المؤسسات المالية الدولية تزيد ضغوطها على مصر لرفع سعر الوقود

27 ديسمبر 2018
المصريون يترقبون زيادة جديدة لأسعار الوقود (فرانس برس)
+ الخط -


تصاعدت الخلافات بين مصر والمؤسسات المالية الدولية خلال الفترة الأخيرة، إذ لم يعد الأمر مقتصراً على الخلافات في مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي، بل امتدت لتصل إلى البنك الدولي الذي وضع عدة شروط لمنح القاهرة قرضا بمليار دولار، منها رفع أسعار الوقود.

وطاولت التداعيات المترتبة على الضغوط المتصاعدة للمؤسسات الدولية على تكلفة التأمين على الديون السيادية المصرية التي قفزت إلى مستويات عالية في ظل مخاوف تأجيل القروض.

وكان صندوق النقد الدولي طالب، مؤخراً، مصر بتنفيذ تعهدات قطعتها على نفسها بتحرير سعر الوقود حسب الاتفاقات السابقة لمنح البلاد الشريحة الخامسة من القرض المتفق عليه مسبقاً.

ونقلت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية عن مسؤول حكومي رفيع تأكيده أن مصر تتوقع أن تتسلم الشريحة الخامسة من قرض صندوق النقد الدولي البالغ 12 مليار دولار في يناير/كانون الثاني، أي بعد شهر من الموعد المقرر، إثر تأخير في المحادثات بشأن بعض بنود ما يعتبره الطرفان "برنامجاً إصلاحياً" مُتفقاً عليه.

المسؤول الحكومي كشف أن أهم نقطة خلافية تكمن في توقيت إعلان آلية لتسعير المحروقات تربط أسعار الوقود المحلية بتحركات الخام العالمية، وهي خطوة أصر عليها صندوق النقد باعتبارها أساسية لخطط خفض التكاليف الحكومية.

وفي المقابل، نفى صندوق النقد الدولي ما أثير عن تأجيل التصويت على المراجعة الرابعة للقرض المصري، التي كان مقرراً لها يوم الأربعاء الماضي، مؤكداً أن الأمر ليس إلا "مشكلة فنية" في النتيجة الخاصة بالصندوق، تسببت في الإعلان بالخطأ عن موعد التصويت.

وقالت رندة النجار، من المكتب الإعلامي بصندوق النقد الدولي، في تصريحات لـ"العربي الجديد" إن الأمر تم توضيحه في المؤتمر الصحافي الذي عقده غاري رايس، مدير التواصل الاعلامي بالصندوق قبل أسبوعين، والذي أكد فيه أن التصويت على المراجعة الرابعة للقرض المصري لم يكن مقرراً مناقشته في الاجتماع المشار إليه، وأنه تواجد على جدول الأعمال بالخطأ، بسبب عطل فني.

وفي مؤتمر صحافي في الثالث عشر من ديسمبر / كانون الأول الجاري، ورداً على سؤال عما إذا كان صندوق النقد قد أجل التصويت على أحدث مراجعات القرض المصري، وإلى أي موعد تم التأجيل، قال رايس: "مازلنا نستكمل بعض النقاط مع السلطات المصرية فيما يخص موعد العرض على مجلس الإدارة. وسنقوم بالإعلان عن التاريخ المحدد للعرض في الوقت المناسب، وسنعمل على إتمام ذلك بطريقة سليمة".

وكرر رايس اعتذاره عن ظهور موضوع القرض المصري في جدول أعمال المجلس التنفيذي للصندوق على نتيجة المواعيد، على خلاف الحقيقة، بسبب عطل فني.

وكانت بعض المواقع المصرية قد نقلت عن مصادر حكومية مصرية أن الحكومة تسعى لتأجيل تنفيذ بعض الاشتراطات التي التزمت بها مصر مع الصندوق وقت توقيع اتفاق حصول مصر على قرض الاثني عشر مليار دولار في عام 2016.

وأكدت المصادر، وفقاً لموقع جريدة البورصة، أن أهم تلك الاشتراطات كان التزام الحكومة المصرية بإيجاد آلية تسعير للمواد البترولية، تربط سعر الوقود المباع للمواطن المصري بسعره العالمي، وهو ما لم تفلح الحكومة المصرية في إتمامه حتى الآن.

