الجزائر تؤجل رفع الدعم تجنباً لاستفزاز الشارع قبل الانتخابات الرئاسية

30 اغسطس 2018
المواطنون يعانون من ارتفاع الأسعار (بلال بن سالم/ Getty)
+ الخط -

أجّلت السلطات الجزائرية رسمياً رفع الدعم إلى ما بعد سنة 2019، حسب ما جاءت به وثيقة الموازنة العامة الجديدة، لتطوي بذلك الحكومة الجزائرية الجدل الذي أثير في البلد طيلة الأشهر الستة الماضية، عقب التصريحات التي أدلى بها وزير المالية عبدالرحمن راوية بشأن مراجعة سياسة الدعم بداية من العام المقبل وزيادة أسعار الوقود والطاقة.

وحسب ما حملته النسخة الأولية من قانون الموازنة العامة لعام 2019 الذي صادقت عليه الحكومة الجزائرية هذا الأسبوع، فقد قررت للمرة الثانية على التوالي زيادة ميزانية الدعم بنسبة 0.7%، وبلغت قيمة التحويلات الاجتماعية المقررة في موازنة العام المقبل 1772 مليار دينار (16 مليار دولار)، ما يمثّل 8.2 % من الناتج الداخلي الخام، مقابل غلاف مالي يقدر بـ 1760 مليار دينار للتحويلات الاجتماعية لسنة 2018. وقامت حكومة أحمد أويحيى بتخصيص أكثر من 64% من ميزانية الدعم، لفائدة العائلات والسكن والصحة.

وتصرّ الحكومة على إبقاء ميزانية الدعم في مستويات مرتفعة، على الرغم من مرور البلاد بأزمة مالية حادة خلّفها تهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية، في وقت لا تزال تبحث فيه الجزائر عن طريقة سلسة للانتقال من الدعم العام للأسعار والخدمات إلى الدعم الموجه الذي يمسّ الفئات الهشة من المجتمع.
ويبدو من هذه الخطوة أن الحكومة تُريد تهيئة الظروف، خاصة على الصعيد الاجتماعي، قبيل الانتخابات الرئاسية المقررة في إبريل/ نيسان 2019، وتأجيل مراجعة نظام الدعم.

وفي قراءة له بشأن توجه الحكومة إلى رفع ميزانية الدعم رغم مرور البلاد بأزمة اقتصادية حادة، قال الخبير الاقتصادي فرحات علي، لـ"العربي الجديد"، إن "بصمة حسابات الانتخابات الرئاسية ظهرت في قانون الموازنة العامة للسنة المقبلة، حيث راجعت الحكومة حساباتها بداية بتأجيل قرار مراجعة سياسة الدعم، بعدما كان من المقرر العمل بها خلال أشهر قليلة".

وأضاف المتحدث أن "هذا الإجراء يراد به تمهيد الطريق أمام الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، في حال أراد الذهاب نحو عهدة رئاسية خامسة أو تمهيد الطريق لخليفته الذي سيكون مرشح السلطة والجيش بطبيعة الحال".

واعتبر الخبير الاقتصادي أن "زيادة ميزانية الدعم في ظروف اقتصادية صعبة له خلفيات سياسية أكثر منها اجتماعية أو اقتصادية، فمنذ بداية السنة والحكومة تتحدّث عن إلغاء دعم أسعار الطاقة السنة المقبلة لأسباب اقتصادية معروفة للجميع، لكنها اليوم تتراجع رغم أن الأسباب التي قدمتها لا تزال قائمة".

وكان رئيس الحكومة قد كشف في إبريل/ نيسان الماضي أن "الحكومة شكّلت ورشتين، الأولى على مستوى وزارة المالية بمشاركة خبراء من صندوق النقد الدولي، والثانية على مستوى وزارة الداخلية التي تمتلك قاعدة بيانات"، تساعدها على وضع "إحصاء اقتصادي لجميع الجزائريين".
وأضاف رئيس الحكومة أن "التحول من الدعم العام المعتمد الآن إلى الموجّه لن يكون هذه السنة، بل في النصف الثاني من السنة المقبلة، على أن تصل الجزائر إلى نموذج كامل الأركان في مطلع 2022".

واللافت أيضاً في النسخة الأولى من الموازنة العامة للجزائر للسنة المقبلة هو تراجع الحكومة عن فرض رسوم جديدة أو ضرائب، أو زيادة أسعار الطاقة، كما حدث في السنوات الثلاث الأخيرة مع الوقود التي سجلت فيها أسعار 3 زيادات متتالية، ورفع للرسم على القيمة المضافة وفرض ضريبة الاستهلاك الداخلي على العديد من السلع، في خطوة تؤكد حرص الحكومة الجزائرية على عدم "استفزاز" الشارع الجزائري قبل الانتخابات الرئاسية.

وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي جمال نور الدين لـ "العربي الجديد" إن "الكل كان ينتظر رفع أسعار الطاقة مجددا، خاصة أن الحكومة كانت مصرّة على تحرير أسعار الوقود، كما أن هذه الموازنة تعدّ الأولى التي يعدها رئيس الحكومة المعروف عنه ميوله للحلول التي تكون فيها جيوب المواطن هي الأقرب، لكن الظاهر أن الدائرة الضيقة الحاكمة لا تُريد أي مغامرة قبل الانتخابات الرئاسية التي يسبقها غموض، بالإضافة إلى عدم حدوث إجماع في أعلى هرم السلطة على عهدة رئاسية خامسة لبوتفليقة".

وأضاف نور الدين أن "تأجيل الحكومة لرفع الأسعار السنة المقبلة، على الرغم من وضعها تقديرات متشائمة السنة المقبلة، يؤكد حرص الحكومة على تعبيد الطريق للرئيس المقبل بغض النظر عن اسمه".

وتوقعت الحكومة الجزائرية في إعداد موازنة السنة المقبلة، انخفاض عائدات النفط الى 33.2 مليار دولار، بانخفاض قدره 1% مع نهاية عام 2019 عن السنة الحالية، كما تتوقع الحكومة أن تصل واردات السلع إلى 44 مليار دولار، بزيادة طفيفة عن التوقعات للسنة الحالية التي بلغت 41 مليار دولار.

كذلك توقعت الحكومة الجزائرية تهاوي احتياطي البلاد من العملة الصعبة إلى 64 مليار دولار في نهاية 2019، مقابل 85 مليار دولار عند نهاية السنة الحالية، أي بتراجع يقدّر بـ21 مليار دولار.
ويعيش الاقتصاد الجزائري أزمات متواصلة منذ بدء تراجع أسعار النفط في منتصف عام 2014، وارتفعت حدة المشكلات أخيراً مع زيادة الأسعار في مقابل تراجع القدرة الشرائية للمواطنين.

ولمواجهة تراجع عائدات النفط، قرّرت الحكومة اعتماد آلية التمويل غير التقليدي بداية من السنة الحالية، سيسمح للخزينة العامة باقتراض 11 مليار دولار سنويا حتى 2022، وهو الإجراء الذي سيدفع المركزي الجزائري إلى طبع 570 مليار دينار (55 مليار دولار).
المساهمون