أثار تشديد القوانين التركية في إسطنبول مخاوف المستثمرين السوريين الذين أعرب بعضهم عن قلقهم وتأهبهم لإخراج أموالهم إلى دول أخرى في ظل الإجراءات الأخيرة التي أفضت إلى ترحيل المئات من السوريين.
وكان للمستثمرين السوريين حظ في إنعاش الاقتصاد التركي خلال السنوات الثماني التي أعقبت اندلاع الثورة السورية عام 2011، وساهمت آلاف الشركات التي أسسوها في تنشيط العديد من القطاعات الصناعية والتجارية والسياحية والعقارية.
ومنحت تركيا، ومنذ بدء تدفق السوريين إلى أراضيها، المستثمرين السوريين ميزات وتسهيلات بدءاً من تأسيس الشركات ومزاولة العمل والإنتاج والتصدير، ما دفع رأس المال السوري، بما فيه بعض الموطّن بدول الجوار، للقدوم إلى تركيا وتأسيس شركات ومشروعات إنتاجية وخدمية، حتى وصل عدد الشركات السورية بتركيا، ووفق إحصاءات تركية رسمية، لنحو 10 آلاف شركة مرخصة، فضلاً عن شركات فردية وخدمية غير مسجلة.
وفي آخر إحصائية تركية، يشير تقرير وقف أبحاث السياسات الاقتصادية التركية "TEPAV" إلى أن نسبة الشركات السورية التي تأسست بتركيا عام 2018، ارتفع عن العام السابق ليصل إلى ما يعادل 11.8% من إجمالي الشركات الأجنبية في تركيا.
كما حلّ السوريون في المرتبة الأولى لجهة الحصول على تصاريح العمل العام الفائت بتركيا خلال العام الماضي، بعدما حصل نحو 21 ألف سوري على أذون عمل، بنسبة 24% من مجمل ما منحته وزارة العمل والضمان الاجتماعي.
ولم يتوقف السوريون، حتى منتصف العام الجاري، عن استثمار أموالهم في تركيا، رغم التضييقات الأخيرة وواصلوا تصدرهم لقائمة الدول العربية الأكثر استثماراً في تركيا.
تبدل المعاملة
يؤكد رجال أعمال سوريون لـ"العربي الجديد"، أن نهج التسهيلات الذي منحته تركيا في ما مضى للسوريين، بدأ يتبدل، خاصة بعد الإجراءات الأخيرة ضدهم في عدد من المدن، تتقدمها إسطنبول، كذلك إثر تركيز المعارضة التركية على ورقة السوريين خلال الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، إذ حملوا السوريين الموجودين بتركيا المسؤولية عن تراجع مستوى المعيشة لبعض الأتراك، ومسؤولية التضخم النقدي وارتفاع نسب البطالة.
اقــرأ أيضاً
ويوضح المستثمر السوري في الصناعة بإسطنبول محمد نحاس، لـ"العربي الجديد"، أن الجهات الحكومية تتشدد مع المستثمرين في استخراج الأوراق والتراخيص وتسجيل العمال بالتأمينات، لدرجة "شعورنا بالاستهداف أحياناً".
ويضيف نحاس: "صحيح أنه لا ضير من تطبيق كل ما هو ممكن ويعود بالفائدة على العامل وتركيا، ولكن تطبيق بعض القوانين، وأهمها أن تكون بطاقة الحماية المؤقتة للعامل صادرة عن ولاية إسطنبول حصراً، أو يرحّل العامل للولاية التي حصل منها على البطاقة، وضعنا بمواقف حرجة بعد تسرّب العمال".
ويتابع: "اليوم تلاحقنا السلطات المعنية حول إذن العمل، وبالوقت نفسه لا تصدر وزارة العمل إذناً لمن لا يحمل بطاقة من إسطنبول، فما الحل؟"، ويقول: "كل مخالفة لعامل غير مسجل، سندفع عليها نحو ألفي ليرة تركية (الدولار = 5.677 ليرات)، وربما قريباً يغلقون منشآتنا بالشمع الأحمر بحجة عدم تطبيق القانون، فنحن لا نعرف ماذا يمكن أن يطلبوا بعد ذلك".
البحث عن بلد آخر
هدد رجل الأعمال السوري محمد نزار بيطار بنقل استثماراته التي تزيد كتلتها عن نحو 40 مليون ليرة (7 ملايين دولار)، إلى خارج تركيا، إذا استمرت البلديات والحكومة بالتضييق على المستثمرين.
