من 95 مليار دولار، وقت كتابة هذه السطور، بالإضافة إلى العديد من النتائج السلبية الأخرى على معدلات البطالة والنمو الاقتصادي والكفاءة الإنتاجية. 

رضخت الحكومة لضغوط المستوردين المصريين، ولم تفرض قيوداً على الاستيراد، بحجة أننا ملتزمون باتفاقيات تحرير التجارة، بينما لم تتوان الولايات المتحدة، وهي الراعي الأول لحرية التجارة في العالم، عن وضع قيود على تجارتها حين أصبح لها تأثير سلبي على الاقتصاد الأميركي.

السؤال الآن هو، ألم يأن للحكومة المصرية أن تنتهز الفرصة للدخول في مفاوضات مع الشركاء التجاريين، من أجل وضع علاج للعجز المزمن في الميزان التجاري المصري، سواء عن طريق تعهدهم بزيادة شرائهم للمنتجات المصرية أو عن طريق فرض تعريفات جمركية على بعض السلع المستوردة؟ أم أننا ننتظر انهياراً جديداً للعملة المصرية، من أجل شعارات "حرية التجارة" التي لم يتمسك بها حتى واضعوها؟!


المساهمون