القمم الاقتصادية العربية وأزمة ترحيل الملفات... هل تخترقها بيروت؟

15 يناير 2019
التحضير اكتمل لقمة بيروت العربية (حسين بيضون/ العربي الجديد)
+ الخط -
المتابع للقمم الاقتصادية العربية الثلاث الماضية، ومسار متابعة مقرراتها، يمكنه التنبّؤ بأن القمة الرابعة التي تستضيفها بيروت، الأحد المقبل، قد لا تُبشّر بالخير إذا كانت مقرراتها ستلقى المصير ذاته، وهو الشلل، أولاً نتيجة نقص التمويل، وثانياً الافتقار إلى إرادة سياسية جامعة، رغم أن انعقاد القمم السابقة تزامن عملياً مع ظروف موضوعية اقتصادية وسياسية وأمنية استثنائية في الوطن العربي، كانت لها آثارها السلبية على هذا الصعيد.

جداول أعمال هذه القمم زاخرة بالعناوين التي إن وقعت عين المواطن العربي عليها سيشعر بأنه بات في أحسن حالاته، مع أن غالبية المواطنين العرب يعيشون في أسوأ الظروف.

من الأمن المائي والغذائي إلى تحرير التجارة وإزالة القيود الجمركية وتمويل المؤسسات الصغيرة والحق في الإسكان ومكافحة الفقر والبطالة وتحسين الرعاية الصحية وربط شبكات النقل البري والسكك الحديدية، كلها تشكل معاً أبرز مضامين القمم العربية التنموية الثلاث السابقة، وهي مدرجة في جدول أعمال قمة الأحد المقبل.

لنستعرض معاً أبرز هذه المقررات في قمم الكويت 2009، وشرم الشيخ 2011، والرياض 2013، لنلاحظ التكرار وهدر الوقت بخطى "سلحفاتية"، وتبديد الموارد العربية الهائلة من دون التمكّن من تحقيق قفزات واضحة في تنفيذها:

الدورة الأولى - قمّة الكويت

هذه الدورة عُقدت في 20 يناير/كانون الثاني 2009، أي في خضمّ تداعيات الأزمة المالية العالمية التي انفجرت سنة 2008 في الولايات المتحدة وطاولت شظاياها الأسواق العالمية والعديد من دول العالم، بما فيها بلدان عربية.

وبالاطلاع على "إعلان الكويت"، يتبيّن بالتعداد أن المشاركين اتفقوا على 28 بنداً مختلفاً كان الهدف منها "الارتقاء بمستوى معيشة المواطن العربي"، مع تطرق البيان إلى العدوان الإسرائيلي علـى الشعب الفلسطيني فـي قطاع غزة وضرورة إعادة إعماره ومتابعة الأوضاع الصحية للشعب الفلسطيني فيه.

تطرّقت القمة إلى مشروعات الربط الكهربائي العربي، ومخطط الربط البري العربي بالسكك الحديدية، لا سيما تحقيـق ربط شـبكات النقـل البري والبحري والجوي، باعتبارها شرايين أساسية لحركة التجارة والسياحة والاسـتثمار والعمالة، مـع ربطها مع محيطها الإقليمي، والسعي إلى رفع مستوى تنافسية مرافق النقل العربية، مـن خـلال التوجه إلى سياسات تحرير خـدمات النقـل وعلى الأخـص فـي تنفيـذ برنـامج فـتح الأجواء.

وبصيغة غلب عليها الطابع الإنشائي، لا العملي، تطرق الإعلان إلى البرنامج الطارئ للأمن الغذائي العربي، وكذلك الاتحاد الجمركي عبر إزالة القيود الجمركية وغير الجمركية على حركة السلع العربية البينية.

وبالنَفَس ذاته، تناولت القمة الأمن المائي من خلال وضـع استراتيجية عربية لتحقيق الأمن المائي.

وكان لافتاً أن تتضمّن القمة عنواناً مهماً جداً يتعلق بالبرنامج المتكامل لدعم التشغيل والحد من البطالة في الدول العربية، وآخر عن برنامج للحد من الفقر، وثالث لتنفيذ الأهداف التنموية للألفية، ورابع عن تطوير التعليم، لكنها عناوين بقيت مفتقرة إلى آليات عملية تنعكس مباشرة على واقع العرب، لا سيما الشباب الذين باتوا اليوم أسوأ حالاً من ذي قبل.

وفيما يموت آلاف الأطفال والمرضى اليوم في العديد من الدول العربية لعجزهم عن سداد فواتير الأطباء والمستشفيات، كانت هذه القمة قد تطرقت إلى تحسين مستوى الرعاية الصحية، عبر التوسّع في مشروعات الرعاية الصحية الأساسية في الدول العربية.

وفي جانب آخر مهم، كان تركيز على دور القطاع الخاص في دعم العمل العربي المشترك، بمعنى عدم قصر تمويل هذه الجهود وإدارتها على الهيئات الحكومية.