ويؤكد بيطار لـ"العربي الجديد"، أن موظفين من بلدية "بي أوغلو" بمنطقة تقسيم، أنزلوا اللوحات الدعائية لمطعميه هناك، دون تنسيق أو سابق إنذار، وهو ما يعتبره "استهتاراً وتطفيشاً" للسوريين.
وفي حين يشير بيطار إلى أن السوريين يتفهمون ويحترمون القوانين التركية، فهو يلفت إلى أن التضييق بات واضحاً، وبدأ "زمن التشديد بعد فترة من التساهل والترحيب التي لاقاها المستثمرون السوريون".
ولم تكن ردة فعل بيطار مبعث قراره بالبحث عن بلد آخر ينقل إليه استثماراته، بل بدأت رحلة التفكير بهجرة تركيا تسيطر على رجال أعمال سوريين كثيرين بعد ملاحقة البلديات للمستثمرين وأصحاب المحال.
فمن منطقة الفاتح بإسطنبول يؤكد المستثمر بقطاع الغذائيات وصاحب سلسلة المطاعم عبد المجيد عاشور، أنه يفكر بالهجرة إلى أوروبا، بعد "التضييق الواضح وبشكل مفاجئ من البلدية ووزارة العمل"، واصفاً خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن ما يشبه التعجيز "تطلبه منا تركيا، فخلال ليلة وضحاها، لم يعد يحق لنا تشغيل أي عامل من دون إذن عمل، وهناك شروط تعجيزية على استصدار أذن العمل، أولها أن تكون بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك) صادرة عن ولاية إسطنبول، ونصف عمالي بطاقاتهم من مدن أخرى".
واستدرك المستثمر أنه "حينما أتينا إلى تركيا لم تطلب منا السلطات سوى ورقة ضريبة البلدية (فيرغي)، في حين اليوم، وبشكل متسارع، يريدون تطبيق القانون وبحذافيره، طبعاً نحن لسنا ضد تطبيق القانون، بل على العكس، لكن شرط أن تكون بطاقة العامل بإسطنبول صادرة عن إسطنبول هي المشكلة، والأكثر تعقيداً أن السلطات بإسطنبول لا تمنح السوريين بطاقات حماية ولا تنقل بطاقاتهم من مدن أخرى لإسطنبول".
وروى عاشور، المقدّرة استثماراته بأكثر من 100 ألف دولار، حسب قوله، قصصاً عدة عن نية مستثمرين سوريين هجرة تركيا والبحث عن بلدان جديدة.
الرأي القانوني
يقول القانوني أيمن فهمي أبو هاشم إن أي إجراء تأخذه الدولة المضيفة للاجئين يجب أن يراعي الحقوق والمصالح المتبادلة لهم وللدولة. ويضيف أبو هاشم لـ"العربي الجديد": لكن الإجراءات الأخيرة التي بدأت تركيا بتطبيقها، تتضمن استسهالا لعمليات الترحيل تحت ذريعة عدم حمل اللاجئ لبطاقة الحماية، مع أن هناك بدائل كثيرة لمعالجة الموضوع، منها السماح لمن لا يحمل "كيملك" بالانتقال لولايات غير إسطنبول للحصول عليه، لأن الترحيل يشكل خرقا لعدم الإعادة القسرية بالقانون الدولي.
وهذا المبدأ يقيّد استخدام الدول للطرد أو ترحيل اللاجئين إلا ضمن نطاق ضيق يتعلق بأمنها القومي، أما التوسع باستخدامه، بحق اللاجئين، فهو انتهاك لوضعهم القانوني، ولا سيما أن البلد الذي فروا منه لم يزل بحالة حرب.
وحول طلب تركيا أذونات عمل وحصرية العامل بالولاية التي حصل منها على بطاقة الحماية، يقول القانوني أبو هاشم إن هذه الطلبات تنعكس سلباً على الاقتصاد التركي وعلى واللاجئين وأرباب العمل، وكان يمكن اتخاذ إجراءات لتنظيم عمل اللاجئين بصورة مرنة أكثر، كتسهيل منح أذونات العمل وتخفيف نسبة الضرائب عليها، خاصة لأصحاب المنشآت الصغيرة، التي يمكن لتكاليف إذن العمل والرسوم والضرائب أن ترهقهم، وربما أيضاً أن يتحولوا إلى عاطلين بعد إغلاق محالهم ومنشآتهم الصغيرة، أو يفكروا بالهجرة، حتى غير الشرعية من تركيا.
