مصر تطلب قرضاً جديداً من صندوق النقد... ومخاوف من تسريح كبير للموظفين

26 ابريل 2020
ديون غير مسبوقة في عهد السيسي (فيسبوك)
+ الخط -
كشف رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن الحكومة تجري مناقشات مع صندوق النقد الدولي بشأن الحصول على قرض جديد، فيما تتصاعد مخاوف مواطنين من إجراءات تمتد هذه المرة إلى عمليات تسريح واسعة للموظفين في الجهاز الإداري للدولة، بعد أن عانوا من إجراءات مؤلمة بعد حصول الدولة على القرض السابق.

وقال مدبولي في مؤتمر صحافي، اليوم الأحد، إن المناقشات مع الصندوق ستبدأ خلال الأيام القليلة المقبلة، لكنه لم يوضح حجم الدعم المالي المحتمل، وإن ألمحت مصادر إلى أنه يتراوح ما بين 3 و4 مليارات دولار ولمدة عام.

وزعم مدبولي أن "الحكومة في مصر تعمل على الحفاظ على مكتسبات الإصلاح الاقتصادي، بعدما أظهر الاقتصاد قدرته على التعامل مع تداعيات أزمة فيروس كورونا"، مضيفاً "المجموعة الاقتصادية وضعت سيناريوهات في حالة استمرار الأزمة لوقت طويل، ومن المتوقع مناقشة إجراءات البرنامج (القرض) الجديد مع صندوق النقد خلال الأيام المقبلة".

وزاد قائلاً: "نعمل على اتخاذ إجراءات وقائية لمنع أي تأثير سلبي على المكتسبات التي حققها الاقتصاد المصري جراء أزمة كورونا، ونأمل أن تشهد البلاد عودة في كافة مناحي الحياة والعمل مع بداية شهر يونيو/ حزيران المقبل، بهدف تعويض الفترة الصعبة التي مرت بها مصر، ومر بها العالم أجمع بسبب تداعيات هذا الفيروس".

وقال صندوق النقد الدولي في بيان صدر اليوم الأحد إنه يتوقع عرض طلب مصر للتمويل السريع على مجلس إدارته خلال أسابيع.

بدورها، قالت كريستالينا جورجيفا المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي في البيان "ندعم بالكامل هدف الحكومة، في الحفاظ على المكاسب الكبيرة التي تحققت في ظل تمويل الصندوق الممتد لثلاث سنوات، والذي تم الانتهاء منه بنجاح العام الماضي".

وأضافت "حزمة الدعم المالي الشاملة هذه، إذا تمت الموافقة عليها، فستساعد في تعزيز الثقة في الاقتصاد المصري وإحراز مزيد من التقدم لحماية الفئات الأكثر ضعفاً وتوفير الأساس لانتعاش اقتصادي قوي".


من جهتها، توقعت رضوى السويفي رئيسة قسم البحوث ببنك الاستثمار "فاروس" أن تسعى مصر للحصول على ما يتراوح بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي.

وقالت "إن القرض الجديد سيتوجه غالباً إلى دعم عجز الموازنة، وإعادة هيكلة بعض القروض في ظل انخفاض الموارد الدولارية، لحين عودتها من جديد بعد الانتهاء من أزمة كورونا".

وقفز الدين الخارجي في مصر بنسبة تصل إلى 138%، منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، إذ لم يكن يتجاوز 46 مليار دولار منتصف عام 2014، ووصل إلى 109.36 مليارات دولار بنهاية سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، في حين تلتزم مصر بسداد نحو 18.6 مليار دولار خلال العام الجاري، وهو مجموع الأقساط والفوائد التي تتحملها الدولة.

ويهدد فيروس كورونا مصر بالتخلف عن سداد الديون، بعد إصابته قطاعات حيوية تمثل المورد الرئيسي للنقد الأجنبي للبلاد، على رأسها السياحة، وتحويلات المغتربين في الخارج، في وقت قال فيه رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، يوم الثلاثاء الماضي، إن "مصر لديها الحق في مناقشة المؤسسات الدولية لوقف فوائد الديون الخارجية، أو تعليق سدادها على الأقل في ظل أزمة كورونا".

وطبقت الحكومة المصرية إجراءات تقشف صارمة، التزاماً بشروط برنامج قرض حجمه 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وقعته في أواخر عام 2016، والذي تضمن إجراءات "قاسية" دفع ثمنها المواطن غالياً، على غرار زيادة الضرائب، ورفع الدعم نهائياً على أسعار الوقود والطاقة وخفضها على خدمات أخرى.

وشملت الإجراءات تعويم الجنيه (تحرير سعر الصرف أمام العملات الأجنبية)، ما أدى إلى تهاويه بأكثر من 100 في المائة، وحدوث موجة غلاء غير مسبوقة قفز معها معدل التضخم لأكثر من 33 في المائة في العام 2017، قبل أن تصدر الحكومة بعدها بيانات تظهر تراجعه تدريجاً، حتى وصل إلى 5.1 في المائة في فبراير/ شباط 2020، رغم استمرار الشكاوى من الغلاء.

في هذه الأثناء، ذكرت تقارير محلية أن الحكومة بدأت بعمليات تسريح لموظفين حكوميين خلال الأيام الأخيرة، لكن الحكومة خرجت لتنفي ذلك يوم الجمعة الماضي، وفق بيان صادر عن جهاز التنظيم والإدارة.

