كل يوم يبحث المواطن الليبي، علي السوكني، عن منزل للإيجار عبر مكاتب العقارات ومواقع الإنترنت من أجل الحصول على مكان يؤويه وأسرته المكونة من 10 أفراد، بعد نزوحه من منزله الذي تم تدميره، منذ نحو ثمانية أشهر من جنوب طرابلس بسبب الحرب التي تشنّها قوات تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة.
السوكني يقول لـ"العربي الجديد" إن "معاناته المعيشية، وخاصة البحث عن السكن، ما زالت مستمرة، إذ إنه بداية الحرب سكن في مدرسة مؤقتاً، ثم انتقل إلى سكن متنقل كان يستخدم مقرّاً لعمال أجانب، وأخيراً استقر في عمارة تحت الإنشاء بمنطقة طريق السكة، وهي بدون نوافذ وأبواب ولا يوجد بها ماء أو خدمات".
وأضاف: "نذهب إلى المساجد للحصول على الماء"، ويوضح أنه لا يوجد أي مقومات للعيش في المنطقة التي يسكنها باستثناء القليل من الخبز وحليب للأطفال.
وفي إطار نفس المعاناة تتحدّث فاطمة الترهوني، وهي أرملة ولديها أربعة أطفال، بأنها لم تحصل على سكن بالإيجار وهي تقيم حالياً في إحدى المناطق العشوائية إلى جوار عمارات "انجيلة" كمبادرة فردية من إحدى العائلات، إلى حين الحصول على منزل. وقالت الترهوني إننا نشعر بعدم الأمان، ولكن نسعى إلى مواصلة حياتنا حتى تنتهي الحرب وتستقرّ الأمور.
ويرى سمسار العقارات أحمد العلواني أن المشكلة تتمثل في أن الطلب أكثر من العرض، مشيراً إلى ارتفاع قيمة الإيجارات في طرابلس إلى ثلاثة أضعاف قيمتها الحالية بسبب عدم وجود تنظيم للسوق في ظل الاضطرابات المتواصلة.
وأوضح العلواني أن إيجار منزل صغير يصل إلى ألف دينار أو أكثر شهرياً، بسبب عدم وجود آلية لتحديد الأسعار، بالإضافة إلى استغلال بعض الملاك حالة الحرب ورفع الإيجارات بصورة مبالغ فيها.
وتدهورت أوضاع النازحين في ظل انشغال حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً بالرد على هجمات قوات حفتر على العاصمة طرابلس والتي تصاعدت خلال الأيام الأخيرة.
وأكدت الحكومة الليبية أن ميزانية ليبيا لعام 2020 تقدّر بأقل قليلاً من 48 مليار دينار ليبي (34 مليار دولار). وقالت وزارة الاقتصاد في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إن الهجوم على طرابلس الذي أطلقته قوات شرق ليبيا (التابعة لحفتر) كان له "تأثير كبير وسلبي" على الإصلاحات الاقتصادية منذ اندلاع القتال في إبريل/ نيسان الماضي.
وأضافت الوزارة أن الهجوم أثّر أيضاً على أسعار السلع الزراعية واللحوم، لكن الموانئ تعمل بشكل طبيعي، وهناك احتياطيات تكفي ما يصل إلى أربعة أشهر.
ومن جانبه، أكد وزير الدولة لشؤون النازحين، يوسف بوجلالة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن عدد النازحين يفوق 140 ألف نازح ومعظمهم يعاني ظروفاً معيشية صعبة جداً.
وحول سؤال بشأن وجود قاعدة بيانات للأسر النازحة من جنوب طرابلس، قال وزير الدولة لشؤون النازحين إن هناك تنسيقاً مع صندوق التضامن الاجتماعي بشأن إنشاء قاعدة بيانات ولصرف منح مالية للأسر بدلاً من السكن.
وقال المحلل الاقتصادي، وئام المصراتي، لـ"العربي الجديد"، إن منطقة جنوب طرابلس تعتبر من المناطق الأكثر سكاناً في العاصمة، وإن معظم المساكن تضرروا بالحرب، ما زاد الإقبال على الإيجارات في طرابلس والمناطق المجاورة بسبب الطلب المتزايد والعرض محدود.
وأوضح المصراتي أن ليبيا في الأوقات العادية تعاني من عجز في الوحدات السكنية بنحو نصف مليون وحدة سكنية سنوياً وفق بيانات عام 2010، ونظراً إلى أن الحركة العمرانية متوقفة بسبب عدم الاستقرار السياسي والأمني، فالمشاريع الإسكانية معطلة منذ تسع سنوات، وبالتالي فإن أسعار العقارات وقيمة الإيجارات سوف تستمر في الارتفاع إلا في حالة تنظيم السوق وتوقف الحرب.
وذكر موقع الحكومة الليبية على الإنترنت أن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، فائز السراج، كشف عن ارتفاع أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة في ليبيا بسبب حرب طرابلس والاشتباكات التي وقعت خلال السنوات الماضية، إلى ما يزيد على 120 ألف شخص.
كذلك سجّلت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن هناك 146 ألف نازح بسبب القتال الذي شنه حفتر على العاصمة الليبية طرابلس منذ ثمانية أشهر.
وقال غسان سلامة، الممثل الخاص ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عبر تصريحات صحافية، إن الرقم الفعلي للنازحين كان أعلى من ذلك بكثير، إذ يعتقد أن أكثر من 100 ألف نازح قد لجأوا إلى تونس عبر الحدود.
وضاعفت الحرب الدائرة في طرابلس الأوضاع الإنسانية المأساوية التي يعيشها سكان المدينة سواء النازحين أو المقيمين، إذ تواجه المستشفيات نقصاً في الإمدادات الطبية اللازمة لإغاثة الأعداد المتزايدة من المرضى، فضلاً عن المعاناة اليومية من نقص السيولة في المصارف التجارية وطوابير يومية على محطات الوقود ومستودعات غاز الطهو.