الرواية التركية
يقول رئيس المجلس الأعلى لرجال الأعمال العرب بإسطنبول والمستثمر التركي أحمد يبرودي، لـ"العربي الجديد"، إن تركيا كانت ولا تزال ترحب بأي استثمار، بل وتقدم التسهيلات والإعفاءات وذلك ضمن سياستها التنموية، لكن القوانين يجب أن تطبق على المستثمرين الأجانب والعرب، كما تطبق على الأتراك أنفسهم، وذلك لضمان استمرار العمل بما يتناسب مع نظام الدولة ونهجها.
ويضيف أحمد يبرودي: حصل السوريون خلال السنوات الماضية، على ميزات وتسهيلات لا يحلم بها الأتراك، رغم أنهم على الأرض وبالأسواق، منافسين للمواطنين، واليوم كل ما في الأمر، ضرورة التزام السوريين بالقانون، سواء لجهة التراخيص أو وضع العمال القانوني وتوزيع السوريين على الولايات التي حصلوا منها على اللجوء وبطاقة الحماية.
بدوره، يقول الاقتصادي ورجل الأعمال التركي أوزجان أويصال: تركيا لا تضيق على أحد، بل منحت السوريين خصوصية وميزات وإعفاءات من الضرائب وتسجيل العمال وحتى تشغيل عمال أتراك كما تفعل مع الجميع، وما يجري اليوم هو تطبيق بعض القوانين التي تعود بالنفع والانضباط على الجميع، فلماذا التهويل والشكايات والتهديد بنقل الاستثمارات؟ وحول مشكلة عدم منح ولاية إسطنبول بطاقات حماية مؤقتة للسوريين ومعظم العمال مسجلون بولايات أخرى، يتساءل أويصال: لماذا يركز السوريون على إسطنبول حتى زاد عددهم على 750 ألف سوري، بل ويزيدون ببعض الولايات عن عدد الأتراك أنفسهم، كما في مرسين؟
ويتساءل أويصال أيضاً: لماذا لا يؤسس السوريون أعمالهم بولايات الجنوب وجنوب شرق تركيا، وهي مناطق تشجع الحكومة على الاستثمار بها، لتخفيف الضغط على إسطنبول. ويختم الاقتصادي التركي: كل دول العالم التي تستضيف لاجئين، توزعهم على حسب خططها التنموية والديمغرافية، لكن تركيا تركت كامل الحرية للسوريين، لكنهم توجهوا نحو المدن الكبرى، ما نجمت عنه مخالفات ومشاكل وتغيير ديموغرافي.
حلول مقترحة
يقول المستثمر الإعلامي نضال معلوف: "لو فرضنا جدلاً أن القرارات التركية الأخيرة خاطئة وفيها ظلم للسوريين، لكن ذلك من أبسط حقوقها كدولة، تريد أن تضبط الأمور وتقونن العمالة ووجود السوريين وتمنع فسح المجال لأي مناخ مخالفة أو حتى جريمة، فما العمل؟". ويضيف معلوف لـ"العربي الجديد": هل نستمر بالشكايات واللوم وتحريض السوريين، أم نتحمل المسؤولية ونساهم مع الدولة التي استضافت نحو 4 ملايين سوري بتطبيق القانون، طبعاً بما لا يضر السوريين؟
ورأى معلوف أن الحل يكمن في إيجاد قنوات للتواصل مع أصحاب القرار والنفوذ، أفرادا أو أحزابا أو جمعيات ومحاولة شرح وجهة نظرنا وتقديم مطالب معقولة والتمني بتنفيذها بكل ما نملك من "دبلوماسية".
وختم معلوف: لا يهم إن كانت تركيا على خطأ أو صواب، المهم ألا يؤجج البعض الوضع ويثيروا الحكومة والرأي العام التركي ضد السوريين.
وفي هذا السياق، يقول رئيس الجالية السورية بإسطنبول، نزار الخراط، لـ"العربي الجديد": لم نتوقف عن لقاء المسؤولين الأتراك، ولدي موعد مع مسؤولين أتراك بارزين لنقل ما يعانيه السوريون جراء تطبيق القوانين دفعة واحدة وأثر ذلك على دخلهم واستقرارهم، وحتى استمرار أعمالهم بتركيا.
