استمع إلى الملخص
- تراجع الإنتاج المحلي للغاز أدى إلى إجراءات طارئة مثل قطع الكهرباء وتقليص إمدادات المصانع، وتسعى مصر لزيادة الواردات رغم التحديات المالية.
- التوترات في الشرق الأوسط تؤثر على أسواق الطاقة العالمية، مع توقعات بارتفاع أسعار الغاز، ويدعو الخبراء لتنويع المصادر وتسريع الاكتشافات الجديدة.
يسيطر القلق على الاقتصاديين في مصر من تداعيات توسع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان في المنطقة، لا سيما إيران، ما يهدد إمدادات الطاقة، لا سيما الغاز الطبيعي الذي يُستورَد من الحقول الإسرائيلية، بينما سارعت الدولة، على لسان رئيس حكومتها مصطفى مدبولي، إلى القول إن القاهرة قد تلجأ إلى "اقتصاد الحرب".
تضع التوترات المتصاعدة إمدادات الطاقة إلى مصر في فوهة نيران أزمة طاحنة، بينما شهدت واردات الغاز من الحقول الإسرائيلية البالغة 1.1 مليار قدم مكعبة يومياً تراجعاً حاداً في الفترة الماضية، بعد تعطل الأعمال في حقلي تمار وليفياثان قبالة السواحل الفلسطينية المحتلة، خشية هجوم إيراني عليهما.
ووسط المخاوف الأمنية، تعمل سلطات الاحتلال الإسرائيلي على توجيه الكميات المستخرجة من الحقلين إلى السوق المحلية لتخزين كميات أكبر كميات. وتهدد أزمة الغاز قدرة مصر على توفير الكهرباء بانتظام خلال الفترة المقبلة، وفقاً لتصريحات رئيس مجلس الوزراء مساء الأربعاء الماضي، التي قال فيها إن بلاده قد تلجأ إلى "اقتصاد الحرب".
يقول خبير اقتصاديات الطاقة محمد فؤاد إن امدادات الغاز من إسرائيل تمثل 15% من احتياجات مصر اليومية، ما يتطلب التعاقد على شراء صفقات غاز مسال جديدة، يجرى دفعها للشبكة الموحدة عبر محطتي استقبال الغاز المسال في العين السخنة في خليج السويس بالبحر الأحمر (شرق مصر) وميناء العقبة الأردني المتصل بشبكة الغاز المصرية، وفي حال اندلاع الحرب، فلن تكون المحطتان كافيتين لضخ المزيد من الشحنات، ما يستدعي تفكير الحكومة في تأجير محطة ثالثة لجسر الهوة بين الاستهلاك والواردات.
يشير فؤاد لـ"العربي الجديد" إلى أن تكلفة تشغيل محطة ثالثة لاستقال الغاز المسال وتحويله إلى غاز طبيعي تبلغ 200 ألف دولار يومياً، وشراء كميات من الغاز تقدر بنحو 150 مليون دولار شهرياً، في وقت تعاني فيه الحكومة من شح النقد الأجنبي وتراجع الإيرادات العامة بالدولار.
تراجع الإنتاج من آبار الغاز المصرية
وتشهد آبار الغاز المصرية تراجعاً في الإنتاج منذ سبعة أشهر متأثرة بمشاكل فنية في حقل ظهر بالبحر المتوسط شمال البلاد، لتنتج نحو 4.6 مليارات قدم مكعبة يومياً بدلاً من 5.3 مليارات قدم مكعبة، على أساس سنوي، بينما يرتفع حجم استهلاك الغاز اللازم لتشغيل 75% من محطات توليد الكهرباء والمصانع والاستهلاك المنزلي إلى مستوى 6.2 مليارات قدم مكعبة يومياً. ويدفع انخفاض الغاز المحلي إلى اعتماد مصر على استيراد 1.1 مليار قدم مكعبة من الغاز يومياً، تأمل الحكومة زيادتها إلى 1.5 مليار قدم مكعبة بنهاية العام المقبل 2025.
اتفق وزير البترول والثروة المعدنية كريم بدوي مع الشركات الإيطالية والأميركية والبريطانية، صاحبة النصيب الأكبر في امتيازات مشروعات استكشاف وإنتاج الغاز والنفط، على ضخ استثمارات عاجلة لتنمية الآبار المعطلة والجديدة، لتحقيق زيادة بنسبة 25% عن معدلات الإنتاج السائدة حالياً، يبدأ حصاد أعمالها في فبراير/ شباط 2025.
يؤكد الخبير في شؤون النفط والطاقة أحمد سلطان، لـ"العربي الجديد"، أن أسعار النفط والغاز الطبيعي لم تعد محصنةً ضد التوترات الجيوسياسية التي تموج بها منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن، حيث أصبحت عرضة للعديد من التقلبات، في ظل تهديد أمن المنشآت النفطية الذي قرع جرس إنذار حقيقي لأمن الطاقة العالمي.
