بينما تنشغل دول العالم بالإعداد لفتح اقتصاداتها بعد شهور من الإغلاق والعزل الاجتماعي بسبب جائحة كورونا، تُعدّ الصين لطرح عملة رقمية جديدة للدفع الإلكتروني لمنافسة الدولار.
والعملة الجديدة التي شرع بنك الشعب الصيني "البنك المركزي الصيني"، في إطلاقها، ضمن خطوات تجريبية، هي "اليوان الرقمي" للدفع الإلكتروني.
واستخدم المركزي الصيني "تقنية البلوكتشين" في التأسيس للعملة الجديدة التي بدأ أولى تجارب استخدامها في شهر إبريل/ نيسان الماضي.
وشملت التجارب الأولى التي أجراها البنك المركزي الصيني استخدام "اليوان الرقمي" للدفع الإلكتروني في المصارف التجارية الكبرى بالصين، وكذا في ثلاث شركات اتصالات محلية وثلاث سلاسل مطاعم أميركية في المقاطعات الصينية، وهي مطاعم ماكدونالدز ومقاهي ستاربكس ومطاعم " صب واي".
وتأمل الحكومة الصينية استخدام " اليوان الرقمي" بشكل مكثف كوسيلة للدفع الإلكتروني حينما تقام العاب الأولمبياد في بكين عام 2022. وقد تكون فرصة اليوان الرقمي كبيرة داخل الصين، ولكن في الخارج قد تواجه عقبات شبيهة بعقبات مشاريع مبادرة "الحزام والطريق" التي تحاربها الولايات المتحدة بقوة.
وحول مستقبل اليوان الرقمي، قالت الباحثة في مركز" كيندي سكول" التابع لجامعة هارفارد الأميركية، شيرلي يو، إن الحكومة الصينية استخدمت "اليوان الرقمي" لتسديد كلفة السفريات لنصف موظفي الحكومة في شهر مايو/ أيار الماضي.
وتستغل الحكومة الصينية على الصعيد المحلي جائحة كورونا الحالية ومخاوف انتشار الفيروس عبر لمس النقود في إطلاق "اليوان الرقمي" وربما فرض استخدامه بشكل واسع في المستقبل.
وهذه مبررات مقبولة من الناحية الصحية، ولكنها قد لا تكون مقبولة بالنسبة إلى الأثرياء في الصين، إذ إن الدفع الإلكتروني سيضع صفقاتهم التجارية وتحويلاتهم المالية تحت الرقابة المباشرة للأجهزة الأمنية في الصين. ومعروف أن الحكومة الصينية تتخوف من هجرة الأثرياء وتحويل ثرواتهم إلى المراكز الغربية تحت وطأة الحرب الشرسة التي تخوضها مع الولايات المتحدة.
وحسب رئيس استراتيجية النمو في شركة "زيليكا" الأميركية المتخصصة في تقنيات "بلوكتشين"، كينيث بوك، فإن نحو 96% من سكان الصين يستخدمون الدفع الإلكتروني في تسديد مشترياتهم من المتاجر ودفع الفواتير.
والصين الدولة الأولى عالمياً من حيث استخدام الدفع الإلكتروني في تسوية حسابات المشتريات عبر الهواتف النقالة.
من هذا المنطلق، يأمل البنك المركزي الصيني أن يستخدم نحو 790 مليون شخص "اليوان الرقمي" كوسيلة للدفع عبر الهواتف النقالة. وحسب البيانات الرسمية الصينية، أجرى المستهلكون في الصين نحو 60.5 مليار صفقة عبر الدفع بالهواتف النقالة بلغت قيمتها 277.4 ترليون يوان، (نحو 39 ترليون دولار) خلال عام 2018.
وبالتالي ربما تكون فرصة نجاح العملة الرقمية الجديدة كبيرة، ولكن على الصعيد الدولي، قد ستواجه بكين صعوبات في تسويق "اليوان الرقمي" كما حدث بالنسبة إليها في محاولات تسويق اليوان خلال السنوات الماضية.
وتسعى الصين منذ عقدين إلى تدويل اليوان كعملة منافسة للدولار، ضمن استراتيجية الهيمنة التي تنفذها منذ سنوات لإزاحة الولايات المتحدة من مركز الصدارة المالية النقدية والسياسية والتجارية، حتى تتمكن من فرض "نظام عالمي جديد" لا يخضع للهيمنة الأميركية.
