صعوبات أمام تيريزا ماي لكسب ثقة أسواق المال

15 يوليو 2016
رئيس الوزراء البريطانية الجديدة، تريزا ماي (فرانس برس)
+ الخط -
ماذا يعني تسلّم رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة تيريزا ماي منصبها بعد أسابيع من الفوضى السياسية التي ضربت بريطانيا، بالنسبة لأسواق المال والاقتصاد البريطاني؟
هذا هو السؤال الذي يهم المستثمرين الكبار في الاقتصاد البريطاني والشركات ورجال الأعمال العرب الذين استثمروا بكثافة في بريطانيا خلال السنوات الماضية.
وكما كان التصويت لمصلحة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مفاجأة بالنسبة لحي المال اللندني، كان كذلك مفاجأة بالنسبة لكبار المستثمرين، ولكن على أية حال بات الأمر واقعاً، وتتجه بريطانيا للتعامل مع ما وراء خروج بريطانيا من الكتلة الأوروبية، كما قالت رئيسة الوزراء الجديدة تيريزا ماي أمس، في أعقاب تعيينها من قبل الملكة إليزابيث، "إنه الاختيار الديمقراطي ولا رجعة عنه ".
ولكن كيف استجابت الأسواق لليوم الأول من تسلم رئيسة الوزراء الجديدة للحكم في بريطانيا وتعيين حكومتها.
حتى الآن أدى تسلم الرئيسة تيريزا لمنصبها واختيار حكومتها الجديدة إلى إعادة الثقة في الجنيه الإسترليني الذي ارتفع بشكل ملحوظ ليحلق فوق 1.35 دولار أمس، من مستويات تحت 1.30 دولار التي شهدها خلال الأسبوع الماضي.
لكن محللين يعزون جزءاً كبيراً من هذا الارتفاع إلى إبقاء بنك إنكلترا للفائدة المصرفية دون تغيير أمس.
وكان الإسترليني قد ارتفع بنحو واحد في المائة مقابل الدولار في التداولات الأوروبية المبكرة بفضل معنويات متفائلة بين المستثمرين بأن بريطانيا تتجه بحزم نحو ترتيب بيتها الداخلي. ولكن مؤشر "فوتسي 100" الذي يقيس أداء الشركات البريطانية الكبرى فقد 1.1% من قيمته.
كما كسبت كذلك سندات الخزينة البريطانية التي شهدت أمس إقبالاً كثيفاً من المستثمرين الذين يأملون في أن يقوم بنك إنكلترا بتحفيز الاقتصاد البريطاني خلال الفترة المقبلة. ومن المعتقد وحسب صحيفة "فاينانشيال تايمز" أن تصدر سندات لتطوير مشروعات البنية التحتية مدعومة من الخزانة البريطانية خلال الفترة المقبلة.
وفي آسيا صعد الاسترليني إلى 140 يناً للمرة الأولى منذ إعلان نتيجة الاستفتاء على الانفصال البريطاني عن الاتحاد الأوروبي قبل ثلاثة أسابيع. وكانت الأسواق المالية في التعاملات الصباحية قد أخذت في حساباتها بالكامل تقريباً احتمال خفض الفائدة البريطانية بمقدار ربع نقطة لتصل إلى 0.5% وهو أدنى مستوى منذ مارس/آذار 2009.


ولكن عدا إعادة الثقة للإسترليني والسندات، فإن تأثير رئيسة الوزراء الجديدة ماي ظل محدوداً على سوق المال رغم أنه أزال الغموض السياسي في أعقاب الفوضى التي ضربت المسرح السياسي البريطاني بعد ظهور نتيجة الاستفتاء مباشرة.
ويرى خبراء أن حال عدم اليقين حول توجهات بريطانيا الاقتصادية والتجارية ربما تستمر لشهور أو حتى سنوات، لأنها تتوقف على طبيعة الشراكة الاقتصادية التي ستتفق عليها الحكومة الجديدة مع أوروبا وأهمية العلاقات التي ستبنيها مع الكتل الاقتصادية الكبرى في العالم ووضعية حي المال البريطاني الذي ينتظر المفاوضات الاوروبية للتحديد ما إذا كانت شركاته ستحفظ بـ"جواز المرور" في إجراء عملياتها التجارية في دول الاتحاد الأوروبي دون حواجز".
لكن البروفسور جون ديفي من جامعة "غيلد هول" في لندن كان قد أبلغ "العربي الجديد"، أن حال عدم اليقين لن تستمر طويلاً. وبات واضحاً لدى المستثمرين أن مفاوضات بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي ستستمر طويلاً ولكنها في النهاية ستصل إلى نتائج مرضية بالنسبة للطرفين وستتخذ شكلاً من الشراكة التجارية.
ويأتي ذلك وسط التوقعات بالدور الايجابي الذي ستعلبه الولايات المتحدة لصالح بريطانيا في إقناع الزعماء الأوروبية بمنح بريطانيا دوراً أكبر في أوروبا وعدم محاصرتها بسبب هذا الاستفتاء.
ويرى موقع "إنفسترز البريطاني" الذي يهتم بالمستثمرين الكبار، أن حال عدم اليقين سيؤثر خلال الفترة المقبلة على النمو الاقتصادي وتصنيف الموجودات المقيمة بالإسترليني وبالتأكيد على تدفق الاستثمارات الخارجية.
ويقول في هذا الصعيد أن توجهات رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة تجاه الاستثمار في تحديث البنية التحتية يحتاج إلى خفض سعر الفائدة المصرفية في ظل انخفاض التدفقات الاستثمارية المباشرة على بريطانيا، لأن ذلك سيمكن الحكومة من الاقتراض بفائدة صفرية لتمويل مشاريع النمو الاقتصادي المستقبلية ومن بينها مشاريع البنى التحتية.

