استمع إلى الملخص
- تسعى الحكومة المصرية لتطوير وسط القاهرة عبر إزالة العشوائيات وتحويل العقارات القديمة إلى مشروعات فندقية وإدارية، مع تعديل قانون الصندوق السيادي لتسهيل نقل الأصول للقطاع الخاص.
- يواجه السكان والباعة تحديات بسبب الإخلاء والتطوير، مع مخاوف من تصاعد العنف واتهامات متبادلة حول الحرائق، وسط محاولات لنقل الباعة إلى مواقع جديدة.
كثّفت قوات الأمن في مصر وجودها على مداخل ميادين وشوارع وسط العاصمة القاهرة، خاصة القريبة من منطقة العتبة والموسكي والإسعاف. تشهد المنطقة صداماً ناعماً يرتقي إلى المرحلة الخشنة أحياناً، بين قوات الشرطة والباعة الذين يزحفون إلى وسط القاهرة الخديوية، وتحويل الأرصفة والشوارع الجانبية للميادين الرئيسية إلى منصات لبيع الملابس والأحذية الحديثة والمستعملة والساعات ولعب الأطفال، والمأكولات الشعبية.
يزحف الباعة الجائلون من كل صوب يومياً، يحملون بضائعهم أو يأتون بها من مخازن بمداخل وأسطح العقارات القديمة، لتبدأ حملات الكر والفر بين الشرطة والباعة، لأجل غير مسمى.
قوات الأمن المركزي
تزداد كثافة قوات الأمن المركزي، وشرطة المرافق في الفترات المسائية، بعد إزالة الآلاف من الباعة الجائلين، بالشوارع الرئيسية ومنطقة ميدان الأوبرا بالعتبة الخضراء، وسط حالة من التوتر الأمني، تتصاعد منذ يوليو/ تموز الماضي، مع رغبة الحكومة في القضاء على الباعة الجائلين بالمناطق التجارية وسط القاهرة، وتنفيذ خطة حكومية لإعادة التطوير، تستهدف إزالة الأسواق الشعبية، وبناء عدد من المراكز التجارية، لنقل المحلات القديمة، إلى أخرى جديدة.
في تناقض لافت سمحت محافظة القاهرة وهيئة مترو الأنفاق، التابعة لوزارة النقل، بتحويل المناطق المطلة على سور الأزبكية الشهير ومحطات المترو إلى أكشاك بإيجارات رسمية باهظة، لبيع المنتجات التي تلاحق بائعيها بالشوارع، ما حوّل محطات المترو والمساحات المحيطة بالمسرح القومي وحول الكباري، إلى أسواق شعبية شديدة الزحام والعشوائية.
ويؤكد مسؤولون بمحافظة القاهرة أن الخطة الحكومية لتطوير وسط العاصمة، وضعت منذ عام 2009، مستهدفة تفريغ المنطقة من العشوائيات، والباعة الجائلين، وتجميل العقارات، وإعادة القاهرة الخديوية إلى رونقها، وإنقاذها من حملات التدمير والأعمال العشوائية على مدار 30 عاماً. وقالت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد" إن وجود قوات الأمن مرهون بتنفيذ خطط إزالة شاملة للباعة الجائلين بالشوارع، وتطوير المحلات القديمة، أو إعادة تسكينها في المراكز التجارية التي ستقام على أنقاض العقارات المتهالكة.
وأكدت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، أن قرار تطوير القاهرة الخديوية، لا رجعة فيه، بعد أن تعطّل المشروع لمدة 15 عاماً، حيث تخطط الحكومة لبيع العقارات القديمة المملوكة للشركة القابضة للتأمين، والأصول العقارية المنقولة إلى الصندوق السيادي، وتحويلها إلى مشروعات فندقية، تضم نحو 24 ألف غرفة قبل حلول عام 2030.
خطة بيع الأصول في مصر
وأوضحت المصادر أن تعديل قانون الصندوق السيادي في البرلمان مؤخراً، استهدف تحصين إجراءات نقل الأصول العامة للقطاع الخاص المصري والأجنبي، للإسراع في تحويل مقار الوزارات والمباني الحكومية بوسط العاصمة، إلى مشروعات فندقية وإدارية، بالتوازي مع تكليف الجهات المعنية بالملكية وتطوير القاهرة الخديوية، لإنهاء حصر ملكية العقارات وعدد المستأجرين للوحدات السكنية، والإدارية والمحلات التجارية، تمهيداً لتسليم الأصول للصندوق السيادي، للتصرف في الأصول، والتعامل مع المقيمين بها.
تتضمن الخطة تحويل أغلب شوارع القاهرة الخديوية إلى مناطق مغلقة أمام السيارات، وقصرها على حركة المشاة، وسيارات الخدمة العامة، لنقل كبار السن وحالات الطوارئ.
وتشير بيانات مركز المعلومات بمجلس الوزراء إلى انتهاء وزارتي الإسكان والآثار والأوقاف وهيئة التنسيق الحضاري والتخطيط العمراني، من إعادة معظم عقارات القاهرة الخديوية، والميادين الواقعة بها إلى أصلها المعماري، عند إنشائها خلال الفترة من 1870 حتى منتصف القرن الماضي، على أن تمتد عمليات التطوير إلى المناطق الأثرية والتاريخية، بالتوازي مع إجراءات إخلاء الشوارع، وأسطح العقارات من المخالفات، التي أجريت على المنطقة خلال العقود الماضية.
