نقص الإيرادات يجبر الجزائر على "اقتراض غير تقليدي".. وقلق من طباعة النقود

12 سبتمبر 2017
تراجع الإيرادات يؤثر سلباً على الاقتصاد (Getty)
+ الخط -
تبنت الحكومة الجزائرية مجموعة من التدابير المتعلقة باللجوء إلى ما يعرف بـ"التمويلات غير التقليدية"، لسد عجز الميزانية وتحريك عجلة الاقتصاد، في ظل الصعوبات التي تواجهها المالية العمومية للدولة، التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط.

وقال نذير جرماني، مسؤول قسم الدراسات والتشريع في وزارة المالية في تصريح خاص لـ "العربي الجديد" إن الوزارة أدخلت تعديلات قانونية، بما يسمح للبنك المركزي بتمويل الخزينة العمومية من خلال إقراضها الأموال، أو شراء أدوات الدين التي تطرحها الحكومة للبنوك والمؤسسات العمومية.

وسيتم الاعتماد على التمويلات غير التقليدية عن طريق تعديل "قانون القرض والنقد"، بهدف رفع القيود المالية عن البنك المركزي، الذي ينتظر أن يتحول إلى ممول جديد لخزينة الدولة.

وأضاف جرماني أن "تعديل قانون القرض والنقد جاء بشكل عاجل، حيث أبلغت الحكومة البرلمان بذلك، وينتظر التصويت عليه في جلسة السابع عشر من سبتمبر/أيلول الجاري".

وتابع أن "اللجوء إلى التمويل غير التقليدي فرض نفسه وليس خيارا، كون أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وضع الاستدانة الخارجية في دائرة المحظور، فضلا عن محدودية عائدات عملية الاقتراض الداخلي، التي أطلقتها الجزائر العام الماضي".

وحسب الخطة التي وضعتها حكومة رئيس الوزراء أحمد أويحيى، فإن الاعتماد على التمويل غير المباشر للخزينة العمومية سيمتد طيلة السنوات الخمس القادمة، رغم التوقعات السائدة بمعاودة أسعار النفط الارتفاع خلال عام 2019، واستعادة الدولة عائداتها التي تراجعت بنحو الثلث.

وكانت الخزينة العمومية للجزائر، قد سجلت السنة الماضية عجزاً مالياً غير مسبوق بلغ 30 مليار دولار جراء التراجع الحاد لعائدات النفط، التي أثرت على الجباية النفطية التي تعتبر الممول الأول للخزينة، بالإضافة إلى ارتفاع العجز في الميزان التجاري الذي بلغ بدوره مستوى قياسي بنحو 18 مليار دولار، فيما تتوقع الحكومة أن تحافظ هذه المستويات على نفس الوتيرة خلال السنة الحالية 2017.

وقال فرحات علي، الخبير المالي لـ "العربي الجديد" إن اللجوء إلى التمويلات الداخلية غير التقليدية هو آلية معمول بها في الكثير من الدول وتتمثل هذه التقنية في إقرار معدلات فائدة سلبية أو صفرية وشراء الأصول المملوكة من قبل البنوك التجارية لدى الدول، وهي آلية تستخدم لضخ مزيد من السيولة لتنشيط الحركية الاقتصادية، وتهدف خاصة إلى تشجيع الاستهلاك والاستثمار.

وأضاف أنه سبق تطبيق التمويل الداخلي غير التقليدي من طرف البنك المركزي الأوروبي، وأتت ثمارها بسبب انخفاض معدل التضخم إلى حدود 1% قبل عام.

ولا يستبعد فرحات أن "يكون اعتماد التمويل غير التقليدي ذا بعد سياسي تريد من خلاله السلطة الحاكمة إيصال الجزائر إلى الانتخابات الرئاسية القادمة المقررة عام 2019 بأخف الأضرار ودون ديون خارجية تسمح بالضغط على الدولة في هذه الفترة الحساسة".

إلا أن تبني خيار التمويل غير التقليدي في الحالة الجزائرية يبقى حمّالا للعديد من السيناريوهات الغامضة.

حيث إن خيار اللجوء إلى التمويل غير التقليدي لمواجهة الأزمة ينطوي على مخاطر كبيرة، ويعيد إلى الأذهان سيناريو فنزويلا التي اعتمدت نفس القرارات وتواجه اليوم حالة إفلاس ومهددة بالانفجار الاجتماعي، وفق إسماعيل لالماس الخبير الاقتصادي ورئيس الجمعية الجزائرية لاستشارات التصدير.

وقال لالماس لـ"العربي الجديد" إن اللجوء إلى التمويل غير التقليدي يقود في مختلف الأحوال إلى طباعة النقود، وهذا يعني أن بنك الجزائر سينتج مزيداً من الأموال وبالتالي ارتفاع التضخم بشكل أكبر.

ورأى أن "تبني خيار التمويل غير التقليدي هو هروب إلى الأمام ولن يعالج الوضع"، مشيرا إلى أن العديد من التجارب في عدة بلدان، أظهرت أن اللجوء إلى "طبع النقود" له تأثير سلبي ومضر خاصة مع زيادة الإنفاق العمومي.