وعلى الرغم من تأكيد الصندوق أن التصويت على القرض المصري لم يكن مطروحاً، إلا أن الثابت أن اتصالاً هاتفياً قد تم بين رئيس الصندوق، كريستين لاغارد، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم الجمعة الماضي، أي بعد انقضاء موعد الاجتماع بيومين، ولم نعرف تفاصيل شافية لما تم تناوله خلال المكالمة.

ورفضت النجار الإجابة عن أسئلة "العربي الجديد" التي دارت حول خطة الحكومة المصرية لإلغاء دعم أسعار الوقود، أو إذا ما كانت هناك تحفظات لدى الصندوق بسبب زيادة اقتراض الحكومة المصرية الداخلي والخارجي، أو موقف الصندوق من تدخل البنك المركزي المصري لدعم سعر الجنيه مقابل الدولار، وكل هذه النقاط لها ارتباط مباشر بتعهدات مصر للصندوق.

وقالت النجار "بعيداً عما ذكر في المؤتمر الصحفي، لا يوجد لدي أي تعليقات".

وفي أكتوبر / تشرين الأول الماضي، نشر الصندوق على موقعه على شبكة الإنترنت ما خلص إليه فريقه الذي قام بالمراجعة الرابعة للتسهيل الذي يقدمه الصندوق للحكومة المصرية، وهي المراجعة التي سيتم عرضها على مجلس إدارة الصندوق، وجاء فيها أن الحكومة المصرية ملتزمة بإصلاح دعم الطاقة وزيادة الإيرادات، من أجل إتاحة الموارد للاستثمار في شبكة أمان اجتماعي محددة الأهداف، وفي التنمية البشرية، بما تعنيه من اهتمام بالصحة والتعليم والبنية التحتية.

وفي أعقاب المراجعة الثالثة، جاء في تقرير صندوق النقد الدولي في يوليو / تموز الماضي أنه "على الرغم من الزيادات الكبيرة منذ بداية البرنامج، لا تزال أسعار منتجات الوقود في مصر من بين أدنى المعدلات في العالم، وهو ما يفيد الأثرياء بصورة تفوق افادته للفقراء".

وأوضح الصندوق أن الحكومة رفعت أسعار الوقود في يونيو / حزيران من عام 2018 بنسبة 44% إضافية في المتوسط، مما رفع نسبة السعر إلى التكلفة قبل الضرائب إلى حوالي73 % للبنزين والديزل والكيروسين وزيت الوقود.

وأكد الصندوق وقتها أنه تقرر رفع سعر الوقود مرتين إضافيتين، وصولاً إلى إلغاء تام للدعم بحلول نهاية العام المالي الحالي في يونيو / حزيران 2019.

وفي نفس التقرير، أكد الصندوق أن "رئيس الوزراء المصري وافق على آلية لضبط أسعار معظم منتجات الوقود"، وقال إن اتفاقاً قد تم لبدء العمل بها بنهاية ديسمبر / كانون الأول 2018.

وأوضح الصندوق أن الآلية ستقوم بتعديل أسعار الوقود وفقاً للتغيرات في أسعار النفط العالمية، وسعر الصرف، وحصة الوقود المستورد في الاستهلاك المحلي.

وعلى الرغم من عدم إعلان الحكومة المصرية نيتها العمل بتلك الآلية حتى أمس، أي قبل موعد التطبيق المتفق عليه بأربعة أيام فقط، إلا أن مسؤولاً كبيراً في الصندوق أكد لـ"العربي الجديد" أنه ربما يكون هناك بعض التعديلات مع الحكومة المصرية، "لكنها بالتأكيد لن تؤدي إلى تعطيل صرف الدفعات الخامسة من القرض، ولا حتى تأجيلها لفترات طويلة".

وأدى تأجيل شريحة القرض إلى قفزة في تكلفة التأمين على الديون السيادية لأعلى مستوى في 17 شهرا، وفقا لما أظهرته بيانات وكالة بلومبيرغ، والتي أشارت إلى ارتفاع تكلفة التأمين على الديون السيادية لمدة خمس سنوات إلى 391 نقطة أساس خلال تداولات نهاية الأسبوع الماضي وهو أعلى مستوى لها منذ يوليو/ تموز 2017 بزيادة 75 نقطة أساس عن مستويات بداية العام.
المساهمون