الدورة الثانية - قمة شرم الشيخ

استضافت شرم الشيخ هذه الدورة في 19 يناير/كانون الثاني 2011، أي مع انطلاق شرارة ثورات "الربيع العربي"، مع ما حملته من تداعيات على مستوى زعزعة أنظمة سياسية وإسقاط بعضها، فلا شك، تالياً، أن هذه التحوّلات كان من الطبيعي أن تنعكس على العمل العربي المشترك في شتى المجالات، ومنها الملفات التنموية والاقتصادية والتجارية، مع أن هذه الجهود كانت قاصرة أصلاً على مدى عقود من الزمن، فجاءت التحوّلات السياسية لتضيف مبرراً جديداً للعجز العربي.

كان واضحاً في تقرير الأمين العام للجامعة بخصوص ما آل إليه تنفيذ مقررات قمة الكويت، ومتابعة تنفيـذ القرارات الاقتصادية والاجتماعية الصادرة عـن القمم العربية فـي دوراتها العادية خلال الفترة بين عامَي 2001 و2010، أن الملفات تم ترحيلها، فهو أكد ضـرورة مواصـلة الجهـود لتذليل العقبات التـي حالت دون التنفيذ الفعلـي والكامل لقرارات القمة، وتطرق إلى مشكلات التمويل التي تحول دون تنفيذ بعض المشروعات.

خلصت القمة إلى ضرورة متابعـة تنفيـذ قـرارات قمة الكويت، لا سيما مبادرة أميرها الشـيخ صباح الأحمد الجـابر الصباح، بشـأن توفير الموارد الماليـة اللازمة لـدعم وتمويـل مشـاريع القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطة في الوطن العربي.

وكان لافتاً إعلان أن مسـاهمة الدول العربية بلغـت مليـاراً و393 مليون دولار من إجمالي رأس مال الحساب البالغ ملياري دولار، والطلب مـن الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي سـرعة البدء في تمويل مشاريع القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطة في الـوطن العربي، فضلاً عن مطالبة الدول بتطوير القوانين والتشريعات الخاصة بالمشـروعات الصغيرة والمتوسطة.

وبقيت مسألة الربط الكهربائي العربي الشامل تراوح مكانها على رغم تحقيق بعض التقدّم بين بعض الدول، ما دفع بالقمة إلى دعوة صناديق التمويل العربية والإقليمية والدولية إلى المساهمة فـي التمويل لتهيئة الشبكات الكهربائية الداخلية للدول العربية الأقـل نمواً كي تتواءم مع مستلزمات الربط الكهربائي، إذ لا يكفي وصل الشبكات عبر الحدود ما دامت شبكات التوزيع الداخلية قاصرة عن توصيل التيار إلى مختلف أرجاء الدولة في الداخل.

الحال نفسه ينطبق على الربط البري بالسكك الحديدية، حيث دعا القادة إلى البـدء الفعلي فـي تنفيـذ الدراسـة المستفيضة لمخطـط الربط البري بالسكك الحديديـة التـي يتولاها الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي من خلال تكليف ائتلاف من بيوت خبرة متخصصة.

أما بخصوص البرنامج الطارئ للأمن الغذائي العربي، فقد طلب القادة من المنظمة العربية للتنمية الزراعية متابعـة تنفيذ الخطة التنفيذية الإطارية للبرنامج الطارئ للأمن الغذائي العربي، وأن تكون المرحلة الأولى للبرنامج خلال الفترة بين عامَي 2011 و2016. والسؤال هنا: أين هو الأمن الغذائي العربي حتى الساعة، حيث يكابد ملايين العرب المجاعة ولا يجدون دقيقاً وخبزاً في بعض الظروف؟

أما الاتحاد الجمركي العربي الذي ازداد تحقيقه صعوبة بسبب شدة الانقسامات التي أعقبت اندلاع الثورات، فما كان من القادة إلا الدعوة لبـذل مزيـد مـن الجهـود لاسـتكمال توحيد جداول التصنيفات للتعرفة الجمركية للدول العربية قبل نهاية عام 2012 للدخول فـي التفاوض على فئـات التعرفة الجمركية، والانتهاء منها ضمن الوقت المحدد للإعلان عـن الاتحاد الجمركي العربي في 2015. فما هو مصير هذا الاتحاد حتى الآن؟

أما الأمن المائي العربي فهو أشبه بوضع الأمن الغذائي، وقد طلب القادة في ختام قمة شرم الشيخ من المجلس الوزاري للمياه سرعة استكمال "استراتيجية الأمن المائي في المنطقة العربية لمواجهة التحديات والمتطلبات المستقبلية للتنمية المستدامة".

وبقيت الأمور على حالها في ما خص البرنامج المتكامل لدعم التشغيل والحد من البطالة، والبرنامج العربي للحد من الفقر، وكذلك بالنسبة لتحسين مستوى الرعاية الصحية.

