ارتفع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، الذي يقيس أداء الأسهم في سوق "وول ستريت"، بنسبة 75% خلال السنوات الخمس الماضية، إلا أن العائد على أسهم الطاقة انخفض بنسبة 5.0%، حسب بيانات نشرة ناسداك الأميركية في يوم 18 من الشهر الجاري.
لكن محللي سوق "وول ستريت" يتوقعون أن يتحسن أداء أسهم شركات الطاقة في العام المقبل بسبب المتغيرات الإيجابية المتوقعة في أسعار النفط.
ورغم هذه التوقعات الإيجابية، ترى نشرة بلاتس الأميركية المتخصصة في الطاقة، أن أسعار أسهم الطاقة ستتعرض لمجموعة من الضغوط خلال 2020.
وكانت أسهم شركات النفط الأميركية والعالمية المسجلة للتداول في "وول ستريت" قد بدأت عام 2019 بارتفاع، وتمكنت من جذب المستثمرين، إذ اعتقد العديد من المضاربين وقتها أن فترة انهيار أسعار النفط الطويلة ستنتهي، وأن الأسعار ستعود للارتفاع وبالتالي، فإن دورة الانتعاش الجديدة ستطاول أسواق الطاقة ووضعوا رهانات على أسهم شركات الطاقة الكبرى.
لكن سرعان ما بدت الحقائق تتكشف على أرض الواقع، وتزايدت إفلاسات شركات النفط الصخري مع انهيار دورة انتعاش أسعار النفط بسبب الحرب التجارية وتداعياتها على النمو الاقتصادي العالمي الذي يحدد الطلب على النفط.
ويفوق الطلب النفطي العالمي حالياً مائة مليون برميل يومياً بقليل، حسب بيانات وكالة الطاقة العالمية الأخيرة. وعلى الرغم من أن أسعار النفط ارتفعت في بداية العام الجاري 2019، إلا أنها عادت للانهيار في العديد من شهور العام، وأثرت سلباً على أداء أسهم الطاقة في سوق "وول ستريت"، لأنها كانت الأسوأ بين القطاعات التي تشكل مؤشر " ستاندرد آند بورز 500".
ولاحظ بحث أميركي، أن أهمية قطاع الطاقة في سوق المال تراجعت خلال العقود الأخيرة، بسبب المتغيرات التقنية. وكانت أسهم شركات الطاقة تُعَد المحرك الرئيسي لمؤشر "ستاندرد آند بوورز 500" طوال النصف الثاني من القرن الماضي وحتى العقد الأول من القرن الجاري، ذلك أن وزنها كان في المؤشر يشكل نسبة 20%.
لكن مع المتغيرات الحديثة في التقنية، تراجع وزن الطاقة في مؤشر "ستاندرد آند بورز" إلى أكثر قليلاً من 6.0%، وذلك حسب مؤسسة أبحاث أسواق المال الأميركية "سيبلس ريسيرش".
ولاحظ محللون في "سيبلس ريسيرش"، أن الصعود الكبير في أسهم تقنية المعلومات أثر على نفسيات المستثمرين في قطاع الطاقة المتأرجح، فابتعد العديد من صغار المستثمرين عن شراء أسهم شركات الطاقة الكبرى مثل شيفرون وشل وأكسون موبيل، بسبب التعقيدات الجيوسياسية الداخلة في حساب توقعات ربحية الأسهم.
مستقبل أسهم الطاقة
من الواضح أن جاذبية أسهم شركات الطاقة تعتمد على أسعار النفط والطلب على المشتقات النفطية، وهنالك العديد من المؤشرات التي تدعم احتمال عودة المستثمرين للمضاربة على أسهم الشركات النفطية الرخيصة سواء في أوروبا أو أميركا.
وحسب بيانات نشرة "أويل برايس"، فإن خام غرب تكساس، وهو خام القياس الأميركي أغلق في العام الماضي على سعر 45 دولاراً في المتوسط، ومن المتوقع أن يغلق الخام الأميركي العام الجاري عند سعر 60 دولاراً للبرميل، ذلك أن سعره راوح طوال العام بين 50 و65 دولاراً للبرميل، وبالتالي فإن مستقبل أسعار الطاقة يبدو أفضل حالاً في العام المقبل 2020.
وعدا عامل النفط الإيجابي، ترى نشرة "بلاتس المتخصصة في أبحاث الطاقة، أن هنالك 4 عوامل ستشكل تحديات رئيسية لأسهم الطاقة خلال العام المقبل. وهذه العوامل هي: انتخابات الرئاسة الأميركية، والضغوط البيئية العالمية على شركات النفط والدول لإنتاج طاقة نظيفة غير ملوثة للبيئة، والتوسع في إنتاج السيارات التي تعمل بالكهرباء وبدائل الطاقة الأخرى، وأخيراً تباطؤ الاقتصاد الصيني.
