من حق أصحاب الودائع والمدخرات الصغيرة في مصر أن يُصابوا بالذعر الشديد هذه الأيام، ومن حق أصحاب شهادات استثمار قناة السويس تحديداً أن يصابوا بذعر أكبر، فالبنوك تسارع إلى خفض أسعار الفائدة على الأوعية الادخارية لديها، خاصة تلك التي يتعامل عليها صغار المودعين.
وأبرز الأوعية التي أصابها خفض الفائدة شهادات العائد الثابت والودائع وحسابات التوفير والتي يتعامل عليها ملايين المصريين، خاصة هؤلاء الذين يبحثون عن الأمان في معاملاتهم المالية ولا يفضلون المخاطرة بمدخراتهم المحدودة.
البنوك تنطلق في قرارها الحالي من قرار البنك المركزي، الخميس الماضي، خفض سعر الفائدة بنسبة 1.5% للمرة الأولى منذ شهر فبراير/ شباط الماضي.
والبنك المركزي يستند في قراره إلى عدة أسباب، أبرزها حدوث انخفاض حاد في معدل التضخم خلال شهر يوليو/ تموز الماضي ليتراجع إلى 7.8% مقابل 13% في يوليو 2018، ووجود موجة لخفض سعر الفائدة في الأسواق العالمية.
والمواطن لا يقتنع بتراجع معدل التضخم خاصة في شهر يوليو تحديداً، وهو الشهر الذي شهد قفزات في أسعار السلع والخدمات.
بل إن هذا المواطن يتساءل: كيف يحدث هذا التراجع الشديد في التضخم، في الوقت الذي رفعت فيه الحكومة أسعار البنزين والسولار والغاز بمعدلات كبيرة، وكيف تتراجع الأسعار مع زيادة فواتير الكهرباء والمياه والرسوم الحكومية وتذكرة الخط الثالث لمترو الأنفاق؟
إذاً، المواطن غير مقتنع بمبررات خفض سعر الفائدة لأنه لا يشعر بتراجع معدل التضخم في مصروف جيبه ونفقاته الشهرية ولأسعار من حوله، بل يصف بعض المواطنين التراجع بالمزعوم والمصطنع والمبالغ فيه، ولا يستند هذا التراجع إلى واقع على الأرض يقول إن الأسعار لا تزال تواصل ارتفاعاتها داخل الأسواق.
وبالتالي فإن الحجة التي يستند إليها البنك المركزي في خفض سعر الفائدة في هذا التوقيت تبدو غير منطقية بالنسبة لشريحة كبيرة من المواطنين، خاصة الطبقة الوسطى التي تآكلت في السنوات الأخيرة، وكذا المتعاملين مع البنوك من أصحاب الدخول المحدودة.
بل ويرى هؤلاء أن المبرر القوي لقرار البنك المركزي والخاص بخفض الفائدة هو فقط لمساعدة الحكومة على خفض الدين العام المحلي وتوفير أكثر من 11 مليار جنيه من كلفته سنويا.
وبالتالي يتم تحميل المواطن مجدداً فاتورة ما يسمى ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، كما تم تحميله سابقاً فاتورة إصلاح نظام الدعم الحكومي عبر زيادة أسعار الوقود والكهرباء والغاز والمياه، وكذا تحميله خطة خفض عجز الموازنة العامة للدولة عبر زيادة الضرائب والجمارك والرسوم.
أما عن توقيت خفض الفائدة فهو متعمد من وجهة نظر كثيرين، ليس فقط بسبب تراجع معدل التضخم المزعوم، لكن أيضاً بسبب الأموال التي سيتسلمها أصحاب شهادات استثمار قناة السويس خلال أيام والبالغة قيمتها 64 مليار جنيه.
فهذه الأموال تبحث عن فرص استثمار آمنة عقب استردادها من الحكومة، والودائع أبرز وسيلة آمنة، وبالتالي تم تفويت الفرصة على أصحاب الشهادات للحصول على سعر فائدة مرتفع عبر قرار خفض الفائدة الأخير.
الخطورة هنا أن يقع أصحاب المدخرات المحدودة في مصيدة شركات توظيف الأموال التي ستغريهم بالفائدة المرتفعة والربح السريع، وهنا نكرر كارثة شركات توظيف الأموال التي وقعت في فترة الثمانينات من القرن الماضي وكبدت الاقتصاد والبنوك والمجتمع خسائر فادحة طالت سنوات طويلة.