وقال خبراء لموقع" إنفسترز" إن أية سياسات للتقشف تتخذها الحكومة الحالية ستكون سياسات فاشلة.
إلى ذلك قال وزير المالية البريطاني الجديد فيليب هاموند، أمس الخميس، إنه سيفعل كل ما يلزم من أجل الحفاظ على استقرار الاقتصاد ومنح الثقة للأسواق المالية بعد اختيار البريطانيين الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.
وقال هاموند لقناة آي.تي.في البريطانية "تحتاج الأسواق لمؤشرات تدعو للطمأنينة، وتريد التأكد من أننا سنفعل كل ما يلزم للحفاظ على استقرار الاقتصاد."
وفي مقابلة أخرى مع قناة سكاي نيوز، قال الوزير إن بريطانيا لا تحتاج لميزانية طوارئ، وإنه سيراقب في المقابل الوضع الاقتصادي خلال الصيف قبل تحديد أهداف الإنفاق في الخريف كما جرت العادة.
وانتقل هاموند من منصبه كوزير للخارجية ليتولى وزارة المالية في وقت متأخر يوم الأربعاء، بقرار من رئيسة الوزراء الجديدة تيريزا ماي.
وقال لسكاي نيوز "هناك الكثير الذي يتعين عمله الآن". وأوضح أنه سيصدر بيانا في الخريف بالطريقة المعتادة وأنه سيراقب بحرص الوضع خلال الصيف. وأضاف "سألتقي مع محافظ البنك المركزي وسنناقش الوضع الراهن".
وفي تصريحات لتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) قال هاموند الذي كان من الداعين إلى بقاء البلاد في عضوية الاتحاد الأوروبي قبل أن يتولى منصب وزير المالية، مساء الأربعاء "أعتقد أنه يقوم بعمله بشكل ممتاز كمحافظ لبنك إنجلترا المركزي".
وردّا على سؤال حول ما إذا كان سيلتزم بخطط سلفه فيما يتعلق بخفض ضرائب الشركات قال هاموند، وحسب رويترز، أن من السابق لأوانه الحديث عن ذلك الأمر...لن أسرد كيف ستكون خططي هنا على شاشة التلفزيون هذا الصباح.
أضاف " سأجلس مع الرموز البارزة في اقتصاد المملكة المتحدة مثل محافظ البنك المركزي وأنظر في الموقف الذي نواجهه وأطلع على التوقعات المستقبلية وأتخذ بعض القرارات خلال الصيف بعد دراستها دراسة متأنية".
وأظهر مؤشر تومسون رويترز/إبسوس أن ثقة المستهلكين البريطانيين انخفضت لأدنى مستوى لها منذ عام 2014 عقب التصويت لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي. وانخفضت أحدث قراءة لمؤشر معنويات المستهلكين الرئيسي إلى 49.4 في يوليو/تموز من 51.2 في الشهر الماضي.
وعلى الصعيد الأوروبي، قفزت الأسهم الأوروبية إلى أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع، أمس الخميس، بقيادة الأسهم المرتبطة بالسلع الأولية مع تحسن المعنويات بعد اختيار الحكومة البريطانية الجديدة التي ستقود بريطانيا في هذه المرحلة الحرجة من التاريخ الأوروبي. وارتفع المؤشر الأوروبي الخاص بقطاع التعدين 2.2 في المائة ليتصدر القطاعات الرابحة ويقتفي أثر ارتفاع أسعار المعادن كما ارتفع مؤشر قطاع الطاقة 1.6 بالمئة، في حين صعد مؤشر قطاع السيارات 1.9%.

المساهمون