تدفع عمليات الإخلاء إلى مواجهات ساخنة بين أجهزة الأمن والباعة الجائلين الذين يعملون بالتنسيق مع بعض أصحاب المحلات التجارية، ومستأجري الوحدات العقارية بمنطقة وسط المدينة، وتزداد خشونة مع الباعة الزاحفين على الميادين والشوارع مساءً، عقب توقف الحركة بالبنوك والمكاتب الحكومية بالمنطقة.
وتصيب المواجهات الأمنية المستهلكين بالقلق، وتدفع الباعة إلى المغالاة في أسعار السلع، يبررها الباعة، بأنهم يتحملون مخاطر مصادرة البضائع وغرامات باهظة، تفرضها الأجهزة الرقابية بمحافظة القاهرة ووزارة التموين، عند القبض عليهم متلبسين بالبيع على البسطات بالشوارع.
في جولة لـ"العربي الجديد" رصدت حالة التأهب القصوى من أجهزة الأمن التي أقامت حواجز أمنية ثابتة على مداخل الميادين والشوارع الرئيسية، تزداد أعدادها في المساء، بالتوازي مع حملات رقابية تجريها محافظة القاهرة، لإطفاء الأنوار بالمحلات والميادين، ضمن خطط ترشيد الطاقة، وإلزام المنشآت التجارية بمواعيد الإغلاق الشتوية التي تنفذ منذ مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، عند الساعة العاشرة مساء، عدا ليلة الجمعة والعطلات الرسمية.
مخاوف السكان
يذكر أحد المقيمين بعقارات شركة مصر للتأمين المعروضة للبيع عبر الصندوق السيادي، وسط العاصمة، محمد بسيوني، لـ"العربي الجديد" أن حالة التأهب الأمني، تثير مخاوف السكان، منوهاً إلى أنّه رغم قدرة الشرطة على الحد من تغول الباعة الجائلين على الشوارع، فإنهم يهربون ببضائعهم من المواجهات إلى داخل العقارات السكنية، بما يثير فزع السكان، لخوفهم من التعرض للباعة الذين يساندهم مرشدون وبلطجية وعاملون بالأحياء الذين يبلغونهم عن مواعيد هجوم الشرطة.
يؤكد بسيوني مشاركة بعض حراس العقارات في حماية البضائع والباعة، وجعل السكان غير قادرين على التدخل بمنعهم من العمل بمداخل العقارات، مشيراً إلى تحويلهم الشوارع المغلقة كالشواربي والألفي إلى ساحة بيع ومقاه تحول دون مرور السكان والمارة بسهولة.
يوضح بسيوني أن زحف الباعة الجائلين لوسط العاصمة بدأ منذ 4 عقود في مناطق الرويعى والموسكي ثم إلى المناطق المحيطة بسور الأزبكية، واحتلوا أرصفة ميدان العتبة الخضراء، وبعض الشوارع على استحياء إلى أنّ استغل الباعة حالة الانفلات الأمني التي شهدتها البلاد، عقب ثورة 25 يناير، فانطلقوا إلى وسط القاهرة الخديوية آتين من ميدان العتبة ووكالة البلح وميدان رمسيس، وهناك من جاء من المناطق الشعبية.
يؤكد بسيوني أنّ جهات أمنية ساعدت على ذلك بدفع الباعة الجائلين إلى ميدان التحرير وطلعت حرب، مدعومين بمجموعات من البلطجية، لاستغلالهم في الاعتداء على الشباب الداعمين لثورة 25 يناير.
بدأت الجهات الأمنية تفريغ وسط القاهرة من المقاهي والأماكن التي يتجمع حولها السياسيون بمنطقة باب اللوق والبورصة والتحرير، وتوسيع المجال أمام الباعة الجائلين الذين تمددوا بمختلف شوارع القاهرة الخديوية، بدرجة مكنتهم من السيطرة على مداخل العقارات الداخلية والمملوكة للدولة والبنوك وشركات التأمين، إلى أن شرعت الحكومة بتنفيذ خطة لوقف زحف الباعة الجائلين، عام 2104.
سوق "الترجمان"
اتفقت الحكومة مع رابطة الباعة الجائلين التي تضم 3 آلاف بائع، على نقلهم إلى سوق "الترجمان" بأرض السبتية في المنطقة الواقعة بين ميداني رمسيس والتحرير، وفوجئت بعد تسليم المساحات المقررة لكلّ بائع، بعودة "البسطات" إلى شوارع التوفيقية و26 يوليو وشريف باشا واحتلالهم ميادين أحمد عرابي والألفي والجمهورية بالقاهرة الخديوية.
تبرر الحكومة عمليات نقل الأسواق التجارية والباعة الجائلين من وسط القاهرة، بوقف الحرائق المتكررة التي تهدد العاصمة، خاصة بمناطق الأزهر والموسكي والعتبة التي تعرضت لحرائق مدمرة، خلال العقد الماضي، بينما يتهم تجار المسؤولين وملاك العقارات القديمة بإشعال تلك الحرائق، في محاولة لاستعادة العقارات، وبناء مراكز تجارية، تضمن دخول التجار ضمن منظومة الاقتصاد الرسمي للدولة.
وتشير لجنة التنسيق الحضاري، التي تضم مسؤولي وزارات الآثار والسياحة والإسكان ومحافظة القاهرة، إلى أنّ معظم العقارات المتضررة وسط العاصمة، هي عقارات سكنية، حولها السكان والملاك إلى أنشطة تجارية ومخازن قابلة للاشتعال، تهدد القاهرة القديمة والخديوية، بحرائق كارثية.