يقول سلطان، الذي يرأس لجنة الطاقة في نقابة المهندسين بالقاهرة، إن ارتفاع وتيرة التوترات الجيوسياسية والمخاطر الأمنية في المنطقة بشكل متسارع تفتح الباب بدورها لسيناريوهات تصعيد محتملة للصراعات وتهديد الأمن والاستقرار في المنطقة وأنحاء العالم، مذكرا بأنها ستنعكس بشكل مباشر على الأوضاع الاقتصادية لدول المنطقة، لا سيما قطاع الطاقة الأكثر تعرضاً لتلك الاضطرابات، في ظل سيطرة حالة عدم اليقين على الأسواق الممتدة منذ ارتدادات وباء كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، وتفاعل أسواق الطاقة بشكل مباشر مع تلك التطورات الجيوسياسية، وسط سيناريوهات قاتمة تفرض نفسها على المشهد العالمي.
يشير إلى أن إسرائيل تمتلك ثلاث منصات إنتاج هي "كاريش" و"ليفياثان" و"تمار"، تدير شركة إنيرجي البريطانية الإسرائيلية منصة كاريش، وشيفرون الأميركية ليفياثان وتمار. وتوجه منصتا كاريش وتمار معظم الغاز الطبيعي إلى السوق المحلية، بينما تزود ليفياثان السوق المحلية بحوالي 10% فقط من الغاز الطبيعي، ويُصدّر معظم الغاز المنتج إلى مصر والأردن.
يرى خبير النفط والطاقة أن إسرائيل تعتبر حقول الغاز كنزًا لا يقدر بثمن، وعلى هذا الأساس، بدأت بالتخطيط لاستثمار نحو 500 مليون دولار لتوسيع الإنتاج في حقل ليفياثان، حيث تطمح تل أبيب أن تتحول إلى مركز إقليمي لتصدير الغاز في شرق المتوسط، بعد أن ضاعفت الصادرات بنحو 20 مرة خلال السنوات الخمس الأخيرة، مؤكدا أن تهديد منصات الغاز أو التلويح بتهديدها قد يجعل إسرائيل تتخذ خطوات لا يمكن توقعها لحماية هذه الكنوز في البحر المتوسط.
ضرب الحقول الإسرائيلية كارثي لدولة الاحتلال
يضع سلطان عدة سيناريوهات لإدارة إسرائيل حقول الغاز في حالة تصاعد الحرب إلى مواجهة مباشرة مع إيران، واستهداف طهران منصات الغاز الطبيعي الإسرائيلية، منها إغلاق كامل حقول الغاز، ويُعد هذا سيناريو كارثياً له العديد من الانعكاسات السلبية على دول المنطقة، ومنها مصر التي تعتمد على الغاز الإسرائيلي بنسب متفاوتة، بالإضافة إلى تداعيات كارثية على الداخل الإسرائيلي الذي يستهلك حوالي 45% من إنتاج حقل تمار القريب من السواحل اللبنانية، وهو هدف متكرر للاستهداف، موضحا أنه يمكن لإسرائيل تعويض نقص الغاز باستخدام الفحم في توليد الطاقة، مع ذلك، لن يلبي هذا الحل الطلب المحلي المتزايد على الغاز في وقت أصبحت إسرائيل تعتمد بشكل كامل على إمدادات منتظمة من الغاز الطبيعي من حقولها لإنتاج حوالي 75% من الكهرباء التي يتوفر لها الغاز من ثلاث منصات في البحر الأبيض المتوسط، من أهمها حقل تمار.
وفي حالة الطوارئ، يتوقع خبير النفط أن تصدر وزارة الطاقة الإسرائيلية قراراً بوقف تصدير الغاز الطبيعي، ومنح أولويات الإنتاج لتلبية الطلب المحلي، وهو أمر حدث من قبل في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عندما أوقفت إسرائيل العمل بمنصة "تمار" مدة شهر بسبب مخاوفها من هجوم بالطائرات المسيرة، من غزة ولبنان واليمن، وساعدت على مواجهة الطلب تغطية منصة ليفياثان الفجوة الإنتاجية للسوق المحلية.
ويلفت سلطان إلى أنه في حال استهداف الضربات الصاروخية منصات الغاز الإسرائيلية مباشرة، فسيؤدي ذلك حتماً إلى ارتفاع حاد في أسعار الغاز، بالتوازي مع تركها أثراً كبيراً على الداخل في إسرائيل التي لا تمتلك في الوقت نفسه مخزونات استراتيجية ملائمة من الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى أن مخزوناتها من الديزل والفحم لتشغيل محطات الكهرباء لا تصل إلى الكميات الكافية التي تلبي احتياجاتها لمدة تدوم أكثر من شهر.
