أرقام السياحة المصرية "أمن قومي"

17 أكتوبر 2018
اهرامات مصر تستقطب اهتماماً سياحياً عالمياً (فرانس برس)
+ الخط -

تتفاخر الدول بالإعلان عن أرقام السياح الأجانب الوافدين إليها، ويزداد الفخر عندما ترصد زيادة ملحوظة في الإيرادات السياحية، ذلك لأن تدفق السياح عليها يعني النجاح في تسويق الصورة الذهنية للبلاد أمام العالم، وأنها تتمتع بالاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي، وأنها بلد مضياف، ولذا يتدفق السياح عليها من كل حدب وصوب.

كما أن إيرادات السياحة تعد واحدة من أبرز إيرادات النقد الأجنبي، بل وقد تسبق أحياناً إيرادات تحويلات المغتربين والصادرات والاستثمارات الأجنبية، كما هو الحال في عدد من دول جنوب شرق آسيا وأوروبا.

بل إن بعض الدول تبالغ في الكشف عن تفاصيل الحركة السياحية من حيث الإعلان عن عدد الغرف الفندقية والليالي السياحية وحجم إنفاق السائح والمناطق التي زارها، والمنشآت السياحية والفندقية الجاري تأسيسها وحجم الاستثمارات المخصصة لتطوير القطاع.

ولأهمية السياحة في اقتصادات العالم تحرص العديد من الدول على الدعاية المكثفة لإمكانياتها السياحية وإبراز أهم الوجهات والمزارات وأجمل المواقع، وتنشر المزايا التي تمنحها للسياح سواء في الطيران أو الإقامة وغيرها.

إسبانيا مثلاً تتفاخر بأنها أصبحت في العام 2017 ثاني وجهة سياحية في العالم بعد فرنسا من حيث عدد الزوار والدخل السياحي، وأن سياحتها سجلت رقماً قياسياً للسنة الخامسة على التوالي رغم أن 2017 شهد اعتداءات إرهابية في كتالونيا أوقعت 16 قتيلاً، واندلاع أزمة الاستقلال الخطيرة، والتظاهرات الكبرى التي نُظمت بعد الاستفتاء في الخريف الماضي.

كما تفاخرت إسبانيا بأنها أصبحت تتجاوز أميركا من حيث دخل السياحة والإيرادات، وأن 82 مليون أجنبي زاروا البلاد السنة الماضية ما أدخل عائدات لخزينة الدولة تقدر بـ 87 مليار يورو بارتفاع 12% عن العام 2016، بل إن منطقة كتالونيا وحدها زارها نحو 20 مليون سائح في العام 2017، وهو ما يفوق عدد السياح الذين زاروا أكثر من نصف الدول العربية مجتمعة.


ويتكرر الموقف في فرنسا وألمانيا وسويسرا وروسيا وإندونيسيا تايلاند وماليزيا وإيرلندا وغيرها، بل إن تركيا من أكثر الدول دعاية للسياحة، وتتفاخر بأن إيراداتها من السياحة قفزت بنسبة 20% في العام 2017 وبما يعادل 26.28 مليار دولار رغم حوادث الإرهاب التي تقع من وقت لآخر، والخلافات مع روسيا أكبر مورد للسياح، وأن عدد السياح الذين زاروا تركيا زاد بنسبة 27.84 % ليصل إلى 32.41 مليوناً.

لكن يبدو أن للحكومة المصرية رأياً آخر، فقد رفضت رانيا المشاط وزيرة السياحة قبل أيام الإفصاح عن الأعداد السياحية الوافدة، قائلة إن الوزارة تلقت تعليمات بعدم الإفصاح والإعلان عن الأعداد الحقيقية باعتبارها أمناً قومياً.

بل وقدمت الوزيرة تبريراً على القرار بقولها إن "هناك توجيهات عليا بعدم نشر أية أرقام خاصة بالسياحة حفاظًا على الأمن القومي، وأننا في وضع لا بد أن نتكاتف جميعًا للحفاظ على البلاد".

التصريح لا يعد الأول من نوعه، فقد خرج خالد رامي، وزير السياحة المصري الأسبق، منذ سنوات بتصريح لافت قال فيه إن "الأمن القومي" أهم من مليارات الدولارات التي تأتي من السياحة، وإنه مستعد للمكوث في بيته عاماً أو عامين إذا ما تعارضت السياحة مع الأمن القومي لمصر.

هذه التصريحات الغريبة تخرج من وقت لآخر، وكأن السياحة تضر بالأمن القومي للبلاد، وأن السياح ما هم إلا مجموعة جواسيس يعملون لصالح أطراف خارجية تستهدف الإضرار بمصالح البلاد، وأن هناك من يتربص بالبلاد حتى إذا ما عُرف عدد السياح وحجم الإيرادات فإنه سيضر بأمنه القومي.

أخشى فقط أن تكون مثل هذه التصريحات ما هي إلا تغطية على مشكلة ما في قطاع السياحة تؤخر تعافيه وعودته لمستويات ما قبل ثورة 25 يناير .

ولذا، على وزيرة السياحة المصرية التفاخر بسياحة بلادها، وبعدد السياح الأجانب المتدفقين على البلاد، وبأرقام الإيرادات السياحة وعمل مقارنات بسنوات سابقة، لأن الأرقام تعطي، في حال زيادتها وتحسنها، دلالة على أن القطاع يتعافى، وأن مصر لا تزال مقصدا للسياح الأجانب رغم الظروف الصعبة التي مرت بها خلال السنوات الأخيرة.

المساهمون