اعتداءات باريس..السياحة الخاسر الأكبر والأسواق تتسابق لكبح الانهيار

17 نوفمبر 2015
السياحة الأكثر تضرراً في فرنسا من الهجمات الدامية (Getty)
+ الخط -
تسابقت الأسواق العالمية نحو كبح آثار اعتداءات الجمعة الأسود في فرنسا، وسط عزوف شرائح من المستثمرين عن المخاطرة، والاتجاه نحو الملاذات الآمنة للاستثمار تفاديا لشظايا الإرهاب والاضطرابات.
وضربت اعتداءات باريس، أسهم شركات التصدير والطيران والسياحة في العديد من الأسواق، بينما أجمع محللون اقتصاديون فرنسيون على أن انعكاسات الاعتداءات على الاقتصاد الفرنسي ستكون ذات تأثير قوي وفوري على قطاع الفنادق، خاصة الفخمة منها، وأيضا الصناعات "الفاخرة" المرتبطة بعالم الموضة والعطور.
ولم يعم الاضطراب بورصة باريس، لكونها كانت مغلقة أثناء وقوع الاعتداءات مساء الجمعة الماضي، ولكون الفاعلين الاقتصاديين اتخذوا احتياطاتهم خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وشهدت بورصة باريس عند الافتتاح صباح أمس تراجع أسهم مجموعة "آكور" الفندقية بنسبة 9% خلال التعاملات المالية الأولى، وهو التراجع الأكثر أهمية ضمن مؤشر كاك 40 الفرنسي.
كما انعكست اعتداءات الجمعة الأسود سلبا على أسهم قطاع النقل، حيث شهد مؤشر مجموعة "اير فرانس KLM" تراجعا بقيمة 5.4%. كذلك تراجع مؤشر "مطارات باريس" بنسبة 4.5%. ولم تسلم مجموعة "اوروتونيل" من موجة التراجع وسجلت هبوطا في مؤشرها بنسبة 4.4%.
وشهدت أسهم شركات الموضة والعطور مثل "هيرميس" و"كيرينغ" هي الأخرى تراجعا ملموسا في بورصة باريس لارتباطها هي الأخرى بتراجع الحركة السياحية، وأيضا لكون جميع محلات الموضة والمتاجر الكبرى أغلقت أبوابها غداة اعتداءات الجمعة، ما حملها خسائر كبيرة لكونها تسجل أكبر قدر من الأرباح في عطلة نهاية الأسبوع عادة.
ومن المتوقع أن تقوم السلطات المالية الفرنسية بتشديد بعض إجراءات الرقابة المتعلقة بالتحويلات والمعاملات المالية سواء ما يتعلق بالمصارف أو بالمعاملات والتحويلات بين الأفراد داخل فرنسا.

وكثفت السلطات سلفا من مراقبة عمليات سحب المبالغ الضخمة من المصارف وتم التشديد على تسجيل هويات المتعاملين في مجمل مكاتب الصرف داخل فرنسا.
وفي المقابل ليس من المتوقع في المستقبل القريب أن تقوم السلطات الفرنسية باتخاذ مزيد من الإجراءات في تطبيق القوانين والإجراءات المشددة في التعاملات المالية مع المصارف العربية ونظيراتها في فرنسا، خصوصاً المتعلقة بتحويل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، لأنه حسب المحلل الاقتصادي خالد قروي "السلطات المالية الفرنسية تدرك جيدا أن المصارف العربية اتخذت إجراءات صارمة لمنع غسيل الأموال، وهي مراقبة من طرف السلطات المالية الأوروبية والأميركية".
وكانت السياحة في فرنسا قد تأثرت من قبل بفعل ثلاثة أيام من الهجمات في يناير/كانون الثاني الماضي، عندما قتل مسلح 18 شخصا في هجوم على مجلة شارلي إيبدو، ومتجر، وشرطية في واحدة من الدوريات.
وأعلن مكتب السياحة في باريس آنذاك أن نسبة الإشغال في الفنادق قد انخفضت بالفعل بنسبة 3.3% في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، بسبب حادث شارلي إيبدو. وتستقبل فرنسا أكبر عدد من السائحين بين دول العالم ويمثل القطاع نحو 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي.
وبحسب هيدينوري سيوزاوا المحلل المالي في "سي إم بي سي" لرويترز "نظرا لأن حجم قطاع السياحة في فرنسا كبير قد يتضرر الاقتصاد بعض الشيء، إذا ما أدت الحوادث لانخفاض عدد الزائرين".
ومن المرجح أن تتعرض أسهم شركات منتجي السلع الاستهلاكية لضغوط أيضا على المدى القصير جراء هجمات باريس، لكن معظم المحللين الاستراتيجيين لا يتوقعون تأثيرا اقتصاديا طويل الأجل أو تحولا في اتجاهات السوق على المدى البعيد.
في المقابل يتوقع أن تؤدي مثل هذه الاعتداءات إلى تخصيص الحكومة الفرنسية مبالغ مالية أكبر لقطاعات الدفاع والأمن والاستخبارات، بينما يرى مراقبون أن سياسة التقشف، التي تنتهجها الحكومة ستحتم عليها اقتطاع موارد مالية من قطاعات أخرى وتوجيهها نحو الأمن والدفاع.

