مقاولات الجزائر في الإنعاش... تقليص الإنفاق الحكومي يهدّد بإغلاق 2100 شركة

27 ابريل 2018
ركود قطاع العقارات في الجزائر (Getty)
+ الخط -
وجدت الآلاف من الشركات الجزائرية الناشطة في مجال البناء والمقاولات نفسها في ضائقة مالية، مع دخول الجزائر عهد التقشف وتقليص الإنفاق الحكومي على البنية التحتية، بسبب التراجع الحاد في الإيرادات مع انخفاض أسعار النفط.

"هذه الحالة بدأت مطلع سنة 2016، لكن منذ منتصف السنة الماضية كانت الضربة القاضية، إذ لم تطلق الجهات الحكومية التي تعودنا العمل معها أي مناقصة في الأشغال العامة"، حسب ما قاله عمار قاضي، مدير شركة مختصة في البناء والأشغال العامة، والذي يتنوع عملاؤه بين شركات خاصة وحكومية.

وأضاف قاضي لـ "العربي الجديد": "شح المشاريع بات يهدد مستقبل شركتي، فحتى المشاريع القليلة التي أنجزتها السنة الماضية لم أتلق بعد مستحقاتها"، موضحاً أن ثلاث فواتير له تنتظر الدفع منذ سبتمبر/أيلول الماضي، منها المتوقفة عند وزارة السكن وأخرى أبرمت مع بلديات.
وفي السنوات الماضية أي قبل الأزمة المالية، كانت مستحقات الشركة، تُصرف كل 20 يوما، وفق تأكيد قاضي.

وبلغة الأرقام، يكشف رئيس جمعية المقاولين الجزائريين عبد المؤمن بوهالي حجم الأضرار التي خلفتها الأزمة المالية على قطاع الأشغال العمومية، حيث يقول في حديث لـ "العربي الجديد" إن "من أصل 3500 شركة مقاولات وأشغال عامة تنشط في الجزائر، 40 % منها أي أن 2100 شركة مهدّدة بشبح الإفلاس والتوقف عن النشاط بسبب شح المشاريع".

وأضاف نفس المتحدث أن "القطاع خسر قرابة 90 ألف منصب شغل بين 2016 و2017، في حين بلغ حجم الديون المستحقة لدى الحكومة قرابة ملياري دولار في نفس الفترة".
وكانت الحكومة الجزائرية قد لجأت نهاية السنة الماضية إلى تبني خيار "التمويل غير التقليدي" الذي سمح للبنك المركزي بطبع الأموال وإقراضها للخزينة العمومية من أجل تسديد الديون العالقة وإطلاق بعض المشاريع الاستراتيجية، خاصة المتعلق بالبنية التحتية.

ويرى بوهالي أن "قطاع المقاولات كان ضحية السياسة الخاطئة التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة على الجزائر منذ الاستقلال، وفشلت في تحرير البلاد من التبعية لعائدات النفط".

ويبقى قطاع الأشغال العامة والمقاولات الأكثر تضرراً من الأزمة المالية التي تعصف بالاقتصاد الجزائري، حيث قررت الحكومة وقف المئات من المشاريع، منها تجميد بناء 48 قطبا دينيا (مساجد كبرى) وتعليق ورشة توسعة خطوط مترو الجزائر العاصمة بسبب نقص الأموال، ما يهدد بمزيد من الانكماش الذي بات يخيم على القطاع، وأدى إلى تراجع نمو القطاع بنحو 16 % حسب أرقام الحكومة في قانون الموازنة العامة 2018.

وخلف تقليص الحكومة مخصصات الإنفاق على المشروعات الحكومية للعام الثالث، نتائج كارثية على شركات المقاولات العامة والخاصة، التي تجد في هذه المصروفات، ضمانة لاستمرار عملها رغم الصعوبات التي تواجهها منذ حدوث أزمة تهاوي أسعار النفط في السوق الدولية.

ويعتبر "الأشغال العامة والبناء" من القطاعات التي كانت لها حصة الأسد من الغلاف المالي الذي أنفقته الجزائر على البنية التحتية والمقدر بحوالي 800 مليار دولار منذ سنة 2000، أي منذ وصول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم، حيث ظل بقاء القطاع متماسكاً مرهونا بمدى ارتفاع "الاستثمارات العمومية، وما إن هوت عائدات النفط حتى هوى معها قطاع كان يشكل 17.4 % من الناتج الداخلي الخام سنة 2014 حسب الديوان الجزائري للإحصاء الحكومي.


