إصلاح بشار الأسد الإداري

21 يونيو 2017
الأسد يطرح مشروع الإصلاح الإداري بعد تدمير سورية (Getty)
+ الخط -

أذكر، ومنذ عشرين سنة، كلما أرادت حكومات الأسد بسورية، منذ الأب ومن ثم الابن، رمي كرة مسؤولية زيادة الفقر والفساد وتراجع الدخل والإنتاج، تطرح بعنوان عريض هو "الإصلاح الإداري".

وأذكر أن حكومة الأسد الابن الأولى، أعطت مساحة واهتماماً بالغين لهذا الإصلاح، لدرجة استيراد خطط فرنسية واستقدام بعض "المصلحين" السوريين والأجانب، بل وصرف أموال باهظة، قبل أن يُقفل هذا الملف الإصلاحي، لأسباب قيل وقتذاك، أنها تقنية تتعلق بالبنى التحتية التكنولوجية المتخلفة، في حين قال البعض، ومن القائمين على الإصلاح الإداري حينذاك، أن المشروع اصطدم بالمحرمات وقت تطلب الإفصاح والشفافية لبناء قواعده.

فتم الاكتفاء وقتذاك، للهروب من كشف فساد من يدعي ملاحقة الفساد، بتشكيل وزارة دولة لشؤون التنمية الإدارية، قوامها مكتبٌ وبضعة موظفين، وربما يذكر المتابعون، أن وزيرها ترشح بمقابل بشار الأسد لرئاسة الجمهورية عام 2014 خلال مسرحية الديمقراطية، قبل أن يتم تحويله أخيراً للتفتيش بسبب الفساد الإداري.

قصارى القول: في واقع وصول نسبة الفقر بسورية لنحو 90% وانقطاع الكهرباء لنحو 20 ساعة باليوم والإنترنت 15 ساعة وحيرة السوريين في تدبر أمور معيشتهم بعد تضاعف الأسعار 12 مرة، فضلاً عن وجود جيوش لأربع دول على أرضهم، منها بصفة الاحتلال والبعض الآخر بحجة مكافحة التطرف والإرهاب..

بواقع كل هذه الظروف، أطلق رئيس النظام بشار الأسد، قبل أيام المشروع الوطني للإصلاح الإداري خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء في مقر الحكومة بمنطقة كفرسوسة وسط العاصمة دمشق .

وجاد الأسد بما منّ الله عليه من علم واسع وثقافة عريضة، خلال محاضرة لحكومته الصامتة، فأوضح لهم فوائد الإصلاح الإداري في تخفيف الهدر وزيادة الإنتاج ومكافحة الفساد، بل ولم ينس أن يذكرهم أنه لم يقطع شارة مرور بحياته، بل يقود سيارته بنفسه ويقف على الشارات بل وحواجز التفتيش المنتشرة بالعاصمة السورية كما المرض بأجساد الفقراء.

ولأن جلسة الأسد تعد مكسباً للوزراء والوطن، أفرد خلالها الشاب المثقف، مساحة لتفصيل محاور المشروع، عبر خلق منهجية واحدة ومتجانسة لكل الوزارات، ومركزٍ يسمى مركز القياس والدعم الإداري يقوم بوضع الهيكليات والتوصيف الوظيفي وإيجاد آليات لقياس الأداء والأنظمة الداخلية للمؤسسات وقياس الإجراءات بين المواطن والمؤسسات أو داخل المؤسسات أو فيما بينها وقياس رضا المواطن والموظف ومكافحة الفساد.

ولم يفت الرئيس الإشارة لضرورة إيجاد مركز خدمة الكوادر البشرية لوضع خارطة للموارد البشرية الموجودة بشكل تفصيلي وربط الخارطتين مع بعضهما البعض من خلال التوصيف الوظيفي.. وغير ذلك الكثير من الإرشادات والنصح وشرح فوائد الإصلاح الإداري، وأثره على الموظفين، في بلد تم فصل نصف موظفيه لانتمائهم للثورة، وتحويل جلّ من تبقى لمليشيات مقاتلة.

نهاية القول: ثمة استفزاز بطرح القائد الممانع يصل لدرجة فقد الصواب والتحكم بضبط الكلمات، لئلا يخرج سباباً يخدش حياء الاصلاح الاداري، ففي الوقت الذي يموت خلاله السوريون جوعاً وحصاراً وعلى حدود دول اللجوء، وحققت سورية بظل هذا القائد الإصلاحي أرقاماً قياسية بالجوع والفقر والبطالة والتضخم والتشرّد والنزوح والهجرة وتكاليف الحرب...يخرج هذا المفكر بحل لا يأتيه الباطل من أي مكان، ويقول الإصلاح الإداري.

ولعل في مطلع قصة للكاتب السوري، عبد السلام العجيلي، اختصاراً وتعبيراً أمثل لهذا الاختراع المتجدد، بدلاً من إعطائه أهمية والبحث في ألف باء الإصلاح الإداري، من نشر ثقافة المعلوماتية وتحصين العامل من الفساد والاختراق وتطوير التحكم المعلوماتي بالمؤسسات أو حتى التطرق لمن يتبوأ المواقع الإدارية بدولة الأسد، التي تنتفي فيها أي معايير وظيفية، سوى الولاء.

سأل تلميذ معلمه، لماذا يبول الجمل للخلف، على عكس كل الكائنات؟!، فرد الأستاذ: يا بني، إن أمعنت النظر بهذا المخلوق العجيب، فسترى رأساً صغيرة على جسد كبير، حدبة ضخمة وذيل أبتر صغير، فم كبير وأذنان صغيرتان...أي تناسب رأيته في هذا الحيوان ليبول كما بقية الكائنات.


المساهمون