أجور المواصلات تستنزف اليمنيين يومياً

26 ديسمبر 2019
ارتفاع كبير لأجور نقل الركاب (محمد حويس، فرانس برس)
+ الخط -

 

تسبب الصراع الدائر في اليمن في تقطيع أوصال المدن وخطوط السير، نتيجة لتعدد السلطات من منطقة لأخرى، إضافة إلى استحداث طرق سير شديدة الوعورة زادت من مدة وتكاليف النقل.

ويعتبر مراقبون أن أجور المواصلات من أكثر الأعباء التي يعاني منها المواطن، وأكثرها تأثيراً على حياته ومهامه وأعماله اليومية، إذ زادت بأكثر من 200 في المائة وتستنزف نحو 40 بالمائة على أقل تقدير من الدخول المحدودة، بينما يعاني أغلب السكان من الفقر مع توقف مرتبات الكثير من موظفي القطاع العام وتسريح شركات وأعمال خاصة لعدد كبير من الأيادي العاملة.

وتكلف رحلة تاكسي من منطقة الشيخ عثمان إلى المعلا، وسط مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة، ثلاثة آلاف ريال، بينما كانت لا تتعدى ألف ريال سابقا، كما يقول لـ"العربي الجديد" الموظف المدني منير محمود، الذي يسكن في الهاشمي بمنطقة الشيخ عثمان ويضطر للذهاب بشكل يومي إلى مقر عمله في خور مكسر بالمعلا.

بينما يقول المواطن أنور الحسني إن المواصلات تستنزف ثلث دخله الضئيل الذي يصل إلى حوالي 150 ألف ريال شهرياً (الدولار يساوي 575 ريالا يمنيا) من عمله في مكتب شحن تجاري في ميناء عدن، ويقطن في منطقة دار سعد، إذ يعتمد كما يوضح لـ"العربي الجديد"، على المواصلات العامة "الميكروباص"، إذ ارتفعت أجرتها بشكل مبالغ فيه بالفترة الأخيرة بوصولها إلى 300 ريال للمشوار الواحد (الرحلة) من 150 ريالا.

وتخضع أجور المواصلات حالياً لمزاج سائقي الباصات والحافلات وسيارات الأجرة وغيرها من وسائل النقل بين المدن في ظل معاناة شاقة يلاقيها اليمنيون في التنقل بين المناطق والمدن في البلاد، نتيجة لتعدد السلطات وللصعوبات الجمة في خطوط السير التي فرضتها الحرب، إذ أصبح الوصول إلى مدينة تعز من منطقة الحوبان، شرق المدينة، والتي لا تبعد عنها بأكثر من 5 كيلومترات، يتطلب ما يزيد على 5 ساعات في "رحلة" لا تكلف أكثر من 20 دقيقة في أوضاع ما قبل 2015.

مأساة يعيشها ماجد المسني بشكل يومي، حيث يعمل في مصنع غذائي بمنطقة "الحوبان" ويسكن مع عائلته داخل مدينة تعز. ويقول ماجد لـ"العربي الجديد"، إنه يدفع يومياً ما يقرب من 4 آلاف ريال كأجور مواصلات للانتقال بين عمله ومحل سكنه في تعز، المدينة المحاصرة منذ ثلاثة أعوام، ويضطر للمرور في طرق خطرة ووعره في معاناة يومية شاقة.

في السياق، يقضي حسن عبيد، الذي يعمل في سيئون بحضرموت، جنوب شرق اليمن، 24 ساعة للقيام برحلة عاجلة لزيارة أهله في منطقة إب (شمالاً)، والمرور بما يزيد على 50 نقطة عسكرية تتوزع ما بين أربع سلطات على امتداد نحو 700 كيلومتر في رحلة شديدة المخاطر والتكاليف.

ولا تتوقف الحركة في خط السير المؤدي إلى سيئون الذي يعد الأكثر أهمية حالياً في اليمن، إذ يعبره كل يوم ما يزيد على 20 ألف مسافر بسبب غلق المنافذ البرية الحدودية وحصرها في منفذ واحد، هو منفذ "الوديعة" المحاذي للسعودية بمنطقة العبر بسيئون، وكذا نتيجة لاضطرار المسافرين على رحلات الطيران اليمنية إلى الخارج خصوصاً القادمين من المناطق الشمالية لارتياد مطار سيئون (على بعد 600 كيلومتر من صنعاء ونحو 700 كيلومتر من إب وتعز)، لصعوبة الوصول إلى عدن (250 كيلومترا من صنعاء)، بسبب منع نقاط ما يعرف بـ"الحزام الأمني" للمواطنين "الشماليين" من العبور والوصول إلى مطار عدن، جنوب اليمن.

وارتفعت أجرة المواصلات إلى سيئون من 4 آلاف ريال إلى 20 ألف ريال، ومثلها، كما يقول حسن عبيد لـ"العربي الجديد"، نفقات يستهلكها المسافر في الطريق على الغذاء والشرب لكثرة التوقف وأحياناً المبيت في بعض المناطق الواقعة على خط السير.

