تختلف مع سياسات محافظ البنك المركزي المصري، طارق عامر، خاصة المتعلقة بإدارة السياسة النقدية وسعر الصرف الأجنبي، أو تتفق معه، لكن يبقى التلاعب بمنصب محافظ البنك المركزي لعب بالنار لا تقترب منه حتى أنظمة الدول النامية والفقيرة التي لا تعطي استقلالية لهذا المنصب الاقتصادي الرفيع وتفرض قبضتها على البنوك المركزية.
وبغض النظر عمّا إذا كنت تعتبر طارق عامر أنقذ مصر من خطر الإفلاس والتعثر المالي، كما يقول مؤيدوه، أو تعتبره وراء انهيار العملة الوطنية الجنيه مقابل الدولار، وأن سياساته فاقمت الأوضاع المعيشية للمصريين وغزت موجة الغلاء التي لا تتوقف منذ ما يقرب من 3 سنوات كما يقول منتقدوه، إلا أنه يبقى أن التلاعب بمنصب محافظ البنك المركزي بمثابة بارود يمكن أن يحرق الجميع بلا استثناء، بل ويفتح الباب على مصراعيه لهز الثقة في مؤسسة البنك المركزي والقطاع المصرفي بالكامل، وبالتالي إثارة قلق المودعين والمتعاملين مع البنوك.
ليس القصد هنا تقييم سياسات طارق عامر النقدية والمصرفية خاصة المتعلقة بتبني أخطر قرار اقتصادي في تاريخ مصر، وهو تعويم الجنيه المصري وتحرير سوق الصرف في نوفمبر 2016 والذي أدى إلى فقدان العملة الوطنية 50% من قيمتها بين ليلة وضحاها، فهو ينفذ سياسات عليا يتم الاتفاق على بعضها مع صندوق النقد الدولي أو داخل مجلس إدارة البنك المركزي.
القصد هنا، هو التعليق على تسريبات مساء أمس الثلاثاء، والتي نشرتها صحف ومواقع مصرية ونقلت فيها عن مصادر مصرفية مسؤولة (لم تسمها كالعادة) قولها إنه تم إبلاغ طارق عامر رسمياً بعدم التجديد له في منصبه، عقب انتهاء فترته في شهر نوفمبر القادم، وتم نشر الخبر على نطاق واسع في مواقع كثيرة، منها ما هو معروف ومنها ما هو مغمور، قبل أن تعود بعض هذه المواقع وتنفيه بعد ساعات من نشره.
وحتى الآن، لم يصدر بيان رسمي عن البنك المركزي المصري يؤكد مثل هذه الأخبار المسربة أو ينفيها، وبالتالي نحن هنا أمام تسريبات لأطراف تريد إيصال رسالة مزعجة وقوية إلى محافظ البنك المركزي طارق عامر في هذا التوقيت بالذات.
فمن حيث التوقيت يخوض عامر عدة معارك أبرزها ملف إقالة قيادات مصرفية بارزة ظلت في مواقعها لسنوات طويلة مثل حسن عبد الله القريب من دائرة صنع القرار أيام نظام مبارك، وكشف مخالفات فساد جسيمة داخل بعض البنوك ومنها البنك العربي الأفريقي الدولي، ومحاولة استكمال موجة تحسين سعر الجنيه مقابل الدولار، وتمرير قانون البنوك الجديد المثير للجدل، إضافة إلى ملف زوجته وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد والمتعلق بالشركة المصرية للهيدروكاربون والذي تفحصه هيئات رقابية حاليا.
رسالة ربما تبعثها بعض الجهات أو الشخصيات لطارق عامر تقول إنه بات غير مرغوب فيه، وإنه قد يتم معه تكرار سيناريو المحافظ السابق للبنك المركزي هشام رامز الذي تم دفعه للاستقالة من منصبه قبل انتهاء فترته بشهر واحد عقاباً له على تصريحات مثيرة، أطلقها في خريف العام 2015 وأكد فيها أن تفريعة قناة السويس كانت وراء اشتعال أزمة الدولار وتوحش السوق السوداء.
لعبة التسريبات مع القطاع المصرفي خطرة جداً، لأننا هنا نتكلم عن قطاع حساس يدير أموال المودعين الذين يفوق عددهم 15 مليون شخص، ويدير محفظة المجتمع المالية.
وإذا ما شعر المودع بأن منصب محافظ البنك المركزي يتم التلاعب به سياسيا، هنا سيقلق بشدة، وعندما يقلق المودع فإن أول ما يفكر فيه هو سحب أمواله من البنوك ووضعها تحت البلاطة في البيت، أو تحويل مدخراته من العملة المحلية إلى عملات أجنبية في مقدمتها الدولار، وهنا تكمن الخطورة.
ارفعوا أيديكم عن البنك المركزي، واحترموا القانون الذي ينص صراحة على استقلالية البنك في إدارة السياسة النقدية وطباعة البنكنوت وتحديد أسعار الفائدة وإدارة الدين العام، لأن ما تفعلونه هو لعب بالنار.