مصر..فقدان الثقة بالمصارف ينعش "شركات الوهم"

17 مايو 2016
بدأت ظاهرة شركات توظيف الأموال أواخر السبعينيات (Getty)
+ الخط -


لا تكاد تخلو قرية أو حي في مصر، من جريمة توظيف أموال، يقع في شراكها مواطنون، أملاً في ربح وفير تروج له عصابات منظمة، عبر شركات وهمية.

تلك ظاهرة اشتدت، خلال العامين الماضيين، مع فقدان الثقة تدريجياً في الجهاز المصرفي، على اعتبار أن الفوائد التي يوفرها ضيئلة بالنظر إلى معدلات التضخم والانهيارات المتلاحقة في سعر صرف الجنيه.
وبات خبر ضبط صاحب شركة توظيف أموال، بتهمة النصب على مواطنين أمراً معتاداً، لا يثير الدهشة، ولا يتوقف أمامه سوى الضحايا أنفسهم، فلا يمر أسبوع إلا وتطالعنا الصحف المحلية بخبر القبض على متهمين أو ضحايا جدد.

وسجلت إحصاءات النيابة ومحاضر الشرطة أكثر من 10 قضايا توظيف أموال، خلال الشهر الماضي فقط في محافظة الإسكندرية، قام فيها عدد من المتهمين بالاستيلاء على أموال مئات الضحايا بعد إيهامهم بتوظيفها في شركات متخصصة.
المثير في الأمر أن تلك الجرائم لم يعد الضحية فيها المواطنون من الطبقة المتوسطة أو محدودي التعليم فقط، بل طاولت أصحاب المستوى الاجتماعي الراقي والمؤهلات العليا أيضاً، لتصبح ظاهرة اجتماعية لافتة للنظر، خاصة مع تعثر الحالة الاقتصادية للمواطنين وسوء الأوضاع المعيشية.



ولعل آخر هذه القضايا عندما استولى محامٍ في الإسكندرية وآخرون، على 20 مليون جنيه (2.25 مليون دولار) من 65 شخصاً، بزعم توظيفها في استيراد وتجارة الأخشاب والسيارات مقابل فائدة شهرية قدرها 30%، وانتظم المتهمون في دفع الفائدة لعدة أشهر ثم تهربوا وامتنعوا عن سداد الفائدة أو أصول المبالغ التي تحصلوا عليها.
كما تم ضبط موظفة بإدارة العجمي التعليمية بالإسكندرية، بتهمة النصب على مواطنين والاستيلاء على 7 ملايين جنيه منهم، بزعم توظيفها واستثمارها، بعد أن ادّعت أن لها نفوذاً وعلاقات بمسؤولين في الدولة، ورفضت رد المبالغ المستولى عليها.

كما ألقت مباحث الأموال العامة بالإسكندرية القبض على موظف في إحدى الجهات الحكومية للنصب على المواطنين والاستيلاء على أموالهم بعد إيهامهم بقدراته على توظيف أموالهم في مجال التجارة.

ضحايا النصب

على بعد أمتار قليلة من مبنى مديرية أمن الإسكندرية، جلس مواطن يدعى عماد أشرف (62 عاماً) في حالة ذهول يتصفح وجوه العشرات من الضحايا الذين تجمهروا أثناء تقديمهم بلاغات للمسؤولين، بعدما اكتشفوا أنهم ضحايا لجرايمة نصب.
وبكلمات تسبقها دموع حسرة، يروي أشرف، تجربته مع واحدة من شركات توظيف الأموال تسببت في ضياع "تحويشة العمر"، قائلاً: "استولوا على شقاء عمري الذي جمعته بالكاد بعد خروجي على المعاش، أودعت إليهم مكافأة نهاية الخدمة، أملاً في الحصول على فائدة تساهم في نفقات أسرتي".
وأضاف: "اقترح عليّ أحد الأصدقاء، استثمار أموالي في شركة يمتلكها مجموعة من الأشخاص يعملون في مجال استيراد الأدوات الكهربائية من الخارج وبيعها بأرباح كبيرة، بغرض توظيف أموالي معهم، والحصول على نسبة ربح شهرية تساعدني في الإنفاق على نفسي وزوجتي".

وتابع: "الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، فقد توقفت الشركة عن دفع الأرباح الشهرية بحجة ارتفاع سعر الدولار الذي أربك حساباتهم بشكل مؤقت، ثم اختفوا تماماً ولم أعد أجد لهم أي أثر، على الرغم من تقدم بلاغ رسمي ضدهم".




