مأزق ترامب والاقتصاد الأميركي

20 اغسطس 2019
دونالد ترامب غاضب من جيروم باول (Getty)
+ الخط -

 

فعلها أردوغان وأقال محافظ البنك المركزي التركي لرفضه خفض سعر الفائدة عدة مرات، فهل يفعلها ترامب ويقيل جيروم باول محافظ مجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" لنفس السبب، وبذلك يصبح أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يتخذ هذا القرار الذي يخالف الأعراف المصرفية المستقرة التي توفر استقلالية كاملة للبنوك المركزية في إدارة السياسية النقدية وتحديد اتجاهات أسعار الصرف والفائدة؟

يوم 6 يوليو الماضي عزل أردوغان، مراد تشتين قايا محافظ البنك المركزي وعين نائبه مراد أويصال بديلاً عنه في خطوة أثارت العديد من الانتقادات محلياً ودولياً. وبرر الرئيس التركي قراره بأن المحافظ المعزول لم ينفذ التوجيهات الخاصة بخفض أسعار الفائدة وأن البنك لم يؤد دوره بشكل سليم..

ومنذ فترة طويلة يشن ترامب هجوما شديدا على جيروم باول ومجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي يرفض الاستجابة لضغوط خفض الفائدة والتخلي عن سياسة الدولار القوي لصالح الصادرات، وتقليل كلفة الأموال الممنوحة من البنوك للمستثمرين، ويستند البنك في ذلك إلى معايير اقتصادية منها معدلات التضخم والنمو وغيرها.

ورغم خفض الاحتياطي الشهر الماضي أسعار الفائدة ربع نقطة مئوية، للمرة الأولى منذ 11 سنة، إلا أن ترامب يطالب البنك الفيدرالي بخفضٍ أكبر وأسرع للفائدة، ويعتبر أن قرار شهر يوليو/ تموز بخفض الفائدة للمرة الأولى منذ أكتوبر/تشرين الأول 2008 غير كافٍ.


بل وذهب الرئيس الأميركي اليوم الثلاثاء إلى أبعد من ذلك حينما طالب البنك المركزي بخفض سعر الفائدة بنسبة 1% مرة واحدة، وإعادة إطلاق برنامج التيسير الكمي أو النقدي الذي يتم من خلاله مساندة الاقتصاد والبنوك والمؤسسات المالية التي تواجه مشاكل، وذلك على غرار ما حدث عقب اندلاع الأزمة المالية العالمية في العام 2008، قائلا إن "الفيدرالي يفتقر لامتلاك رؤية وعليه خفض الفائدة 1% على الأقل، وأنه لولا السياسة النقدية للفيدرالي، لقفز مؤشر داو جونز بعشرة آلاف نقطة ولحقق الاقتصاد الأميركي نمواً بأكثر من 4%. ".

ترامب في مأزق شديد، فقد حقق نجاحات اقتصادية قوية في فترة ولايته الأولى ساهمت في توفير فرص عمل ضخمة، والحد من البطالة وخفض معدل التضخم وأسعار المشتقات البترولية، وتنشيط الاقتصاد، وجذب استثمارات ضخمة من الخارج، وزيادة الصادرات، وإحداث قفزات في البورصات وفي مقدمتها "وول ستريت"، وابرام صفقات سلاح ضخمة خاصة مع دول الخليج.

كما لعبت قرارات ترامب دوراً في خفض الضرائب على الشركات وتمرير قانون الإصلاح الضريبي، وتقليص العجز التجاري مع بعض شركائه التجاريين عبر فرض رسوم ضخمة على الصين ودول منطقة اليورو وكندا والمكسيك وغيرها، وإعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا).

لكن هذه الإنجازات يمكن أن تتبخر في المرحلة المقبلة، وبالتالي تحول دون فوز ترامب بفترة رئاسية جديدة، فالمؤشرات والتوقعات الأخيرة تقول إن الاقتصاد الأميركي مقبل على حالة ركود، وإن أكبر اقتصاد في العالم بات يعاني، فهناك انخفاض قياسي لعائد سندات الخزانة، وارتفاع طلبات إعانات البطالة، وتراجع قطاع الصناعات التحويلية، ولا توجد أي مؤشرات على أن الحرب التجارية المريرة مع الصين تصب لصالح المواطن الأميركي، أو أنها اقتربت من الحل.


ومن هنا يدفع ترامب بكل قوته لخفض سعر الفائدة للحيلولة دون انزلاق الاقتصاد نحو الركود وتنشيط الاستثمار ووقف اندلاع أزمة مالية عالمية جديدة على غرار أزمة 2008، كما أن الخفض قد يساعده في حسم معركته مع الصين وإلحاق أضرار جسيمة بأموالها داخل أميركا والبالغة قيمتها 1.1 تريليون دولار مستثمرة في سندات الخزانة.

لكن، هل يستجب البنك المركزي الأميركي ومحافظه جيروم باول لمثل هذه الضغوط الرهيبة والمتواصلة التي يمارسها ضده ترامب؟ أم يحافظ باول، أهم مسؤول مالي في العالم، على استقلالية قراره في إدارة السياسة النقدية كما حافظ عليها اسلافه منذ تأسيس البنك في العام 1913؟ وبالتالي يتعرض المحافظ لخطر فقدان منصبه كما حدث مع محافظ البنك المركزي التركي؟

لننتظر حتى نرى ماذا يقرر البنك في اجتماعه غداً الأربعاء.

المساهمون