وسعت الصين خلال السنوات الماضية إلى استخدام اليوان في تمويل مشاريع مبادرة "الحزام والطريق" التي نفذتها في أكثر من 30 دولة من دول العالم النامي في آسيا وأفريقيا ودول أميركا الجنوبية.
كذلك فرضت استخدام اليوان في القروض التي منحتها للدول الناشئة والفقيرة. لكن حسب بنك التسويات الدولية، فشلت بكين حتى العام الماضي في تدويل اليوان، إذ لا تزال حصته منخفضة في سوق صرف العملات العالمي، وكذلك في احتياطات البنوك المركزية العالمية.
وتقلّ حصة اليوان في سوق الصرف العالمي كثيراً عن عملات دول صغيرة مثل سويسرا وأستراليا، إذ إن حصته تعادل 25% من حصة الين الياباني وأقل كثيراً من الفرنك السويسري والدولار الأسترالي. وبالتالي، هنالك مسافة شاسعة تفصل بين العملة الصينية والدولار الأميركي.
ويرى محللون أن من الصعوبة لليوان اللحاق بالدولار واستخداماته في الرصيد الأجنبي والبنوك المركزية وبسوق الصرف العالمي وفي التسويات التجارية.
وحسب خبراء، فإن قوة الصادرات الصينية وحجم التجارة الضخم لبكين لم يترجما بعد في قوة اليوان. ويفسر خبراء في سوق الصرف ضعف تداول العملة الصينية عالمياً، بسبب القيود على حركة رأس المال التي تفرضها الحكومة الصينية ومحدودية استخدامه في صفقات الشراء والبيع في أسواق المال العالمية.
ويتأرجح سعر صرف اليوان في مصارف الأفشور، وينظر له من قبل تجار العملات كمؤشر على مسار العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، حيث يتعرض عادة لعمليات بيع كثيفة وتنخفض قيمته حينما يتزايد التوتر ويعود إلى مستويات التعامل العادي حينما يحدث الاتفاق أو التقارب في النزاعات التجارية.
ومن المتوقع أن يقود إطلاق "اليوان الرقمي" إلى هبوط سعر العملات الرقمية، إذ تقود الحكومة الصينية حملة شرسة على تجار العملات الرقمية بحجة أنهم يتعاملون في غسل الأموال، واعتقلت آلاف الأفراد خلال الشهور الأخيرة.
وهي حملة يرى خبراء أنها موجهة لخدمة انتشاراستخدام اليوان الرقمي وحرمان العملات الرقمية مثل بتكوين وايثيريوم من منافسته في السوق الرقمي. ويلاحظ أن بتكوين تراجعت خلال الشهر الجاري إلى أقل من 10 آلاف دولار.
ومن المتوقع أن تستخدم الصين سياحها خلال العام الجاري في ترويج "اليوان الرقمي"، إذ إن العديد من الدول النامية بحاجة إلى عملات صعبة تحت وطاة الضغوط المالية التي تسببها جائحة كورونا.
وضمن استراتيجية تدويل اليوان قالت مصادر مصرفية غربية، إن الصين نفذت صفقات واسعة لشراء الذهب خلال الأعوام الأخيرة، ووقعت صفقات تبادل للعملات مع العديد من شركاء التجارة.
وتزامنت مشتريات بكين من الذهب خلال العام الجاري مع تسييل الحكومة الصينية جزءاً من الموجودات التي تملكها في سندات الخزانة الأميركية.
وتتخوف الحكومة الصينية من اتخاذ واشنطن لخطوات حظر مالي خلال السنوات المقبلة، خاصة في حال إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب.
وينظر محللون لاطلاق اليوان الرقمي على أساس أنه خطوة استباقية لأية خطوات قد تتخذها إدارة الرئيس ترامب ضد بكين قد تحد من نفاذ الصين للنظام المالي العالمي وسط التوتر التجاري والتقني والسياسي الجاري بينهما. وكانت الإدارة الأميركية قد أعلنت في السابق أن الحكومة الصينية تتلاعب بعملتها اليوان.