على صعيد أسعار النفط، ترى معظم مصارف الاستثمار العالمية، عدا مصرف "مورغان ستانلي"، أن أسعار النفط سترتفع خلال العام المقبل من مستوياتها الحالية، إذ راجع كل من مصارف "غولدمان ساكس" و"جي بي مورغان" و"بانك أميركا ـ ميريل لينش" من توقعاته لأسعار النفط نحو الارتفاع في العام المقبل، وذلك بعد الاتفاق الأولي بين واشنطن وبكين على حل النزاع التجاري. وهذا عامل إيجابي سيدعم ارتفاع أسهم شركات الطاقة.
في هذا الشأن، رفع مصرف "جي بي مورغان"، أكبر المصارف الأميركية، في الأسبوع الماضي من توقعاته لسعر النفط وتنبأ بتوازن أكبر بين العرض والطلب في العام المقبل في ظل زيادة منظمة "أوبك" وحلفائها تخفيضات الإنتاج وتحقق نمو اقتصادي أقوى في الأسواق الناشئة.
وعدل بنك الاستثمار توقعاته لسعر برنت إلى 64.5 دولارا للبرميل في 2020 من 59 دولاراً في وقت سابق، ولكنه توقع أن تنخفض الأسعار إلى 61.50 دولارا في 2021. كما أضاف أنه يتوقع مساراً مماثلاً لخام غرب تكساس الوسيط، وأن يسجل سعره 60 دولاراً في المتوسط في 2020 و57.50 دولارا في 2021. ولا يزال البنك يتوقع نمو الطلب العالمي على الخام بواقع مليون برميل يومياً.
الانتخابات الأميركية
أما على صعيد الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة، ففي حال خسارة الرئيس دونالد ترامب، فإن شركات الطاقة الأميركية ربما ستخسر العديد من رخص الكشوفات والتنقيب التي حظيت بها تحت ظل إدارة ترامب في حال خسارته الانتخابات.
وفي حال صعود الديمقراطيين إلى الحكم، هم الذين يعارضون التوسع في إنتاج النفط الصخري ويدعمون الحركات الشعبية الواسعة في أميركا المناصرة للبيئة.
تتوقع نشرة بلاتس المتخصصة، خسارة أسهم شركات الطاقة التقليدية، وربما حدوث زيادة ملحوظة في استثمارات الطاقة المتجددة التي يدعمها العديد من أثرياء الولايات المتحدة، خاصة مليارديرات تقنية المعلومات والخدمات مثل بيل غيتس وجيف بيزوس. وهؤلاء لديهم القدرة على ضخ مليارات الدولارات في أبحاث تقنيات الطاقة الحديثة.
وإضافة إلى هؤلاء، تعارض مجموعة كبيرة من منظمات المجتمع المدني في أميركا نشاطات شركات النفط المعتمدة على النفط التقليدي الذي يحتوي على كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون الملوث للبيئة. وتدعم هذه الجماعات التحول نحو الغاز الطبيعي والمصادر البديلة في توليد الطاقة. وحسب مسح أميركي حول توجهات الاستثمارية للأثرياء، فإن 45% من الأثرياء قالوا إنهم سيستثمرون في مصادر الطاقة المتجددة في العام المقبل.
أما العامل الثالث، فهو التوسع في إنتاج الطاقات البديلة في وقود السيارات، فهنالك أكثر من مليار سيارة في العالم تعمل حالياً بالطاقة البديلة، أكثرها بالكهرباء. ويمثل قطاع المواصلات نسبة 20% من التلوث البيئي في العالم، وبالتالي ترى نشرة بلاتس أن استخدام البدائل سيكون مهماً في خفض الغازات الملوثة للجو.
وعلى مدى السنوات العديدة الماضية تم الترويج للوقود الحيوي في الولايات المتحدة وأوروبا باعتباره وسيلة لمعالجة المخاوف المتعلقة بتغير المناخ وفي الوقت نفسه الاستجابة لهاجس أمن إمدادات الطاقة.
وعمدت الولايات المتحدة إلى إدخال تغييرات كبيرة على متوسط معايير الاقتصاد في استهلاك الوقود وحددت ضمن قانون خاص حداً أدنى إلزامياً من الأنواع المختلفة من الوقود البديلة والمتجددة لتحل محل استخدام البنزين في قطاع النقل.
وسنت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قوانين لزيادة نسبة الإيثانول في مزيج وقود النقل ليصل إلى نحو 2.35 مليون برميل يومياً (نحو 36 مليار غالون في السنة) كحد أدنى من أنواع الوقود البديلة والمتجددة بحلول عام 2022.
أما العامل الأخير فهو انخفاض معدل النمو الاقتصادي الصيني، وهذه العوامل ستخفض من جاذبية أسهم شركات الطاقة رغم ارتفاع أسعار النفط.