وأضاف أن الجزائر " تتبع نفس الإجراءات التي قامت بها فنزويلا والتي أدت في النهاية إلى إفلاسها، ففي ظرف سنتين فقدت عملة البوليفار 96% من قيمتها، جراء الطبع المتواصل للنقود، وفي مقارنة بسيطة نجد أوجه شبه في الحالتين الجزائرية والفنزويلية، على رأسها التبعية المفرطة للمحروقات، بالإضافة إلى ضخ المزيد من النقود دون غطاء".

وتابع: "هذه الأدوات هي نفسها التي اعتمدتها فنزويلا وكانت وراء بروز العواقب التي تشهدها كاراكاس حاليا"، متوقعا أن "يؤدي قرار الزيادة في المعروض النقدي إلى التضخم المفرط، وانهيار قيمة العملة الوطنية، وارتفاع كلفة الواردات، خاصة المواد واسعة الاستهلاك أو المنتجات الأولية".

ويبلغ حجم التضخم حاليا في الجزائر قرابة 8% في حين كانت توقعت الحكومة ألا يتعدى 4% خلال إعداد الموازنة العامة للبلاد للسنة الحالية.

كما يواجه الدينار الجزائري أصعب فتراته منذ سنوات، حيث فقد قرابة 30% من قيمته خلال السنوات الثلاث الأخيرة، جراء اعتماد المركزي الجزائري سياسة التعويم الموجه للعملة، وذلك لكبح فاتورة الواردات التي تعدت 60 مليار دولار خلال عام 2014.

ويواصل الدينار انهياره أمام العملات الأجنبية في المعاملات الرسمية بين البنوك، بحسب سعر الصرف الذي يضعه بنك الجزائر، حيث بلغ سعر اليورو نهاية الأسبوع الماضي 132.03 ديناراً، وهو مستوى قياسي غير مسبوق منذ إطلاق العملة الأوروبية الموحدة، أما الدولار فقد بلغ أعلى مستوى له منذ بداية العام، حيث بلغ سعر صرف العملة الأميركية في المعاملات الرسمية 115.15 ديناراً، مقتربا بذلك من المستوى القياسي المسجل العام الماضي، عندما بلغ سعر صرف الدولار آنذاك 115.51 ديناراً.

وبالرغم من تبرير الحكومة تبنيها لخيار التمويل غير التقليدي للخزينة العمومية لتفادي الاستدانة الخارجية وفقدان "السيادية الوطنية"، إلا أن خبراء اقتصاد يصرون على ضرورة التريث قبل اتخاذ القرارات وفتح حوار وطني لتفادي سيناريو "فنزويلا" .

وقال عبد الرحمان مبتول، الخبير الاقتصادي، إن هناك آثارا ضارة محتملة لهذه الإجراءات، مشيرا إلى ضرورة فتح حوار وطني لإحداث إجماع حول خيارات الحكومة، "وإلا سنجد أنفسنا أمام أزمة سيولة بعد أشهر، جراء تزايد المخاوف من الإفلاس ما يدفع الجزائريين إلى سحب أموالهم من البنوك".

وتعاني الجزائر أزمة مالية حادة أدت إلى تآكل احتياطات النقد الأجنبي، لتبلغ في شهر يوليو/ تموز الماضي نحو 105 مليارات دولار فقط، متراجعة بنسبة تقدر بنحو 46% عن بداية 2014 عندما سجلت نحو 193 مليار دولار.

وبجانب السحب من الاحتياطي، تبنت الحكومة سياسات تقشفية وزيادة العائدات الضريبية، التي ارتفعت (دون احتساب الجباية النفطية) السنة الماضية إلى 3.057 تريليونات دينار (27.7 مليار دولار) بزيادة 8% مقارنة بـ 2015، في حين تتوقع الحكومة أن ترتفع عائدات الضرائب بحدود 10% هذه السنة، نتيجة رفع قيمة الضرائب الرئيسية كالضريبة على الأرباح وعلى القيمة المضافة.

وتعاني الجزائر من تبعية مفرطة لإيراد المحروقات (النفط والغاز)، التي تشكل 95% من دخل البلاد من النقد الأجنبي.

في يونيو/حزيران 2016 وضعت الجزائر خطة لتحقيق نمو اقتصادي على ثلاث مراحل، بهدف الوصول لتحقيق معدل نمو بـ 6.5% عام 2030 خارج المواد النفطية التي تشكل عصب الاقتصاد في البلاد.

وبدأت المرحلة الأولى عام 2016، ومن المنتظر أن تنتهي عام 2019، وهي مرحلة الإقلاع حسب معطيات وزارة المالية، والمرحلة الثانية تبدأ من 2020 إلى 2025، والثالثة من 2026 إلى 2030.

ورغم المؤشرات المتواضعة لا تزال الحكومة تراهن على رفع مساهمة عمليات التصدير خارج المحروقات، ولا سيما المنتجات الزراعية والصناعات الإلكترونية.
المساهمون