الدورة الثالثة - إعلان الرياض

العاصمة السعودية كانت محطة الدورة الثالثة للقمة عام 2013، وقد خلص تقرير الأمين العام عن متابعة تنفيذ قرارات قمّتَي الكويت وشرم الشيخ، في ما يتعلق بمبادرة الشيخ الصباح، إلى أن المساهمات التي أعلنت عنها الدول العربية البـالغة ملياراً و202 مليون دولار من إجمالي رأس مال الحساب الذي يبلغ 2 مليـار دولار، ودعوة الدول الأعضاء التي لم تسدد مساهمتها كاملة إلـى الوفاء بالتزامها بسداد المساهمة التي أعلنت عنهـا فـي الحساب الخاص للصندوق ودعوة الدول الأعـضاء التـي لـم تعلـن عـن مساهماتها إلى الإعلان عنها.

ويُلاحظ في هذا الإطار أن الأموال كانت قد بلغت، بحسب بيان قمة شرم الشيخ، مليـاراً و393 مليـون دولار من إجمالي رأس مال الحساب البالغ ملياري دولار، وليس واضحاً كيف تراجع المبلغ إلى مليار و202 مليون دولار في القمة اللاحقة بعد سنتَين؟!

تضمّن بيان القمة الترحيب ببدء نشاط الحساب الخاص لصندوق دعم وتمويل مشاريع القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطة، ودعـوة الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي إلى الاستمرار في تقديم تقرير دوري مفصل حول التقـدم المحـرز إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

بخصوص الربط الكهربائي، دعا القادة مؤسسات التمويل العربية والإقليمية والدولية إلى المساهمة في تمويل المشروعات المتعلقة بتهيئة الشبكات الكهربائية الداخلية للدول العربية الأقل نموا للربط مع الدول المجاورة.

وفي مسألة النقل البري، دُعيت مؤسسات التمويل الوطنية والعربية والإقليمية والدولية إلـى المساهمة في تمويل تنفيذ مخطط الربط البري العربي بالسكك الحديدية، كما دُعي القطاع الخاص إلى الاستثمار في تنفيذ شبكات الـربط البري العربي بالسكك الحديدية، بمعنى أن التقدّم في هذا الاتجاه بات مرهوناً أكثر بمبادرات التمويل الخاصة لا الحكومية.

ينطبق الوضع تقريباً على ملف الأمن الغذائي، فقد دُعيت جميـع مؤسسات التمويل العربية والإقليمية والدولية إلى المساهمة في تمويل مشروعات البرنامج.

الاتحاد الجمركي "المُعطّل" على المستوى العربي والذي ازداد وضعه صعوبة بسبب الانقسام السياسي الحاد إبّان "الربيع العربي"، كان له نصيب متواضع من نتائج قمة الرياض التي اكتفت بتوجيه المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالعمل على الانتهـاء مـن كافة متطلبات إنجاز منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى قبل نهاية عام 2013! وكذلك دعوة الدول العربية إلى الدخول في التفاوض على فئات التعرفة الجمركية والانتهاء منها ضمن الوقت المحدد للإعلان عن الاتحاد الجمركي العربي عام 2015. وأيضاً التأكيد على قيام الاتحاد الجمركي بين الدول المؤهلة لذلك في الموعد المحدد له عام 2015.

وبقيت مسالة الأمن المائي تراوح مكانها، وتمثل ذلك بدعوة المجلس الوزاري العربي للمياه إلى الانتهاء من إعداد المخطط التنفيذي لاستراتيجية الأمن المائي في المنطقة العربية لمواجهة التحديات والمتطلبات المستقبلية للتنمية المستدامة المعتمدة من قبل مجلس الجامعة علـى مـستوى القمة في بغداد عام 2012، من دون أن تتم ترجمة هذه التوصية في الواقع العملي.

أما ثالوث الحد من البطالة ومكافحة الفقر وشمول الرعاية الصحية، فهي عناوين بقيت خامدة على أهميتها، وتم تكليف الأمانة العامة بالتنسيق مع الـدول الأعـضاء ومجلـس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب لمواصلة جهودهم بالتعاون مـع مؤسـسات التمويل العربية والدولية لإيجاد الآليات اللازمة لتمويل وتنفيذ برنامج الحد من الفقر.

قمة بيروت... محطة ترحيل جديدة؟

على ضوء التجربة المتكررة في القمم الاقتصادية العربية، يبقى السؤال عمّا يمكن أن تحققه القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية المزمع عقدها في العاصمة اللبنانية بيروت، الأحد المقبل، فهل ستكتفي القمة عملياً بمناقشة دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وأوضاع اللاجئين الصعبة في الدول العربية، أم أنها ستستطيع أن تُحقّق ما عجزت عنه القمم السابقة، أم أنها ستكون مجرّد محطة ترحيل جديدة لملفات استراتيجية لم تتمكّن حتى القمم السياسية من حل ألغازها؟
المساهمون