تتزايد الصراعات السياسية والعسكرية الدائرة في منطقة الشرق الأوسط، ومعها تتزايد حالة الغموض السياسي وعدم التيقن، وهو ما ينعكس في النهاية على اقتصاديات دول المنطقة وأحوال مواطنيها المعيشية وعملاتها الوطنية، وقدرتها على جذب إيرادات جديدة من النقد الأجنبي خاصة من قطاعات الاستثمارات الأجنبية المباشرة والسياحة والصادرات، فلا توجد بقعة في المنطقة لا تشهد قلاقل وحروبا أهلية وتوترا ونزاعات.
في منطقة الخليج تظل الحرب الأهلية المستعرة في اليمن منذ العام 2015 هي الحدث الأهم والتي أثرت سلباً على اقتصاديات دول مثل السعودية والإمارات اللتين رفعتا الإنفاق العسكري بدرجة ملحوظة على حساب الخدمات المقدمة للمواطن وأسعار السلع والدعم الحكومي، كما حولت الحرب اليمن إلى واحدة من أفقر دول العالم والأكثر جوعا.
وجديد المنطقة هو النزاع الأميركي الإيراني والذي تعد دول الخليج أحد أبرز الأطراف الفاعلة به، فإدارة دونالد ترامب تقرر حظر تصدير النفط الإيراني ومعاقبة أية دول مستوردة له.
وفي المقابل تهدد طهران بغلق مضيق هرمز الاستراتيجي ومنع دول الخليج الستة من تصدير نفطها للخارج عبر المضيق، ومهاجمة أي بارجة حربية أميركية تتواجد في بحر الخليج العربي، بل وتهدد طهران أيضا بمهاجمة دول خليجية في حال مهاجمتها عسكرياً أو مهاجمة سفنها المحملة بالنفط والغاز من قبل القوات الأميركية المتواجدة في المنطقة.
وفي الملف أيضا يضغط ترامب على كل من السعودية والإمارات لزيادة إنتاجهما النفطي وتعويض حصة إيران في الأسواق الدولية حتى لا ترتفع أسعار النفط ويتضرر المواطن الأميركي، وهو ما يتعارض مع مصالح الدولتين الاقتصادية.
ويأتي العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة ليزيد حدة التوتر، ليس فقط في منطقة شرق البحر المتوسط الغنية بالطاقة، لكن ليهدد الاستقرار في المنطقة بالكامل خاصة إذا تمادت دولة الاحتلال في توسيع دائرة الحرب لفرض أمر واقع قبل تمرير "صفقة القرن" التي وعد جاريد كوشنر مستشار ترامب بطرحها عقب انتهاء شهر رمضان، ويزيد التوتر حديث كوشنر عن استبعاد حل الدولتين والحديث عن دولة واحدة هي إسرائيل.
وجديد توتر المنطقة كذلك تجدد الصراع على ثروات الطاقة في شرق البحر المتوسط، وحالة التراشق المصري التركي حول التنقيب عن النفط والغاز قبالة السواحل التركية، وإعلان أنقرة مواصلة التنقيب في مياهها الإقليمية، رغم الاعتراضات الأوروبية وتهديد مصر بالتدخل في حال إصرار تركيا على موقفها.
وتشهد ليبيا حرباً أهلية شرسة ما بين قوات اللواء خليفة حفتر المدعومة من بعض الأطراف الإقليمية والدولية وحكومة الوفاق الوطني بطرابلس المعترف بها دوليا، وهذه الحرب يمكن أن تهدد إمدادات ليبيا النفطية لأسواق العالم، كما يمكن أن تثير حروبا حول الثروات الحدودية للدول المجاورة لليبيا مثل تونس والجزائر وتشاد والنيجر، وبالتالي تفتح ملفا مسكوتا عنه الآن.
وهناك قلاقل سياسية في كل من السودان والجزائر مع استمرار الحراك الشعبي ورفض النظام الحاكم في الدولتين الاستجابة لمطالب المتظاهرين وأبرزها تخلي العسكر عن السلطة في السودان وتسليمها لحكومة مدنية، وتخلي رموز نظام بوتفليقة عن السلطة في الجزائر ومحاكمة الفاسدين منهم.
وفي مصر ورغم الاستقرار الأمني، إلا أن تغييب المعارضة من المشهد بالقوة وخنق المشهد السياسي وسجن المعارضين والقمع الشديد وانتهاك حقوق الإنسان ومصادرة حرية الرأي والتعبير تظل أمورا مقلقة للمستثمر الأجنبي.
في ظل كل هذه الصراعات، هل يمكن أن نتوقع قدوم استثمارات أجنبية لدول المنطقة تفيد التنمية وتزيد الإنتاج وتفتح مصانع جديدة وتخلق فرص عمل لملايين المصانع؟ أشك، لأن العكس هو المتوقع وهو تحول دول المنطقة إلى طارد للاستثمارات وليس جاذب لها.