ويضيف الخراط: "التقيت وعلى مدى الأيام الفائتة، برجال أعمال سوريين وأصحاب منشآت ومطاعم، ووقفنا على معاناتهم واقتراحات الحلول وهي كثيرة، منها تحميل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي جزءا من المسؤولية والأعباء المالية، ومعاملة العامل السوري مثل التركي لجهة التأمين والضمان".
ويتابع: سنركز على قضية ملاحقة السوريين بإسطنبول وترحيل البعض لشمال غرب سورية، لأن ذلك حقيقة، ووقفنا على كثير من حالات لولايات أخرى بشكل فوري، حتى دون السماح بنقل الممتلكات أو الأسرة، بالإضافة إلى ترحيل سوريين إلى المناطق السورية المحررة.
وكان للمستثمرين السوريين حظ في إنعاش الاقتصاد التركي خلال السنوات الثماني التي أعقبت اندلاع الثورة السورية عام 2011، وساهمت آلاف الشركات التي أسسوها في تنشيط العديد من القطاعات الصناعية والتجارية والسياحية والعقارية.
ومنحت تركيا، ومنذ بدء تدفق السوريين إلى أراضيها، المستثمرين السوريين ميزات وتسهيلات بدءاً من تأسيس الشركات ومزاولة العمل والإنتاج والتصدير، ما دفع رأس المال السوري، بما فيه بعض الموطّن بدول الجوار، للقدوم إلى تركيا وتأسيس شركات ومشروعات إنتاجية وخدمية، حتى وصل عدد الشركات السورية بتركيا، ووفق إحصاءات تركية رسمية، لنحو 10 آلاف شركة مرخصة، فضلاً عن شركات فردية وخدمية غير مسجلة.
وفي آخر إحصائية تركية، يشير تقرير وقف أبحاث السياسات الاقتصادية التركية "TEPAV" إلى أن نسبة الشركات السورية التي تأسست بتركيا عام 2018، ارتفع عن العام السابق ليصل إلى ما يعادل 11.8% من إجمالي الشركات الأجنبية في تركيا.
كما حلّ السوريون في المرتبة الأولى لجهة الحصول على تصاريح العمل العام الفائت بتركيا خلال العام الماضي، بعدما حصل نحو 21 ألف سوري على أذون عمل، بنسبة 24% من مجمل ما منحته وزارة العمل والضمان الاجتماعي.
ولم يتوقف السوريون، حتى منتصف العام الجاري، عن استثمار أموالهم في تركيا، رغم التضييقات الأخيرة وواصلوا تصدرهم لقائمة الدول العربية الأكثر استثماراً في تركيا.
تبدل المعاملة
يؤكد رجال أعمال سوريون لـ"العربي الجديد"، أن نهج التسهيلات الذي منحته تركيا في ما مضى للسوريين، بدأ يتبدل، خاصة بعد الإجراءات الأخيرة ضدهم في عدد من المدن، تتقدمها إسطنبول، كذلك إثر تركيز المعارضة التركية على ورقة السوريين خلال الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، إذ حملوا السوريين الموجودين بتركيا المسؤولية عن تراجع مستوى المعيشة لبعض الأتراك، ومسؤولية التضخم النقدي وارتفاع نسب البطالة.
ويوضح المستثمر السوري في الصناعة بإسطنبول محمد نحاس، لـ"العربي الجديد"، أن الجهات الحكومية تتشدد مع المستثمرين في استخراج الأوراق والتراخيص وتسجيل العمال بالتأمينات، لدرجة "شعورنا بالاستهداف أحياناً".
ويتابع: "اليوم تلاحقنا السلطات المعنية حول إذن العمل، وبالوقت نفسه لا تصدر وزارة العمل إذناً لمن لا يحمل بطاقة من إسطنبول، فما الحل؟"، ويقول: "كل مخالفة لعامل غير مسجل، سندفع عليها نحو ألفي ليرة تركية (الدولار = 5.677 ليرات)، وربما قريباً يغلقون منشآتنا بالشمع الأحمر بحجة عدم تطبيق القانون، فنحن لا نعرف ماذا يمكن أن يطلبوا بعد ذلك".
البحث عن بلد آخر
هدد رجل الأعمال السوري محمد نزار بيطار بنقل استثماراته التي تزيد كتلتها عن نحو 40 مليون ليرة (7 ملايين دولار)، إلى خارج تركيا، إذا استمرت البلديات والحكومة بالتضييق على المستثمرين.
