مبارك وسنوات من الخراب الاقتصادي

26 فبراير 2020
مبارك ترك ما يزيد عن ربع المصريين فقراء(Getty)
+ الخط -


كثيرة تلك الأرقام والمؤشرات الاقتصادية الخادعة التي اختفى وراءها نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك على مدى 30 سنة، خاصة في فترة ما بعد العام 2005 حيث تم انتخابه لدورة رئاسية جديدة، وما تلاها من انتشار الفساد، وسيطرة المال السياسي ورجال الأعمال على دوائر صنع القرار، ونهب ثروات المجتمع، والتفريط في ثروة البلاد لصالح الكيان الصهيوني . 

من بين هذه الشعارات التي رفعها نظام مبارك مثلاً ما كانت تتغنى به حكوماته المتعاقبة، خاصة في سنوات ما قبل ثورة 25 يناير، من حدوث طفرة اقتصادية غير مسبوقة وتحقيق معدل نمو اقتصادي هو الأعلى في العالم متجاوزاً 7% في بعض السنوات، وجذب استثمارات أجنبية بمليارات الدولارات رغم أن الجميع كان يعرف أن ثمار هذا النمو وعوائده كانت تذهب معظمها لصالح نسبة لا تتجاوز النصف في المائة من عدد السكان هم طبقة كبار رجال الأعمال والمستثمرين والشخصيات النافذة المرتبطة بالنظام السياسي والحزب الحاكم وأمانة السياسات التي قادها نجل مبارك.

وكثيرة تلك الشعارات الرنانة التي تغنى بها مبارك في خطبه الحماسية والجماهيرية مثل "حماية محدودي الدخل"، ودعم الطبقات الفقيرة، ومكافحة الفقر، رغم أن الأرقام الرسمية كانت تشير إلى أن ما يزيد عن ربع المصريين فقراء، وأن الملايين ينتمون إلى طبقة ذوي الفقر المدقع ويتناولون وجبات يومية غير صحية، وأن قرى الصعيد والمحافظات النائية لم تصل إليها شبكات الكهرباء والصرف الصحي ومياه الشرب والطرق.

وكثيرة تلك السياسات الاقتصادية والمالية التي كان نظام مبارك يطبقها وتتبناها حكوماته المتعاقبة على مدى 30 عاماً، وكانت نتيجتها أن الفقراء يزدادون فقراً، فيما تتراكم ثروات الأغنياء في البنوك والبورصات وأراضي الدولة التي حصلوا عليها مجانا أو بتراب الفلوس كما الحال في أراضي السادس من أكتوبر والغردقة وشرم الشيخ وشرف التفريعة وتوشكى.

كما مارس الأغنياء في عهده كل صنوف الجرائم الاقتصادية والمالية من تهرب ضريبي ورشوة وغسل أموال واتجار في المخدرات والرقيق الابيض وتهريب الأثار والسطو على الأراضي وممتلكات الدولة .

وكثيرة تك الشعارات البراقة التي رفعها نظام مبارك خلال سنوات حكمه الأخيرة بزعم مكافحة الفساد ومحاسبة المحتكرين وناهبي المال العام، فيما كانت مليارات البنوك التي سطا عليها "الجيل الجديد من رجال الأعمال" تتجه نحو مصارف سويسرا وفرنسا وعقارات لندن وألمانيا والبورصات الأميركية والملاذات الضريبية في جزء البهاما وغيرها في فترة ما قبل العام 2004، وخلال فترة حكومة عاطف عبيد التي تسببت سياساتها في حدوث خراب اقتصادي وفساد واسع ونهب للمال العام وصفقات مشبوهة .

وفيما كان نظام مبارك يتحدث في سنوات عمرة الأخيرة عن حماية أصحاب حقوق المعاشات وتحسين مستواهم المعيشي، كان وزير مالية مبارك يوسف بطرس غالي يضارب بأموال التأمينات والمعاشات في البورصة بزعم مساندتها ومنع تهاويها خاصة في أوقات الأزمات الاقتصادية، والنتيجة ضياع هذه الأموال التي كانت قيمتها تزيد عن الـ 500 مليار جنيه في ذلك الوقت.

وكثيرة تلك الكلمات التي رفعها نظام مبارك من مساندة القضية الفلسطينية والهجوم من أن لأخر على الحكومة الإسرائيلية المغتصبة، ورفعها إعلاميون محسوبون على السلطة الحاكمة من مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني ودعم قطاع غزة ، فيما كان النظام نفسه ينفذ أكبر عملية تطبيع في تاريخ البلاد ويمرر أضخم جريمة نهب بحق ثروات المصريين وهي صفقة بيع الغاز الطبيعي لحكومة الاحتلال وبرخص التراب.

وفي الخلفية من هذه الصفقة المريبة كانت الأسرة المصرية تعاني الأمرّين في الحصول على أنبوبة غاز لطهي الطعام، كما كانت شوارع القرى والنجوع وبعض المدن الكبيرة مظلمة بسبب عدم توفر الوقود والغاز لشبكات إنتاج الكهرباء.

وكثيرة تلك الشعارات التي تحدثت عن حماية المال العام وأصول الدولة وحقوق العمال في أيام حكم مبارك، فيما كان البرلمان والحكومات المتعاقبة تقر تشريعات للتفريط في تلك الأصول، وبيع شركات قطاع الأعمال العام بثمن بخس، والتفريط في مشروعات وقطاعات استراتيجية، وطرد العمالة عبر برنامج الخصخصة ونظام المعاش المبكر.

وفيما كانت حناجر نواب البرلمان في أيام حكم مبارك تصدح بالكلام عن حماية الطبقات الفقيرة، كانت طبقة رجال الأعمال الأعضاء في البرلمان الممسكين باللجان الاقتصادية المختلفة، مثل الخطة والموازنة والصناعة والاقتصاد والزراعة، تمرر التشريعات التي تحمي مصالحها الاقتصادية وتساعد في تراكم ثرواتها عبر الاستيلاء على كبريات الشركات المملوكة للدولة، وما قصة شركة "حديد الدخيلة" ببعيدة.

لن أتحدث هنا عما فعله نظام مبارك من تدمير للقطاع الزراعي خاصة محصول القطن، ولا عن تطبيق سياسة "اطفاء المصانع"، ولا عن الأدوية المسرطنة والتي جلبها وزير زراعة مبارك، يوسف والي، والتي دمرت أهم قطاع اقتصادي لمصر، ولا عن ملايين المصرين الذي افترس "فيروس سي" أكبادهم، لكن أتحدث هنا عن رئيس كانت لدية فرصة ذهبية في تحويل مصر إلى واحدة من واحدة من النمور الاقتصادية الصاعدة، لكنه لم يفعل، وهذه نقطة أخرى سنعود إليها.
المساهمون