السعودية تستعد لمرحلة ما بعد النفط الرخيص بـ"التحول الوطني"

14 ابريل 2016
السعودية تسعى إلى تنويع اقتصادها (Getty)
+ الخط -

في أواخر فبراير/شباط الماضي، اجتمع بضع مئات من المسؤولين السعوديين ومسؤولي الشركات والاستشاريين الأجانب في أحد فنادق الرياض الفاخرة لقدح زناد الفكر حول السبل التي تتيح للاقتصاد السعودي اجتياز تحديات عصر النفط الرخيص.

وقال مدير إحدى الشركات، الذين شاركوا في الاجتماع، إن مسؤولين من نحو 30 جهة حكومية سعودية ناقشوا التحديات الخاصة بمؤسساتهم عبر مراكز عمل مصغرة.

وأضاف أن مديري الشركات لقوا تشجيعاً "للتفكير في سبل بناء شراكات لتلبية تلك الاحتياجات ولطرح آرائهم وللتقدم بالشكاوى وللتخطيط لمشاريع أو حتى اجتماعات مستقبلية".

وتابع: "كان هناك الكثير من المناقشات الحماسية".

كانت ورشة العمل هذه ضمن سلسلة اجتماعات عقدت على مدى الأشهر القليلة المنصرمة في ظل سعي المملكة إلى رسم ملامح خطة إعادة هيكلة الاقتصاد كي لا يظل معتمداً بصورة شبه حصرية على النفط.

ومن المتوقع أن تكشف المملكة النقاب عن البرنامج الذي يحمل اسم "خطة التحول الوطني 2020" خلال الأسابيع المقبلة، لكن لم يتم بعد الإعلان عن موعد محدد.

في ظل الحساسية السياسية لتلك الإصلاحات، فإن الكثير منها لا يزال محاطاً بجو من السرية. وامتنعت الوزارات في المملكة عن مناقشة تفاصيل الخطة، كما امتنعت شركات الاستشارات الأجنبية عن تأكيد مشاركتها في رسم ملامح الخطة والحديث عن تفاصيلها.

وساعدت نقاشات خاصة مع مسؤولين واستشاريين وتنفيذيين في التوصل للملامح العريضة للخطة الخمسية الطموح، التي بدا أنها تنطوي على بعض المخاطر قد تجعل تنفيذها عملية صعبة.

وتشمل الخطة عمليات بيع أصول وفرض ضرائب وخفضاً للإنفاق، وتغييراً لطريقة إدارة الدولة للاحتياطيات المالية، وتوجهاً لتعزيز الكفاءة والفعالية، ودوراً أكبر لمشاركة القطاع الخاص في التنمية.

وجرى الحديث عن الكثير من هذه الإصلاحات فيما مضى، لكنها توقفت عند كونها مجرد أفكار لم تدخل بعد حيز التنفيذ الجاد.

بيد أن أحد الأسباب التي تعزز الاعتقاد بأن هذه المرة قد يكون الأمر مختلفاً هو انتقال عملية وضع السياسات في العام الماضي من المراكز التقليدية والمتحفظة لصنع القرار مثل وزارة المالية والبنك المركزي.

وتتركز سلطة اتخاذ القرارات الاقتصادية في الوقت الراهن في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الذي يضم 22 عضواً، وشكله العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، في أعقاب توليه عرش البلاد في يناير/كانون الثاني 2015.

ويرأس المجلس الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد، البالغ من العمر نحو ثلاثين عاماً. وأشرف الأمير، بصفته وزير الدفاع، على التدخل العسكري للمملكة في اليمن في مارس/آذار 2015، والآن يعمل على إعادة رسم السياسة الاقتصادية للمملكة وتغييرها بشكل جذري.

يقول محمد العفيف، وهو مصرفي يدير الآن شركة "كاش سوليوشنز" للخدمات المالية: "منذ تأسيس المملكة: لم يكن هناك خطة تقودها الحكومة تنطوي على هذا القدر من الابتكار".

استشاريون وواتساب

يقول المطلعون على خطة التحول الوطني إنها ولدت نهاية العام الماضي خلال مباحثات للأمير محمد بن سلمان مع مجموعة من كبار المسؤولين.

في ذلك الوقت، كان النفط قد هبط دون 30 دولاراً للبرميل، وهو سعر أقل بمقدار النصف عن المستوى الأدنى المتوقع، بحسب ما قاله مصدر سعودي. ودفع هبوط أسعار النفط المملكة لتسجيل عجز في الموازنة يقارب 100 مليار دولار، وهو ما عزز الحاجة لتنفيذ إصلاحات جذرية.

وبينما يرجع القرار النهائي للأمير محمد بن سلمان، إلا أنه اختار عادل فقيه، وزير الاقتصاد والتخطيط، للمساعدة في إعداد التفاصيل.

وعرف عن فقيه أنه رجل المهام الصعبة منذ توليه وزارة العمل خلال الفترة بين عامي 2010 و2015، والتي تمكن خلالها من التغلب على معارضة قطاع الأعمال ودفع بسياسات ألزمت الشركات بتعيين عدد أقل من الأجانب وعدد أكبر من السعوديين.