ويؤكد بيطار لـ"العربي الجديد"، أن موظفين من بلدية "بي أوغلو" بمنطقة تقسيم، أنزلوا اللوحات الدعائية لمطعميه هناك، دون تنسيق أو سابق إنذار، وهو ما يعتبره "استهتاراً وتطفيشاً" للسوريين.
وفي حين يشير بيطار إلى أن السوريين يتفهمون ويحترمون القوانين التركية، فهو يلفت إلى أن التضييق بات واضحاً، وبدأ "زمن التشديد بعد فترة من التساهل والترحيب التي لاقاها المستثمرون السوريون".
ولم تكن ردة فعل بيطار مبعث قراره بالبحث عن بلد آخر ينقل إليه استثماراته، بل بدأت رحلة التفكير بهجرة تركيا تسيطر على رجال أعمال سوريين كثيرين بعد ملاحقة البلديات للمستثمرين وأصحاب المحال.
فمن منطقة الفاتح بإسطنبول يؤكد المستثمر بقطاع الغذائيات وصاحب سلسلة المطاعم عبد المجيد عاشور، أنه يفكر بالهجرة إلى أوروبا، بعد "التضييق الواضح وبشكل مفاجئ من البلدية ووزارة العمل"، واصفاً خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن ما يشبه التعجيز "تطلبه منا تركيا، فخلال ليلة وضحاها، لم يعد يحق لنا تشغيل أي عامل من دون إذن عمل، وهناك شروط تعجيزية على استصدار أذن العمل، أولها أن تكون بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك) صادرة عن ولاية إسطنبول، ونصف عمالي بطاقاتهم من مدن أخرى".
واستدرك المستثمر أنه "حينما أتينا إلى تركيا لم تطلب منا السلطات سوى ورقة ضريبة البلدية (فيرغي)، في حين اليوم، وبشكل متسارع، يريدون تطبيق القانون وبحذافيره، طبعاً نحن لسنا ضد تطبيق القانون، بل على العكس، لكن شرط أن تكون بطاقة العامل بإسطنبول صادرة عن إسطنبول هي المشكلة، والأكثر تعقيداً أن السلطات بإسطنبول لا تمنح السوريين بطاقات حماية ولا تنقل بطاقاتهم من مدن أخرى لإسطنبول".
وروى عاشور، المقدّرة استثماراته بأكثر من 100 ألف دولار، حسب قوله، قصصاً عدة عن نية مستثمرين سوريين هجرة تركيا والبحث عن بلدان جديدة.
الرأي القانوني
يقول القانوني أيمن فهمي أبو هاشم إن أي إجراء تأخذه الدولة المضيفة للاجئين يجب أن يراعي الحقوق والمصالح المتبادلة لهم وللدولة. ويضيف أبو هاشم لـ"العربي الجديد": لكن الإجراءات الأخيرة التي بدأت تركيا بتطبيقها، تتضمن استسهالا لعمليات الترحيل تحت ذريعة عدم حمل اللاجئ لبطاقة الحماية، مع أن هناك بدائل كثيرة لمعالجة الموضوع، منها السماح لمن لا يحمل "كيملك" بالانتقال لولايات غير إسطنبول للحصول عليه، لأن الترحيل يشكل خرقا لعدم الإعادة القسرية بالقانون الدولي.
وهذا المبدأ يقيّد استخدام الدول للطرد أو ترحيل اللاجئين إلا ضمن نطاق ضيق يتعلق بأمنها القومي، أما التوسع باستخدامه، بحق اللاجئين، فهو انتهاك لوضعهم القانوني، ولا سيما أن البلد الذي فروا منه لم يزل بحالة حرب.
وحول طلب تركيا أذونات عمل وحصرية العامل بالولاية التي حصل منها على بطاقة الحماية، يقول القانوني أبو هاشم إن هذه الطلبات تنعكس سلباً على الاقتصاد التركي وعلى واللاجئين وأرباب العمل، وكان يمكن اتخاذ إجراءات لتنظيم عمل اللاجئين بصورة مرنة أكثر، كتسهيل منح أذونات العمل وتخفيف نسبة الضرائب عليها، خاصة لأصحاب المنشآت الصغيرة، التي يمكن لتكاليف إذن العمل والرسوم والضرائب أن ترهقهم، وربما أيضاً أن يتحولوا إلى عاطلين بعد إغلاق محالهم ومنشآتهم الصغيرة، أو يفكروا بالهجرة، حتى غير الشرعية من تركيا.