يشير إلى أنه في حال إغلاق المنصات الثلاث، فستترك تأثيراً واضحاً يمثل 10% من الاحتياجات اليومية لمصر والأردن اللذين يستعملان الغاز الإسرائيلي في تشغيل محطات الكهرباء والصناعات المحلية، لافتا إلى أن الخطر الأكبر سيقع على الأردن، الذي لا يملك القدرة على تشغيل محطات التوليد أكثر من ست ساعات يومياً، وعدم توفر بدائل للتشغيل سوى الزيت الصخري، وحاجته إلى مدة ما بين أسبوعين إلى شهر لتدبير كميات من الغاز الطبيعي المسال من الأسواق الدولية.
يشدد خبير الطاقة على أن تصاعد الأحداث سيكلف مبالغ طائلة لكل من مصر والأردن، اللذين سيتوجهان لشراء الغاز وفقا للسعر السائد في الأسواق الفورية العالمية التي ستشهد ارتفاعاً حاداً، في وقت ترتفع فيه معدلات استهلاك الغاز مع دخول فصل الشتاء وسط تعقيدات هائلة في المشهد الجيوسياسي في القارة الأوروبية مع تفاقم الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة إمدادات الغاز.
ويتوقع سلطان ارتفاعا في أسعار الغاز العالمية بنسب قد تصل إلى 20%، مشيرا إلى أن دوام الزيادة في الأسعار سيظل رهينة لطول فترة انقطاع الغاز الإسرائيلي، داعياً مصر والأردن إلى ضرورة تنويع مصادر الحصول على الغاز وتسريع وتيرة وضع الاكتشافات الجديدة على خريطة الإنتاج للوصول إلى خط الأمان في واردات الغاز الطبيعي، وتوظيف البنية التحتية الجديدة لشبكات الغاز في مصر للمرور من الأزمة بأقل الخسائر.
اضطرابات الشرق تحمل مخاطر كبيرة لأسواق الطاقة
ويضيف أن اضطرابات الشرق الأوسط أحد أكبر المخاطر الجيوسياسية على أسواق الطاقة العالمية التي اندلعت مؤخرا مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية، فالحرب تُشكل تهديداً محتملاً لإمدادات النفط الخام والغاز الطبيعي، وأمن الطاقة بشكل عام، وعندما تشمل إيران، ستكون لها تداعيات أخطر على أسواق النفط العالمية، لأن ثمة نتيجة واحدة مؤكدة تهدد إمدادات الطاقة، وهي ارتفاع سعر الطاقة، مبينا أهمية تعاون المجتمع الدولي لوقف الحروب إزالة التوترات الحادة في المنطقة، ومنع المزيد من الاضطرابات الاقتصادية، لأن النتائج ستكون كارثية على الجميع. أسفر تراجع إنتاج الغاز في الحقول المحلية عن تحول مصر إلى مستورد صاف للغاز الطبيعي والنفط اعتباراً من ديسمبر/كانون الأول 2023، زادت حدة الأزمة في إبريل/ نيسان 2024 مع بداية ارتفاع درجات الحرارة، إذ اتفقت الشركة القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس" مع شركة "هوج" النرويجية على استئجار وحدة عائمة لإعادة تحويل الغاز المسال إلى غاز طبيعي يضخ في الشبكة الوطنية للغاز، وشراء 20 شحنة من الغاز بقيمة 1.18 مليار دولار لتأمين احتياجات البلاد من الغاز خلال أشهر يوليو/تموز وأغسطس/آب وسبتمبر/أيلول.
لم تف الكميات المستوردة باحتياجات الدولة من الغاز، فاندفعت الحكومة إلى قطع التيار الكهربائي في أنحاء البلاد لمدد تراوحت ما بين ساعتين وثلاث ساعات، بالتوازي مع قطع الإمدادات عن شركات إنتاج الأسمدة، ومصانع مواد البناء.
أسفرت فترة الانقطاعات عن حالة من السخط العام، واضطراب الإنتاج في الشركات بمختلف أنشطتها وتقلص حجم الصادرات، بينما زادت أزمة إنتاج الغاز سوءًا، فأجرت الحكومة مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي لزيادة الطاقة الإنتاجية عبر خط الغاز الإسرائيلي المرتبط بالشبكة المصرية بنسبة 25%، لترتفع الأمدادات من 850 مليون قدم مكعبة يومياً إلى 1.1 مليار قدم مكعبة، بالتزامن مع التعاقد على شراء 17 شحنة غاز مسال يجرى تسليمها خلال الفترة من 4 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري إلى 29 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، لمحطتي التسليم في العين السخنة وميناء العقبة الأردني. ويتوقع اقتصاديون أن تدفع أزمة الغاز إلى اتساع العجز التجاري بقيمة 44 مليار دولار بنهاية العام الجاري و51 مليار دولار عام 2025، بنسبة اجمالية تمثل 20% من إجمالي العجز للعام المالي الجاري 2024/2025، الذي بدأ في الأول من يوليو/تموز.