ويقول مشاركون في الإصلاحات الجديدة إن فقيه البالغ من العمر 57 عاماً يستخدم تطبيق "واتساب" بصورة كبيرة حتى الساعات الأولى من الصباح، حيث تجري من خلاله مناقشة خطط الإصلاحات مع عشرات المجموعات التي تضم مئات المختصين.

كما تنفق الرياض عشرات الملايين من الدولارات على شركات الاستشارات للمساعدة في وضع إطار خطة التحول الوطني.

كانت سورس غلوبال ريسيرش للاستشارات قدرت، في مارس/آذار الماضي، أن إجمالي الإنفاق السعودي على الخدمات الاستشارية، التي يطلب معظمها الحكومة أو هيئات مرتبطة بالحكومة، زاد بأكثر من 10% في 2015 بعد أن ناهز 1.06 مليار دولار في 2014.


وعكف استشاريون على العمل مع مسؤولين بالوزارات، معظمهم من السعوديين الحاصلين على شهادات من جامعات أجنبية، داخل فندق الخزامى في وسط الرياض، من أجل دراسة إطلاق وتنفيذ الإصلاحات في ما يربو على 40 مجموعة عمل.

وشملت الخطط عدداً من الأهداف مثل "مؤشرات الأداء الرئيسية"، التي ستلزم الوزارات بتحقيق أهداف ملموسة فيما يخص الإصلاحات والموازنة، وذلك بحسب وثائق لبعض تلك الخطط.

نماذج

يقول المطلعون على الخطة إن أحد النماذج الملهمة للخطة كانت نموذج دولة الإمارات المجاورة التي تبنت إصلاحات جذرية شملت خفض دعم البنزين العام الماضي.

النموذج الآخر هو ماليزيا التي أطلقت إصلاحات في 2010 بهدف تنويع اقتصادها بعيداً عن تصدير السلع ولجذب المزيد من المستثمرين الأجانب. ولعبت شركة الاستشارات "ماكينزي آند كو" دوراً هاماً في الخطة الماليزية، والآن هي في مركز الجهود السعودية.

وتتشابه خطة التحول الوطني السعودية مع البرنامج الماليزي في ثلاثة محاور، إذ أن هناك هيئة واحدة منوطة بتنفيذ البرنامج لضمان تحقيق أفضل قدر من التعاون بين الوزارات، كما أنها تسعى إلى مشاركة القطاع الخاص واستبيان آرائه وتهدف لتعزيز نصيب القطاع الخاص من الاستثمارات، وهو أمر يعتبره صانعو القرار السعوديون شديد الأهمية في ظل هبوط إيرادات النفط.

وتريد الرياض من القطاع الخاص تطوير مرافق سياحية على بعض الجزر الخاصة بها وتخطط لبناء "مناطق حرة" بأقل قدر من الإجراءات الروتينية بالقرب من المطارات، كما تسعى لجذب استثمارات القطاع الخاص في المدارس.

وسيجري طرح مشاريع جديدة في مجال البنية الأساسية مثل تشييد الطرق والموانئ عبر عقود البناء والتشغيل ونقل الملكية (بي.أو.تي)، والتي تقوم من خلالها الشركات الخاصة بتمويل المشاريع وتشغيلها من أجل استعادة مبالغ الاستثمارات وتحقيق أرباح.

ويقول اقتصادي سعودي ممن حضروا أحد ورش العمل إن "الحكومة لن تتحمل أي مخاطر بعد الآن، لكنها ستقوم فقط بتوفير الفرص".

ومن شأن خطة التحول الوطني أن تسرع من الوتيرة البطيئة لبرنامج الخصخصة. وبحسب تصريحات للأمير محمد بن سلمان من المقرر طرح ما يصل إلى 5% من عملاق النفط السعودي أرامكو في اكتتاب عام، وهو ما قد يدر عشرات المليارات من الدولارات.

كما تتضمن الخطة طرح شركات في 18 قطاعاً للخصخصة بهدف رفع تنافسيتها، وتشمل شركات في قطاعات الرعاية الصحية والتعدين والنقل والتعليم.

كما ستنتهج الحكومة مساراً أكثر نشاطاً في إدارة الاحتياطيات المالية للبلاد، وذلك بحسب مسؤولين واستشاريين مطلعين على الأمر.

ويحوز البنك المركزي، الذي يعمل بمثابة صندوق الثروة السيادي للمملكة، 584 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية معظمها في استثمارات متحفظة كالودائع المصرفية وسندات الخزانة الأميركية.

وبحسب الإصلاحات، من المقرر اسستثمار عوائد الخصخصة في أصول شركات حول العالم بهدف تعزيز الدخل وامتلاك التكنولوجيا والخبرة العالمية.