يسيطر الصمت على المشهد بعد أن توقفت أصوات المودعين الذين تجمهروا أمام مبنى مديرية الأمن، وبدأ كل منهم في التفكير في مشكلته ومصابه. وبنبرة يكسوها الحزن، تؤكد سهيلة عبده، أحد المجني عليهم في قضية توظيف أموال أخرى، أنها وضعت كل ما لديها من أموال في شركة أدوية ومستلزمات طبية بغرض توظيفها، مقابل نسبة ربح تصل إلى 30% شهرياً، لكن اختفت المجموعة التي استحوذت على مدخراتها.

ظاهرة متجددة

ويوضح الباحث الاقتصادي، الدكتور محمود شاكر، أن ظاهرة توظيف الأموال ظهرت، منذ سبعينيات القرن الماضي، مع انتشار تجارة العملات المخالفة للقانون وقتئذٍ.
ويعتبر شاكر في تصريح لـ "العربي الجديد"، الدور الذي لعبته شركات توظيف الأموال "طفيلي"، حيث يجرف رؤوس الأموال عن مساراتها القانونية، لصالح المضاربات في البورصات الخارجية وغير ذلك من الاستثمار الذي لا يفيد الاقتصاد المحلي.

أما عبدالرحمن عرفة، محامٍ عن مجموعة من ضحايا قضايا توظيف الأموال، فيقول، إن الظاهرة أصبحت تشكل خطراً حقيقيا على المجتمع، إذ لم يعد الضحية فيها المواطن البسيط فقط، بعدما سقطت فئات من طبقات متوسطة وعليا في شراك هكذا عمليات.
وقال عرفة، لـ "العربي الجديد": "كل من دخل في عمليات توظيف الأموال، لم يجنِ سوى الخيبة والخسارة، بعد تبدد أرباحه ورأس ماله هباء، فسلاح الإغراء المالي هو أفضل طُعم يلقي به النصابون لإقناع الضحايا بالكسب السريع عبر عمليات استثمار وهمية، حتى تنكشف الحقائق".

وطالب بتفعيل دور الرقابة على شركات توظيف الأموال وتبسيط إجراءات تسجيلها والترخيص لها لمعرفة ما تقوم به، بدلاً من تركها تمارس نشاطها في الخفاء، فضلاً عن بحث آليات لتشجع المواطنين على إيداع أموالهم في البنوك برفع الفائدة بدلاً من اللجوء لمثل هذه الشركات.
ويرى علاء حسب الله، المراقب الاقتصادي، أن الظروف الاقتصادية الصعبة وتراجع فرص العمل وخروج عدد كبير من العاملين والموظفين عن العمل بنظام المعاش المبكر تعتبر مناخاً مناسباً لظهور هذا النشاط الذي تحول إلى ظاهرة في الفترة الأخيرة، في ظل غياب دور الدولة في عدم توعية المواطنين.

وأكد أن استمرار مثل هذه الظاهرة، يؤكد فقدان الثقة في الجهاز المصرفي وفائدة البنوك التي لا تتناسب مع حالة التضخم وغلاء المعيشة، وهو ما يجعل المودعين ضحية للإغراءات التي يجيدها أصحاب شركات توظيف الأموال، والتي تبدأ بمضاعفة العائد والذي قد يتجاوز أحيانا 30% شهرياً.
ويرى أستاذ الاقتصاد بجامعة الإسكندرية، سعيد عبدالعزيز، أن أحد الأسباب القوية لإقبال المواطنين على شركات توظيف الأموال هو تقصير الحكومة والدولة وعدم قيامها بالتثقيف المالي والتجاري لأصحاب المدخرات وتوعيتهم.

وأضاف لـ "العربي الجديد"، أن مما يعزز وجود شركات توظيف الأموال، عدم ثقة المواطنين في الحكومة، خاصة بعد التذبذبات غير المنطقية في سوق المال وأسعار العملات الأجنبية، فضلاً عن عدم وجود مشروعات اقتصادية واستثمارية تعود على المجتمع بشكل مباشر، وهو ما يتسبب في خسارة اقتصادية فادحة وضياع لأموال فئات كادحة بخلاف الخسارة النفسية والاجتماعية التي يتعرضون لها.



دلالات
المساهمون