يعتزم بنك السودان المركزي تعديل هيكله الحالي ليكون أكثر فاعلية وضبطاً وإنتاجاً، عبر طلب الدعم الفني من صندوق النقد الدولي في مجال الهيكلة، مشترطاً تناسب مقترحاته المرتقبة مع خصوصية الاقتصاد السوداني والبيئة المصرفية.
ورغم أن محافظ البنك المركزي السوداني، بدر الدين عبد الرحيم، قال أخيراً إن الهيكلة المطلوبة من الصندوق ليس لها علاقة بسياسات الصندوق التي يقترحها على الدول لتنفيذها، بل هي دعم فني للسودان وليست مفروضة عليه، إلا أن مصرفيين يرون أن الأمور تسير في اتجاه آخر قد يصل إلى حد وضع الوصاية على المصارف.
ويبدو أن الخرطوم تسعى إلى التخفيف من الضغوط الاقتصادية عبر هذه الخطوة حسب أوساط مصرفية، إذ تأتي هذه الإجراءات في ظل انتقادات واسعة للسياسات المالية والنقدية، خاصة أن موازنة عام 2020 شملت في جدولها الزمني اكتمال تحرير سعر الصرف في يونيو/حزيران المقبل مع اكتمال تحرير أسعار السلع الاستراتيجية.
ويطالب مصرفيون بإصلاح نوعي عبر تطوير نظام الحد من المخاطر وحماية المودعين بسلامة المراكز المالية وجودة الأصول وكفاية رأس المال مع سلامة السياسات وغيرها.
وشهد بنك السودان المركزي في آخر سنتين فتح بعض ملفات الفساد المالي والإداري، مثل قضيتي عوائد الصادر، ودولار الدواء المدعوم، بجانب بعض التمويلات المالية لشخصيات نافذة من بعض البنوك التجارية، وكل هذه الأمور أسهمت في ضعف المصارف.
ودفعت هذه التطورات رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، إلى القول في تصريحات سابقة إن القطاع المصرفي على شفا الانهيار، فيما يرى الإصلاحيون أن إعادة الثقة بالنظام المصرفي لا يمكن تحقيقها بصورة عاجلة في الوقت الراهن، ما يتطلب سياسات وإجراءات واسعة تظهر آثارها في المدى البعيد.
وظل الجهاز المصرفي السوداني يواجه أزمات في توفير السيولة، الأمر الذي انسحب بدوره سلباً على مجمل مفاصل الاقتصاد السوداني.
وقال المدير الأسبق لبنك النيلين، عثمان التوم، لـ"العربي الجديد" إن كلمة هيكلة مطاطية وتعني إعادة التوظيف وتقسيم الإدارات الموجودة في البنك المركزي.
وأضاف: نعلم أن المركزي يمتلك سياسات ولوائح معترفاً بها ومقبولة لدى الوحدات المصرفية العالمية، مؤكداً أن صندوق النقد إذا أراد أن يكون البنك تحت وصايته أو وحدة من وحداته لتنفيذ سياساته، فهذه مسألة أخرى، ولكن بالضرورة مناقشة تبعية البنك، خاصة أن البنوك المركزية في بعض دول العالم مستقلة لا تتبع لأي جهة تنفيذية في الدولة.
وتابع قائلاً إن السودان طبق كل المطلوبات العالمية في ما يتعلق بالسياسات المالية والنقدية، إلا أن المشاكل أصبحت معقدة أكثر من ذي قبل.
وحذر التوم من تنفيذ سياسات قد يطلبها صندوق النقد، في ظل وجود أجندة خفية يصعب الرجوع عنها، وطالب بتحديد الهدف من إعادة الهيكلة وجدواها للاقتصاد السوداني قبل الدخول مع الصندوق في إجراءات عملية.
وفي المقابل، أكد وزير المالية الأسبق، عز الدين إبراهيم، لـ"العربي الجديد" ضرورة النظر في تعديل الهياكل نتيجة لتغير الظروف، خاصة أن استمرار التعامل بذات الطريقة القديمة يعتبر معوِّقاً لأي إصلاح.
وقال إن صندوق النقد قد ينظر في أمر هيكلة البنك المركزي، أو يبقى على طريقته القديمة، ولكن نتيجة لتفاقم المشاكل وفقدان الصلة بالعالم الخارجي لا بد من أن تتوافق الهيكلة مع الانفتاح نتيجة لقصور المركزي في توفير مخزون يتجاوب مع الطلب.
وأشار إلى مشاكل تفاقم التضخم والكاش وتأثر الإنتاج وحركة التجارة التي توضح أن القصور أصبح سمة في البنك المركزي.
وأضاف إبراهيم: لا بد من مرونة في التعامل داخل النظام المصرفي حيث يتوقع دخول بنوك خارجية تجلب معها نظماً جديدة تحتاج إلى مواكبة في ظل الانقطاع عن التدريب الخارجي.
وأكد أن هناك تغيراً كبيراً حدث في مجال الصيرفة مع اختلاف القوانين والقواعد المتعلقة بالحوكمة وغسل الأموال وتمويل الإرهاب "فاتيكا" والتزام بعض الشروط الأميركية التي تتطلب من النظام المصرفي الإلمام بها. وأوضح أن كل تلك الإجراءات إذا نُفِّذَت ستعمل على طمأنة المستثمرين والمغتربين.
ولعلّ مشكلة السيولة لم تكن المعضلة الوحيدة التي واجهت الجهاز المصرفي، إذ تعرض القطاع لتداعيات سلبية من الحظر الأميركي، ورغم رفع العقوبات ما زالت تعاملات المصارف الخارجية مكبّلة.
ويعاني البنك المركزي من شحّ في الاحتياطي الأجنبي، ما أدى إلى توسع السوق السوداء، إذ وصلت العملة المحلية إلى أكثر من 100 جنيه مقابل الدولار في السوق السوداء، فيما يبلغ السلع رسمياً نحو 53 جنيهاً.
ومن جانبه، يقول الخبير الاقتصادي، إبراهيم عثمان، لـ"العربي الجديد" إن سياسات صندوق النقد تحتاج إلى ترتيب البيت الداخلي، معتبراً الهيكلة من السياسات الناجحة، ولكن تحتاج إلى أرضية خصبة، وخاصة في ما يتعلق بالنقد الأجنبي.
وطالب عثمان بوضع الأسس السليمة قبل تحرير سعر العملة لآثارها السلبية على المواطن، لكن نتيجتها المستقبلية جيدة.
وقال: كنا نأمل أن تطبق مثل هذه السياسات إبان استخراج النفط، معتبراً تنفيذ سياسات الصندوق سلاحاً ذا حدَّين، إذ تحتاج إلى اقتصاد قوي يعتمد على الموارد الذاتية في القطاعين الزراعي والصناعي.