اقرأ أيضا: هجمات باريس تنعش الذهب والنفط وتهوي بالبورصات

وعلى صعيد الأسواق العالمية، كانت أسهم التصدير والسياحة الأكثر تأثرا، رغم نجاح أغلب الأسواق الأوروبية والآسيوية في كبح تداعيات اعتداءات باريس وتأثيرها على وضع الشركات الكبرى في مختلف الاقتصادات العالمية.
وأغلق مؤشر نيكي القياسي الياباني منخفضا بنسبة 1%وسط تعاملات ضعيفة، مسجلا أقل مستوى فيما يزيد عن أسبوع، وتراجعت أسهم شركات التصدير والطيران والسياحة، نتيجة العزوف عن المخاطرة في أعقاب الهجمات في باريس.
لكن فترة العطلة ليومين، والتي أعقبت هجمات باريس الدامية، التي أودت بحياة 129 شخصا، ساعدت بشكل كبير في تأهب الكثير من الدول لمواجهة الهبوط المتوقع في أسواق الأسهم.

ورجح كبير الاقتصاديين في شركة "إيه أم بي كابيتال" الأسترالية في سيدني، أن تؤثر الهجمات على قرارات الاستثمار، لكنه قال إن ذلك سيكون "مجرد رد فعل عارض".
وقال أوليفر وهو أيضا المسؤول عن الاستراتيجية في صندوق لإدارة الثروات حجمه 156 مليار دولار أسترالي (111 مليار دولار) "سنعلم بمرور الزمن إذا كانت التبعات محدودة، وأعتقد أنها ستكون كذلك، ستتعافى الأسواق سريعا ويتحول الاهتمام لأمور أخرى".
وجاءت أنباء الهجمات بعد إغلاق الأسواق يوم الجمعة، إلا أن التعاملات الآجلة على مؤشر ستاندرد أند بورز 500، كانت مازالت مستمرة لتهبط 1%، وسط أحجام تداول ضعيفة.
وبحسب خبراء في أسواق المال، فإنه لو حدثت الهجمات خلال ساعات التداول في السوق، لكان هناك حالة فزع وهبوط كبير في الكثير من الأسواق، لاسيما الأوروبية.
وفي ظل عزوف شرائح من المستثمرين عن أسواق الأسهم، قفز الذهب في تعاملات أمس بنحو 1%، مرتفعا من أقل مستوى في نحو ستة أعوام، مع بحث المستثمرين عن ملاذ آمن عقب هجمات باريس، مسجلا 1095.77 دولارا للأوقية (الأونصة).
وقال سام لوخلين المتعامل في مجموعة "ام.كيه.اس" لرويترز، إن الذهب ارتفع بفضل مشتريات بحثا عن ملاذ آمن، مضيفا أن حالة الضبابية العالمية ستدعم الذهب الأسبوع الجاري وترفع المستويات المستهدفة إلى 1095 دولارا و1100 دولار.
كما ارتفعت أسعار النفط الخام، حيث شنت فرنسا غارات جوية واسعة النطاق على مواقع تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في سورية الليلة الماضية، ما أعطى المستثمرين في سوق النفط سببا لزيادة المشتريات بعد أسبوع شهد هبوطا في أسعار النفط بلغ نحو 8%.
وزاد سعر خام القياس العالمي مزيج برنت في عقود شهر أقرب استحقاق 34 سنتا إلى 44.81 دولارا للبرميل، فيما ارتفع سعر الخام الأميركي في العقود الآجلة 36 سنتا إلى 41.10 دولارا للبرميل.
وأبدى مندوب لدى منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) من دولة خليجية اعتقاده بأن الأسعار قد تلقى بعض الدعم على المدى المتوسط نتيجة تصاعد التوترات، لاسيما إذا تبنى المجتمع الدولي المزيد من الخطوات للحد من عمليات تهريب النفط وضرب المنشآت النفطية الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في سورية والعراق.
لكن محللين يرون في المقابل، أن أسعار النفط والسلع الأخرى قد تتعرض لضغوط من جديد نتيجة مخاوف من أن تؤدي الهجمات إلى تباطؤ أكبر في الاقتصاد العالمي.

اقرأ أيضا: "مجموعة العشرين": تصاعُد الإرهاب يعرض الاقتصاد والسلام للخطر
المساهمون