وقالت المصادر إن مسؤولين سعوديين قاموا بزيارات لجهاز أبوظبي للاستثمار، الذي يستثمر ما يزيد على 700 مليار دولار في الأسواق الناشئة والمتطورة بقطاعات من بينها الأسهم والدخل الثابت والاستثمار الخاص والعقارات والبنية الأساسية.


وكان الأمير محمد بن سلمان قال لوكالة "بلومبرغ"، الشهر الماضي، إن من المقرر توسعة نشاط صندوق الاستثمارات العامة السعودي ليسيطر في نهاية المطاف على تريليوني دولار

موعد نهائي

يقوم كبار المسؤولين حالياً بمراجعة المقترحات التي كان من المقرر أن تقدمها كافة الوزارات المعنية في موعد أقصاه 31 مارس/آذار الماضي، حسبما أفاد مصدران مطلعان.

ويقول دبلوماسي غربي يعمل في المجال الاقتصادي إن "الجميع ينتظر الإعلان عن خطة التحول الوطني لمعرفة كيف ستسير الأمور في المستقبل".

لكن هناك من تساورهم الشكوك. إذ يقول البعض إن الإعلان عن خطة التحول الوطني يأتي بعد فوات الأوان، فيما يقول آخرون إن سوق المال المحلية أصغر من أن تستوعب برنامج خصخصة نشط، وإنه لا مفر من جذب الأموال الأجنبية في وقت يساور المستثمرون فيه القلق بشأن المستقبل في المملكة ودول الخليج عامة في ظل استمرار هبوط أسعار النفط.

وقد يتطلب القضاء على عجز الموازنة بحلول عام 2020 خفضاً إضافياً للإنفاق بقيمة 100 مليار دولار وزيادة في الضرائب والرسوم، وهو ما سيشكل عبئاً كبيراً على الاقتصاد قد يعادل نحو 16% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد يعوق ذلك فرص النمو والاستثمارات الخاصة التي تسعى خطة التحول الوطني لجذبها.

ويقول آخرون إن بعض الإصلاحات قد تبدو مبهرة ولافتة للأنظار، لكنها قد تنطوي على القليل من التغيير الحقيقي. فعلى سبيل المثال، كي يبلغ صندوق الاستثمارات العامة الحجم الكبير المستهدف سيتم ذلك عبر الاستحواذ على أصول في شركات مثل أرامكو السعودية، لكنه لن يكون قادراً على إعادة استثمار تلك الثروات إذا لم يقم ببيع جزء كبير من الشركة، وهو أمر سيكون صعباً لأسباب مالية وسياسية.

كما أن هناك المصائر المختلفة للنماذج الاقتصادية، التي تستلهمها خطة التحول الوطني. فعلى سبيل المثال، تمكنت ماليزيا من زيادة نصيب القطاع الخاص من الاستثمارات بصورة كبيرة ليصل إلى 64% في 2014 من 52% في 2009، لكن عملتها هبطت مع هبوط أسعار السلع الأولية، وهو أمر تريد الرياض أن تتجنبه.

ويقول الاقتصادي السعودي البارز، إحسان بو حليقة، إن "معظم برامج التحول الاقتصادي في بلدان عدة لم تنجح أو حادت كثيراً عن خططها الأصلية".

ويضيف: "لا نتحدث هنا عن مشروع صغير. خطة التحول الوطني توفر فرصة هائلة، وليس أمامنا خيار سوى أن نركض في الاتجاه الصحيح".

كما أن الكثيرين تحدثوا عن الدور الذي يقوم به الاستشاريون الأجانب، الذين يتقاضون رواتب كبيرة.

ويقول استشاري أجنبي لإحدى الوزارات: "هناك شبان في الثلاثين من العمر يحملون أجهزة اللابتوب ويساعدون في تحديد مسار البلاد".

ويضيف: "فرص التغيير زادت بالفعل: لكن زادت معها المخاطر".

وأحد الأسئلة التي تدور حول خطة التحول الوطني هو ما إذا كانت ستصحبها بعض التغيرات الاجتماعية التي يعتقد الكثير من المسؤولين بالشركات الأجنبية أنها ضرورية لتحديث الاقتصاد السعودي كالسماح للمرأة بالقيادة على سبيل المثال، أو بإدخال إصلاحات على النظام القضائي المحافظ بشدة.

ويعتقد بعض السعوديين أن الضغوط الاقتصادية قد تؤدي في نهاية الأمر إلى إحداث بعض التغيير.

ولا تنطوي خطة التحول الوطني نفسها على إصلاحات اجتماعية، لكن عملية التخطيط تشير إلى قدر من الانفتاح، إذ لفت عدد ممن حضروا ورش العمل إلى حضور كبار المسؤولين بالثوب التقليدي دون ارتداء البشت (العباءة الرجالية الفاخرة التي يرتدونها في المناسبات الرسمية).

كما أشاروا إلى أن ورش العمل شهدت مشاركة للاستشاريات الإناث، اللائي عملن إلى جانب الرجال في شكل قد يكون غير مألوف في أماكن أخرى بالمملكة.

المساهمون