الرواية التركية
يقول رئيس المجلس الأعلى لرجال الأعمال العرب بإسطنبول والمستثمر التركي أحمد يبرودي، لـ"العربي الجديد"، إن تركيا كانت ولا تزال ترحب بأي استثمار، بل وتقدم التسهيلات والإعفاءات وذلك ضمن سياستها التنموية، لكن القوانين يجب أن تطبق على المستثمرين الأجانب والعرب، كما تطبق على الأتراك أنفسهم، وذلك لضمان استمرار العمل بما يتناسب مع نظام الدولة ونهجها.
ويضيف أحمد يبرودي: حصل السوريون خلال السنوات الماضية، على ميزات وتسهيلات لا يحلم بها الأتراك، رغم أنهم على الأرض وبالأسواق، منافسين للمواطنين، واليوم كل ما في الأمر، ضرورة التزام السوريين بالقانون، سواء لجهة التراخيص أو وضع العمال القانوني وتوزيع السوريين على الولايات التي حصلوا منها على اللجوء وبطاقة الحماية.
بدوره، يقول الاقتصادي ورجل الأعمال التركي أوزجان أويصال: تركيا لا تضيق على أحد، بل منحت السوريين خصوصية وميزات وإعفاءات من الضرائب وتسجيل العمال وحتى تشغيل عمال أتراك كما تفعل مع الجميع، وما يجري اليوم هو تطبيق بعض القوانين التي تعود بالنفع والانضباط على الجميع، فلماذا التهويل والشكايات والتهديد بنقل الاستثمارات؟ وحول مشكلة عدم منح ولاية إسطنبول بطاقات حماية مؤقتة للسوريين ومعظم العمال مسجلون بولايات أخرى، يتساءل أويصال: لماذا يركز السوريون على إسطنبول حتى زاد عددهم على 750 ألف سوري، بل ويزيدون ببعض الولايات عن عدد الأتراك أنفسهم، كما في مرسين؟
ويتساءل أويصال أيضاً: لماذا لا يؤسس السوريون أعمالهم بولايات الجنوب وجنوب شرق تركيا، وهي مناطق تشجع الحكومة على الاستثمار بها، لتخفيف الضغط على إسطنبول. ويختم الاقتصادي التركي: كل دول العالم التي تستضيف لاجئين، توزعهم على حسب خططها التنموية والديمغرافية، لكن تركيا تركت كامل الحرية للسوريين، لكنهم توجهوا نحو المدن الكبرى، ما نجمت عنه مخالفات ومشاكل وتغيير ديموغرافي.
حلول مقترحة
يقول المستثمر الإعلامي نضال معلوف: "لو فرضنا جدلاً أن القرارات التركية الأخيرة خاطئة وفيها ظلم للسوريين، لكن ذلك من أبسط حقوقها كدولة، تريد أن تضبط الأمور وتقونن العمالة ووجود السوريين وتمنع فسح المجال لأي مناخ مخالفة أو حتى جريمة، فما العمل؟". ويضيف معلوف لـ"العربي الجديد": هل نستمر بالشكايات واللوم وتحريض السوريين، أم نتحمل المسؤولية ونساهم مع الدولة التي استضافت نحو 4 ملايين سوري بتطبيق القانون، طبعاً بما لا يضر السوريين؟
ورأى معلوف أن الحل يكمن في إيجاد قنوات للتواصل مع أصحاب القرار والنفوذ، أفرادا أو أحزابا أو جمعيات ومحاولة شرح وجهة نظرنا وتقديم مطالب معقولة والتمني بتنفيذها بكل ما نملك من "دبلوماسية".
وختم معلوف: لا يهم إن كانت تركيا على خطأ أو صواب، المهم ألا يؤجج البعض الوضع ويثيروا الحكومة والرأي العام التركي ضد السوريين.
ويضيف الخراط: "التقيت وعلى مدى الأيام الفائتة، برجال أعمال سوريين وأصحاب منشآت ومطاعم، ووقفنا على معاناتهم واقتراحات الحلول وهي كثيرة، منها تحميل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي جزءا من المسؤولية والأعباء المالية، ومعاملة العامل السوري مثل التركي لجهة التأمين والضمان".
ويتابع: سنركز على قضية ملاحقة السوريين بإسطنبول وترحيل البعض لشمال غرب سورية، لأن ذلك حقيقة، ووقفنا على كثير من حالات لولايات أخرى بشكل فوري، حتى دون السماح بنقل الممتلكات أو الأسرة، بالإضافة إلى ترحيل سوريين إلى المناطق السورية المحررة.