مخاوف من استجابة المغرب لضغوط "صندوق النقد" على حساب المطالب الاجتماعية

31 يناير 2019
المفاوضات تتجاهل مطالب تحسين معيشة المواطنين (الأناضول)
+ الخط -
جاءت توصيات صندوق النقد الدولي، في التقرير الأخير عن المغرب، في سياق متسم بدعوات محلية تؤكد على ضرورة الخروج عن وصفات المؤسسة الدولية، بينما تشدد السلطات الحكومية على أنها لا تذعن للصندوق وإملاءاته، خاصة في أساسيات الاقتصاد.

ووفّر صندوق النقد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، خط وقاية وسيولة للمغرب بقيمة 2.96 مليار دولار، سيسري العمل به على مدى عامين.

وأوصى صندوق النقد  المغرب بتوسيع نطاق تحرير سعر صرف الدرهم دون تأخير، بعد الشروع في ذلك في العام الماضي، غير أن وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، ومحافظ البنك المركزي، عبد اللطيف الجواهري، ردّا بأن الانتقال إلى مرحلة جديدة في التحرير سيتم لأهداف وقائية عندما تتيح الظروف الاقتصادية ذلك.

تجاهل المطالب الاجتماعية
ويرى الرئيس السابق للاتحاد العمالي الزراعي، محمد الهاكش، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن صندوق النقد، لا ينشغل بالجوانب الاجتماعية في سياسة الحكومة، فالمطالب التي تعبر عنها الفئات المتضررة من تلك السياسة، يضحى بها بهدف الحفاظ على التوازنات المالية، مشيراً إلى أن الصندوق لا يتناول القضايا المرتبطة بالبطالة أو الهشاشة التي يعاني منها الأجراء والموظفون.

ويعتبر أن التعاطي مع توصيات الصندوق، الذي يؤكد على الجوانب المحاسبية في السياسة المالية، يبقى رهيناً بموازين القوى، وهذا ما يتجلّى في بلد مثل تونس التي تتوفر على اتحاد عمالي وازن، يستطيع التصدي للسياسة التي يفرضها الصندوق.

ورغم الموقف المتريث للحكومة فيما يتصل بتحرير سعر صرف الدرهم، إلا بعض توصيات الصندوق، ستحيي النقاش من جديد حول تأثيراتها، خاصة في ظل حثه على الشروع في إصلاحات لتقليص مخاطر الموازنة.

وفي الوقت الذي يوصي فيه الصندوق بإصلاح النظام الجبائي، ويشدد على تقليص وتبسيط معدل الضريبة على الشركات، واستيفاء الضرائب من المهن الحرة والمستقلين، يؤكد على التحكم في كتلة الأجور في الوظيفة العمومية، من أجل عدم إلحاق الضرر بالنفقات ذات الأولوية، في ذات الوقت الذي يلح فيه على مواصلة إصلاح نفقات الدعم.

التضخّم والقدرة الشرائية
ويعد التضخم إحدى أبرز الإشكاليات التي تتخوف منها الأوساط الاقتصادية في حال الرضوخ الكامل لضغوط صندوق النقد.

ويذهب الاقتصادي المغربي، محمد الشيكر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن استقرار التضخم عند مستويات دنيا له علاقة بالتحكم في الطلب وحصر القدرة الشرائية في مستويات دنيا، ما يحول دون إطلاق تحركات اقتصادية حقيقية.

ويشير الشيكر إلى أن الإصلاح، الذي أوصى به صندوق النقد، خاصة على مستوى التقاعد، لم ينظر فيه سوى إلى الجانب المحاسبي قصير المدى، إذ لم تراع مقتضيات الحوار الاجتماعي، خاصة في ظل مطالبة الاتحادات العمالية برفع الأجور وتحسين الدخل.

ومن جانبه، يعتبر الاقتصادي، سعيد السعدي، الوزير الأسبق في حكومة عبد الرحمن اليوسفي، في تصريح له مؤخراً، أن المغرب يحقق معدل تضخم ضعيفاً منذ أقل من عقد من الزمن، من دون أن يترجم ذلك على مستوى النمو الاقتصادي.

ويتصور أن الحفاظ على معدل تضخم ضعيف لا يخدم سوى مصالح المصارف، وليس الاقتصاد، مشيراً إلى أن معدل التضخم المتواضع تستغله المصارف، من أجل اقتراح معدلات فوائد مرتفعة.