في هذا الصدد، يشكو مواطنون من الفوضى والارتفاعات المبالغ فيها لأجور النقل في الخطوط الداخلية بالمدن في ظل صمت وغياب رسمي تام ومقلق، إذ ارتفعت في صنعاء أجرة الميكروباص (حافلة صغيرة) من 50 ريالا إلى 100 ريال وبعضها إلى 200 ريال وتزيد على 300 و500 ريال في مناطق أخرى تخضع لسيطرة الحوثيين، إضافة إلى ارتفاع الرحلة في التاكسي التي كانت تكلف 500 ريال إلى 1000 ريال، الأمر الذي ضاعف الأعباء على المواطنين بشكل كبير.

وحسب المواطن عبد الله القديمي، من سكان صنعاء، فإن الناس يغرقون في همومهم المعيشية التي لا تنتهي. ويضيف لـ"العربي الجديد"، أن "حقوق المواطن مهدورة وهناك استغلال وعبث يومي باحتياجاته المعيشية الضرورية في مختلف الجوانب المتعلقة بالمواد الأساسية الضرورية والغذائية وفي أجور المواصلات التي أصابت المواطنين في مقتل".

ويرى أن الجهات الرسمية مطالبة بشكل عاجل بمعالجة هذه القضية بالتواصل مع السائقين وملاك مركبات النقل ووسائل المواصلات المختلفة ونقاباتهم والجلوس معهم ومناقشتهم وتحديد الأسعار المناسبة للأجور وإلزامهم بها، بحيث لا تشكل أي ضغط أو عبء على الناس وإيقاف ما يتعرضون له من ابتزاز واستغلال، بحيث لا يكون هناك أي ضرر على العاملين في مجال المواصلات والنقل.

من جانبهم، يرى سائقو الباصات وسيارات الأجرة أن ما يتقاضونه لا يفي بالغرض بالنسبة لهم لأنه لا يلبي الحدود المتوسطة لإنفاقهم على المشتقات النفطية. ويقول عمار سالم، وهو سائق باص، إنه يقطع رحلة طويلة ما بين منطقتي الحصبة وهائل في صنعاء، والمبلغ الذي كان يحصل عليه زهيد للغاية قبل حدوث أي ارتفاعات في المشتقات النفطية.

ويضيف أن باصات وسيارات الأجرة تستهلك يومياً نحو 10 آلاف ريال ثمن البنزين في المتوسط (20 لتر بنزين بـ7500 ريال)، والبعض يستهلك أكثر، خصوصا العاملين في الخطوط الطويلة بين المدن، إلى جانب تكاليف ونفقات أخرى.

وتكتظ المدن والشوارع بالباصات وسيارات الأجرة والحافلات التابعة لشركات النقل العاملة في الخطوط الطويلة داخلياً بين المحافظات وخارجياً إلى بعض دول الجوار، مثل السعودية، إذ أصبحت ملاذا استثماريا يستقطب رؤوس أموال العديد من التجار ورجال الأعمال لمحدودية تكاليفها وعائدات أرباحها السريعة.

وأدى هذا الأمر، كما يؤكد سامي محمد، مندوب فرزة نقل في صنعاء (موقف تجمع الحافلات)، إلى تراجع وانخفاض العمل في هذا الجانب وأصبحت عملية البحث عن المسافر، حسب سامي، في حديث لـ"العربي الجديد"، عملية شاقة ومضنية في ظل هذه المنافسة الشديدة والانتشار الكثيف للمركبات خصوصاً في الشوارع داخل المدن رغم ازدهارها في الخطوط الطويلة بين المحافظات، إضافة إلى انخفاض دخل الناس الذين أصبحوا يعزفون عن المواصلات العامة لمحدودية تنقلاتهم ومشاويرهم.

ويقول سمير عبد الوهاب، وهو باحث اقتصادي، إن أجور المواصلات لا تطاق وهي استنزاف يومي للمواطنين في اليمن، واستغلال بشع من البعض لهذه الظروف في تثبيت أسعار معينة وخيالية وليس للمواطن قدرة على دفعها.

ويرى عبد الوهاب في حديث مع "العربي الجديد"، أن أجور المواصلات تستهلك نسبة كبيرة من دخل الناس، لهذا فهي تعتبر إلى جانب أسعار المواد الغذائية الأكثر نهباً لدخول محدودي الدخل وأكثرها تأثيرا على حياتهم اليومية.

ويؤكد ضرورة وضع حد لمزاجية السائقين ومكاتب وشركات النقل واستغلالهم للأوضاع الراهنة، برفع أجرة الباصات بنسبة 100 في المائة وبعض الخطوط إلى أكثر من 200 بالمائة وارتفاع الأجرة بين المدن أضعاف قيمتها، ومحاولتهم فرضها كأمر واقع وتثبيتها بشكل دائم.

المساهمون