الصندوق متحمس

إلى ذلك، قال طارق عامر، محافظ البنك المركزي، في المؤتمر الصحافي الذي عقد اليوم الأحد، إن صندوق النقد متحمس للبرنامج الجديد، مضيفاً أن الاحتياطيات النقدية الحالية تستطيع حماية مصر من الصدمات الاقتصادية لأزمة فيروس كورونا لمدة عام أو عامين.

وأشار عامر، إلى أن "قطاع البنوك في مصر لا يزال قوياً، ويستطيع مواجهة التحديات في ظل أزمة فيروس كورونا"، منوهاً إلى أن هناك رؤوساً للأموال في البنوك تساوي نحو 450 مليار جنيه. وأضاف أن "الدولة المصرية تحاول التحرك بشكل استباقي، من دون انتظار لأي مفاجآت على وقع الأزمة".

وادعى عامر أن "الحكومة اتخذت مع البنك المركزي إجراءات ناجحة للغاية، وهو ما جعل الاقتصاد المصري مرناً في مواجهة الأزمات"، مردفاً "صندوق النقد الدولي متحمس للغاية إزاء البرنامج الجديد مع مصر، والذي تبلغ مدته عاماً واحداً فقط، مع الوضع في الاعتبار أن احتياطي البلاد من النقد الأجنبي يستطيع تحمل صدمات أزمة كورونا لمدة عام أو عامين".



وفي 8 إبريل/ نيسان الماضي، أعلن البنك المركزي المصري انخفاض صافي الاحتياطي الأجنبي للبلاد من 45.51 مليار دولار إلى 40.1 مليار دولار خلال شهر واحد، مشيراً إلى استخدام 5.4 مليارات دولار من الاحتياطي النقدي خلال شهر مارس/ آذار الماضي، بذريعة مساندة الإجراءات الاقتصادية للدولة، وتعزيز قدرته على الوفاء بالالتزامات الخارجية من دون تأخير.

وطبقت الحكومة المصرية إجراءات تقشف صارمة، التزاماً بشروط برنامج قرض حجمه 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وقعته في أواخر عام 2016، والذي تضمن إجراءات "قاسية" دفع ثمنها المواطن غالياً، على غرار تحرير سعر صرف العملة المحلية (الجنيه)، وزيادة الضرائب، ورفع الدعم نهائياً عن أسعار الوقود والطاقة.

وفي ذات المؤتمر، اعتبر محمد معيط، وزير المالية، أن المحادثات مع الصندوق تستهدف صيانة المكتسبات التي حققها الاقتصاد خلال الفترة الماضية والتحوط من أي تداعيات لجائحة كورونا.

وسارعت الحكومة إلى طرق أبواب المقرضين، للحصول على تمويلات لمواجهة تداعيات فيروس كورونا الجديد، الذي وجه ضربات قاسية إلى اقتصاد يعاني من مشاكل هيكلية وديون متفاقمة، وهناك شكوك في قدرة الحكومة على الوفاء بها، بحال اتساع نطاق الأضرار التي يخلفها الوباء واسع الانتشار.

والتقت رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي، أكثر من 100 من رؤساء وممثلي المنظمات التنموية الدولية والإقليمية في مصر، عبر تقنية فيديو كونفرانس، لمناقشة التمويلات المتاحة وبحث تداعيات تفشي فيروس كورونا، وفق بيان للوزارة في الخامس من إبريل/ نيسان الجاري.

وشارك في الاجتماع ممثلون عن صندوق النقد والبنك الدوليين، والبنك الأفريقي للتنمية، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، وبنك الاستثمار الأوروبي، ومؤسسة التمويل الدولية، والمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، والوكالة الفرنسية للتنمية، والوكالة الأميركية للتنمية.

وكان صندوق النقد قد لمّح نهاية العام الماضي إلى إمكانية تقديم قرض جديد لمصر، لكنه اشترط القيام بإصلاحات جديدة. وجاءت جائحة كورونا التي انتشرت سريعاً، لتضغط بشكل حاد على مالية الدولة التي تواجه التزامات ثقيلة بسبب المشروعات الضخمة التي أقدم الرئيس عبد الفتاح السيسي على تنفيذها من دون جدوى اقتصادية، وفق تأكيد الكثير من الخبراء، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة في صحراء شرق العاصمة القاهرة.

ويهدد فيروس كورونا مصر بالتخلف عن سداد الديون، بعد إصابته قطاعات حيوية تمثل المورد الرئيسي للنقد الأجنبي للدولة، التي فتحت باب الاقتراض على مصراعيه منذ وصول السيسي إلى الحكم قبل نحو ست سنوات، رغم التحذيرات المتزايدة من خطورة الاقتراض غير المحسوب.

وتوقفت السياحة تماماً، ويتوقع تراجع عائدات قناة السويس وصادرات الغاز وكذلك تحويلات المصريين العاملين في الخارج، ما ينذر بفقدان الدولة مليارات الدولارات خلال الأشهر المقبلة.

في هذه الأثناء، كشفت بيانات حديثة صادرة عن البنك الدولي أن الديون المقرر أن تسددها مصر خلال العام الجاري تتجاوز الـ18.6 مليار دولار، وتمثل إجمالي الأقساط والفوائد التي تتحملها الدولة.

المساهمون