لكن هذا الطرح لا يحظى بالإجماع، ذلك أن معدل الفائدة منخفض اليوم بالمغرب، كما أن التوسع في الإقراض لن يفضي بالضرورة إلى ارتفاع التضخم، ما يدعو إلى ضرورة تبني سياسة اقتصادية تقوم على العرض، خصوصاً أن مستوى التضخم الحالي له علاقة بنظام الصرف، الذي شرع بالكاد في تحريره، ما يعني أن تطور الأسعار في المغرب مرتبط، كذلك، بالعلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي.

وكانت الحكومة قد تعرّضت لانتقادات شديدة من قبل مراقبين وسياسيين، عندما شرعت، قبل ثلاثة أعوام، في تقليص نفقات الدعم، عبر تحرير سعر السولار والبنزين، ما يضر بالطبقات الفقيرة والوسطى.

وسعت الحكومة إلى دفع تهمة التقشف عنها، فقد أكد رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، أن حكومته انخرطت في تنفيذ برامج ذات طابع اجتماعي.

غير أن المندوب السامي في التخطيط، أحمد الحليمي، يعتبر أن الحرص على التوازنات المالية كما تؤكد عليها المؤسسات المالية، لم يخدم المملكة، فهو يرى أنه لا يوجد بلد في طريق النمو يحرص على تضخم دون 2 في المائة أو عجز موازني دون 4 في المائة.

ويشدد على أن المغرب في حاجة إلى "تضخم جيد" من أجل دعم الآلة الاقتصادية، ما سيتيح للدولة بالوفاء بمديونيتها الداخلية بسرعة، والتي تبقى كبيرة ضمن مجمل المديونية العمومية.

ويعتبر الحليمي أنه من أجل دعم الادخار وتمويل الاستثمارات المنتجة، الموجه بشكل خاص إلى القطاع الخاص، وإعطاء دفعة قوية للنمو الاقتصادي والتشغيل وتحسين مداخيل الأسر، يفترض القبول بتضخم أكبر، ما يعني ضخ قروض مصرفية جديدة.

ويشدد على أن "التضخم الجيد"، كما يقول، سيساعد على توفير تمويلات للاستثمارات المنتجة، وخلق القيمة، عبر الصادرات، والاستعاضة عن الاستيراد بالإنتاج المحلي، بما لذلك من أثر على التشغيل وتحسين إيرادات الأسر، والمساهمة في التنمية البشرية عبر التعليم والصحة.

ودأب محافظ المركزي المغربي على التشديد على ضرورة تفادي إعادة إنتاج الشروط، التي أفضت إلى إخضاع المملكة لبرنامج التقويم الهيكلي من قبل صندوق النقد، في الثمانينيات من القرن الماضي، كأن يتوسع المغرب في الإنفاق غير المنتج، بما لذلك من تأثير على المديونية.

عجز وديون
في الوقت الذي يلح فيه صندوق النقد على ضرورة توسيع نطاق تحرير سعر صرف الدرهم، يتخوف المغرب من تأثير التوسيع على المالية العمومية، المتسم بعجز في حدود 3.7 في المائة، ويخشى من تدهور العجز التجاري، الذي وصل في العام الماضي إلى 21 مليار دولار.

وتستحضر السلطات المغربية احتمالات ارتفاع حجم وكلفة الدين الخارجي، الذي يمثل، حسب المندوبية السامية للتخطيط 30 في المائة من المديونية العمومية الشاملة.

وتشير اختبارات صندوق النقد إلى أن المديونية الخارجية سترتفع بشكل كبير، في ظل تراجع قوي لسعر صرف الدرهم المغربي.

وسترتفع المديونية الخارجية للمملكة، في حال انخفاض قيمة الدرهم المغربي بـ30 في المائة، من 36.2 في المائة إلى 45 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.

ويكرّس تريث المغرب الموقف الذي سبق أن عبر عنه محافظ المركزي المغربي، عبد اللطيف الجواهري، الذي لم يكف عن الرد على الانتقادات التي ترى أن مؤسسته تذعن في قراراتها لتوصيات صندوق النقد الدولي، خاصة بعد الحصول على خط الوقاية والسيولة.

واعتبر أن تلك الانتقادات تعكس "عقدة المستعمر"، التي تعني أن المسؤولين والأطر المغربية غير قادرين على اتخاذ قرارات من دون تأثيرات خارجية.
المساهمون