وإلى ذلك، قال مدير شركة مقاولات وبناء جسور حسين مشيقل مسير إنه "وضع حصيلة مالية سلبية سنتي 2016 و2017 عبر دفع مبالغ مالية لدى مصالح الضرائب دون تحقيق أرباح، واضطر إلى التخلي عن 35 عاملا منذ دخول نشاطنا الإنعاش، فالسنة الماضية جمدت وزارتا الصحة والبريد مشروعين فاز بهما، فيما بقي المشروع الثالث متوقفا عند نسبة 30 % جراء تجميد الميزانية من طرف مصالح محافظة "المدية" (100 كم جنوب غرب العاصمة)".

وأضاف نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" أن تجميد المشاريع الحكومية أثر بشكل كبير على حياة شركات المقاولة والبناء العام، فالقطاع كان يعيش بالاستثمارات العمومية، وللأسف تراجعت، والعمال دون راتب منذ يناير/ كانون الثاني".

وحسب المقاول الجزائري، فإن "المقاولين كانوا يتوقعون سيناريو مماثلا، إلا أن المشكل يكمن اليوم في الغموض الذي يلف القطاع، فالحكومة لم تعط تواريخ واضحة ولا معطيات إضافية حول مصير المشاريع العمومية، ولا ندري هل نواصل الانتظار أم نتقدم لطلب قرض بنكي أم نغلق شركاتنا ونغير النشاط؟".

وفي ظل تفاقم بوادر استمرار مكوث قطاع الأشغال العامة في "الإنعاش" فترة طويلة، باتت مصاريف العمال تثقل كاهل ملاك الشركات، ما دفعها إلى تسريح الآلاف من العمال، لمواجهة هذه المرحلة غير المسبوقة في تاريخ الجزائر، فحتى في سنوات الإرهاب (1990-2010)، لم يواجه القطاع مثل هذا التدهور، حسب أصحاب الشركات.

وانتقلت عدوى نقص السيولة لتمس المصارف التي وجدت نفسها وسط هذه الدوامة، حيث أصبح تدفع دون أن تتلقى الأموال، وهو ما يؤكده، المدير الفرعي لأحد المصارف الإسلامية في الجزائر عبد المجيد حيدر، مضيفاً لـ "العربي الجديد" أن دفع المستحقات لشركات المقاولات أصبح بطيئا، فإذا كان يستغرق في الماضي 3 أشهر، أصبح حاليا يتعدى 6 أشهر، وهي وضعية تؤثر على المصارف.

وأمام هذه الأزمة القائمة والسيناريوهات القاتمة التي تلف مستقبل قطاع الأشغال العامة، يأمل الفاعلون بالقطاع في عودة أسعار النفط إلى مستوياتها المرتفعة، حتى تضح جرعة أوكسجين في شريان القطاع الذي شهد نزيفا في اليد العاملة في السنتين الماضيتين.

من جانبه، قال رئيس مجمع المهندسين المعماريين في الجزائر محمد بوداود، في حديث مع "العربي الجديد" إن "قطاع الأشغال العامة في الجزائر يعاني من نقص في اليد العاملة تصل إلى قرابة نصف مليون عامل، ولا يعقل لقطاع كبير كالأشغال العامة ألا يتحرر ويبقى مرهونا ببرميل النفط وسخاء الحكومة".

وأضاف بوداود أن "ما زاد من معاناة الشركات في مجال الأشغال العامة والبناء، هو استنجاد الحكومة بشركات صينية وتركية وبرتغالية لإكمال مشاريع بناء سكنات ومترو الأنفاق، وغيرها من المشاريع التي كان بإمكانها أن تخفف من حجم الأزمة التي عفت بالقطاع".

يذكر أن آخر الأرقام الرسمية كشفت عن تبخر جزء كبير من احتياطي النقد الأجنبي للجزائر، بفعل أزمة تراجع الإيرادات في ظل انخفاض أسعار النفط. وحسب إحصاءات البنك المركزي، فقدت البلاد نحو نصف احتياطاتها خلال السنوات الخمس الماضية إذ بلغ نحو 194.01 مليار دولار عام 2013 لينخفض إلى نحو 97.3 مليار دولار نهاية العام الماضي.
المساهمون