تونس: شرطة للجباية لملاحقة المتهربين من الضرائب وزيادة الإيرادات الحكومية

23 سبتمبر 2017
تونس تسعى لزيادة الإيرادات المالية (فرانس برس)
+ الخط -
تستعد وزارة المالية التونسية لتعزيز إيرادات الجباية (الضرائب) عبر وسائل جديدة لملاحقة المتهربين من الضرائب، في ظل النقص الحاد في الموارد الذاتية للدولة دفعها نحو الاقتراض الخارجي الذي ناهز 66% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، حسب البيانات الرسمية.
وتركز الخطة الحكومية لرفع إيرادات الضرائب على تكثيف تتبع الشركات والمؤسسات المتهربة عبر جهاز خاص تم استحداثه بقانون جديد صدر أخيراً، تحت اسم فرقة الأبحاث ومكافحة التهرب الجبائي، أو ما اصطلح على تسميته بجهاز "الشرطة الجبائية".

ويتولى الجهاز الجديد ضمن المهام المسندة إليه القيام بالأبحاث الضريبية وتوفير المعلومة لهياكل المراقبة بوزارة المالية عبر فرق مشتركة بين إدارات الجباية التابعة للوزارة وإدارات الجمارك، إلى جانب الكشف عن المخالفات الجبائية ومعاينتها والبحث عن مرتكبيها وتقديمهم للمحاكم.
وتعوّل الحكومة على الآلية الجديدة المقرر تطبيقها في يناير/ كانون الثاني المقبل في تحسين مواردها الذاتية من الجباية عملا بتوصيات صندوق النقد الدولي الذي أكّد في تقارير عديدة على ضرورة القيام بإصلاح جبائي عميق في تونس واستهداف أكبر قدر ممكن من المؤسسات والأنشطة التي بقيت خارج دائرة الضرائب.

ويعتبر خبراء الجباية والاقتصاد أن الحكومة لا تبذل مجهوداً كبيراً في تحصيل الضرائب من كبار الممولين، مكتفية بالضرائب المفروضة على الأجراء فضلاً عن سن قوانين تسمح بالتهرب الضريبي للشركات الكبرى في البلاد.
فعلى عكس الأجراء والموظفين تقدر مساهمة المهن الحرة غير التجارية (التي يصنف ضمنها الأطباء والمحامون والمهندسون) بنحو 7% من الضرائب المباشرة رغم ارتفاع نسب دخل هذه الفئات، حسب الخبير الاقتصادي رضا شكندالي، الذي قال في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن النظام الجبائي في تونس لا يكرس العدالة الاجتماعية.

وحسب شكندالي، فإن الدولة لا تحتاج إلى شرطة جبائية لجمع الضرائب بقدر ما تحتاج إلى قوانين عادلة ترفع الحماية القانونية عن الشركات المتهربة. وأضاف المتحدث أن وزارة المالية تملك أدوات كثيرة لمراقبة المتهربين ولا تحتاج إلى شرطة جبائية وأعمال الاستقصاء بقدر ما تحتاج إلى أنظمة مراقبة شفافة تمنع كل أشكال التحايل على القوانين.
وأوضح الخبير الاقتصادي في السياق ذاته أن النظام الجبائي في تونس منحاز إلى الأثرياء، ما ولّد ضغطا جبائيا كبيرا على الأجراء والطبقات الضعيفة، مشيرا إلى أن النظام الحالي يحتاج إلى مراجعات عميقة تستهدف كبار المؤسسات والأنشطة الحرة إضافة إلى السوق السوداء بمختلف أنشطتها، وفق تقديره.

وحسب الشكندالي، فإن الضريبة المباشرة التي تدفعها الشركات شهدت تراجعا من 51% في عام 2011 إلى 36% سنة 2015، ما يعني أن الدولة متشدّدة في جمع الضرائب مع الطبقات الضعيفة وتتساهل مع الشركات والأثرياء.
وتشير تقديرات دولية إلى أن نسبة التهرّب الضريبي في تونس هي من أعلى النسب في العالم، باعتبار أن ميزانية الدولة تخسر سنويا ما يوازي 6% من إجمالي الناتج المحلي، وفق بيانات لصندوق النقد الدولي.

ومن جانبه، لا يتوقع الخبير الاقتصادي بلحسن الزمني، تأثيرا كبيرا لشرطة الجباية على عائدات الجباية، مشيرا إلى أن تحسين إيرادات الدولة من الضرائب لا يحتاج إلى وسائل أمنية بقدر ما يحتاج إلى إضفاء مزيد من الشفافية على المعاملات بين الدولة ودافعي الضرائب.
وقال الزمني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الشركات والقطاعات المتهربة تقدم لمصالح الضرائب كشوفا قانونية لمعاملاتها لا تتماشى في الواقع مع حجم نشاطها، لكن الدولة لا تستطيع مقاضاة أو محاكمة هؤلاء المتهربين اعتمادا على الكشوف المقدمة.

وأبرز المتحدث ذاته أن الشرطة الجبائية يمكن أن تكون مجدية في الأعمال الاستقصائية لكشف المهربين ودفعهم نحو القيام بالتصريح عن أنشطتهم، وهو ما يساعد على اقتصاد الظل تدريجيا ضمن الاقتصاد المهيكل، مطالباً بضرورة تحسين أداء الجهات المختصة بجمع الضرائب ورفع كفاءة كوادرها من أجل زيادة الحصيلة الضريبية.
وعرف مردود الضرائب تحسناً في سنة 2017، على مستوى مجموع المبالغ المستوجبة أو المبالغ التي تم دفعها للخزينة ليبلغ حتى أغسطس/ آب الماضي حوالي 1.160 مليار دينار، أي ما يعادل 483 مليون دولار، في حين وصل هذا المردود خلال الفترة نفسها من سنة 2016، إلى نحو 950 مليون دينار، أي زهاء 400 مليون دولار، مقابل إيرادات 1.535 مليار دينار، أي نحو 639 مليون دولار لكامل 2016، حسب التقارير الرسمية.



المساهمون