بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على اقتراض 2.77 مليار دولار، وتعهده بالموافقة على تسهيل آخر تصل قيمته إلى 5 مليارات دولار، كما المساعدة في تأمين 4 مليارات أخرى من مصادر خارج الصندوق، باعت مصر سندات دولية بقيمة 5 مليارات دولار، لآجال مختلفة، في أكبر إصدار في يوم واحد في تاريخها.
وأعلنت وزارة المالية المصرية أن ما باعته كان 1.25 مليار دولار استحقاق 2024 بعائد 5.75%، و1.75 مليار دولار استحقاق 2032 بعائد 7.625%، بالإضافة إلى مليارَي دولار استحقاق 2050 (!) بعائد 8.875%.
وأعربت الحكومة المصرية عن سعادتها، بالنجاح في جمع هذا المبلغ، بهذه التكلفة، التي اعتبروها منخفضة جداً في هذا التوقيت، خاصةً أن الطلبات التي تلقتها الوزارة تجاوزت أربعة أضعاف ما قُبِل.
وفيما أشارت الوزارة إلى أن بيع السندات استهدف توفير التمويل اللازم للتعامل مع وباء كورونا، وتغطية احتياجات الإنفاق في السنة المالية 2020 – 2021، يأتي التوسع في الاقتراض، الذي يصل في إجماله إلى أكثر من 16.77 مليار دولار، استمراراً لسياسة الدولة المصرية في الفترة الأخيرة، اللاهثة وراء الاقتراض الخارجي دون تقدير لتبعاته، حتى وصل إجمالي الدين الخارجي إلى أكثر من 112 مليار دولار بنهاية العام الماضي 2019.
ورغم دفع الحكومة بأن أزمة وباء كورونا أجبرت أغلب دول العالم على زيادة اقتراضها، وبخلاف المخاوف المعتادة من التوسع في الاستدانة الخارجية، تختص خطوات الاقتراض الأخيرة ببعض النقاط التي ينبغي لفت النظر إليها، قبل أن تضيع وسط زحام الأخبار والأحداث:
1- دول العالم التي توسعت في الاقتراض لم تفعل ذلك بسبب وجود ضغوط على موازين المدفوعات بها، بل فعلته بعد أن اضطرت إلى إنفاق مليارات الدولارات في صورة إعانات نقدية للمواطنين، وإعانات بطالة لمن فقد وظيفته منهم، ومساعدات للشركات للاحتفاظ بالعمالة، والدليل على ذلك أن أغلبهم اقترض بعملته المحلية، باستثناء بعض دول الخليج العربي التي لها ظروفها الخاصة، غير المشابهة للحالة المصرية.
3- صندوق إعانة العمالة غير المنتظمة أُسِّس في أعقاب ثورة يناير في 2011، ولم تصرف منه أية مبالغ من قبل للعمالة، بل استُنزف الجزء الأكبر من موارده في صورة مكافآت للمسؤولين في وزارة القوى العاملة، وفي كل الأحوال هو لا يتبع الموازنة العامة للدولة، ويُموَّل في الأغلب بنسب من قيمة المشروعات الإنشائية، يتحملها المقاولون قبل حصولهم على مقابل أداء خدماتهم.
4- على عكس المعمول به في أغلب بلدان العالم، يدفع المواطنون في مصر، الذين لا يتمتع أغلبهم بتأمين صحي حقيقي، ثمن اختبار الكشف عن الفيروس، وتكلفة العزل، وكل مصاريف العلاج في المستشفى، إن حالفهم الحظ ووجدوا مستشفى لائقاً، ولا يوجد قانون يوفر حماية حقيقية لمن يتغيب عن عمله للمرض أو لمخالطة مريض.
5- قررت الحكومة المصرية، في مواجهة الأزمة الحالية، حسم نسبة 1% من راتب كل العاملين في الدولة ونصف بالمائة من أصحاب المعاشات، وهو ما يعني فرضها ضريبة جديدة، بنسبة ثابتة، رغم اختلاف الدخول والمعاشات، بالإضافة إلى فرض ضريبة جديدة على أصحاب الدخول المرتفعة، وهو ما يعني زيادة حصيلتها الضريبية، على عكس ما عملت به كل دول العالم، باستثناء السعودية (!)، حيث كان التوجه إتاحة الأموال في أيدي المواطنين، كما تنصح كل المدارس الاقتصادية، عند اقتراب البلاد من الركود.
لكن الواقع يشير إلى أن السبب الرئيسي في تراجع الاحتياطي الأجنبي، خروج 17 مليار دولار من استثمارات الأموال الساخنة في أذون الخزانة المصرية وسنداتها، وهو ما سبق أن حذرنا منه، بينما تصور البنك المركزي المصري أنها معين لا ينضب من الاستثمارات الأجنبية.
أما البنود الأخرى التي تحدثت عنها الحكومة، فتأثير أزمة الوباء عليها لا يكاد يذكر حتى الآن، خاصة مع الأخذ بالاعتبار أن حركة الملاحة التجارية لم تتوقف خلال الأزمة، وأن السياحة الصادرة أيضاً تأثرت كما الواردة، وأن تأثير الاستغناء عن العمالة المصرية، إن وجد، لم يظهر حتى الآن.
7- تشير التكلفة التي تدفعها مصر مقابل الحصول على تلك السندات، التي تعد أعلى من نظيرتها الأميركية المعيارية بما يراوح بين 5% - 7.5%، إلى ارتفاع نسبة المخاطرة التي يتحملها المستثمر في السندات المصرية الدولارية، بعد أن اقتربت من مستوياتها في يوليو/ تموز 2013، في أعقاب إطاحة أول رئيس مصري منتخب، واحتجازه بصورة غير شرعية، ولم يكن أحد يعرف وقتها مصير ما أُصدِر من سندات مصرية.