أزمة الغاز تُخمد مواقد غزة للشهر السادس

03 مايو 2016
مستودع أسطوانات غاز في غزة (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
منذ قرابة ستة أشهر، تضطر عائلة المواطن الفلسطيني حاتم عوض الله، إلى استخدام مواقد الحطب لإعداد بعض وجبات الطعام وترشيد استهلاك أسطوانة الغاز في منزلها قدر المستطاع، وذلك لمجابهة أزمة نقص كميات غاز الطهو في قطاع غزة المحاصر إسرائيليا منذ صيف عام 2007.
ويواجه القطاع منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2015 نقصاً حاداً في كميات غاز الطهو المتوفرة بمحطات التعبئة والتوزيع المحلية، رغم التصريحات الإعلامية المتكررة للجهات المسؤولة، التي تتعهد بتطبيق بعض الحلول الاستراتيجية التي تنهي الأزمة كليا.
ويوضح عوض الله لـ "العربي الجديد" أنه اضطر للانتظار لمدة تزيد على شهر، لكي يتمكن من تعبئة أنبوبة تسع 12 كليوغراماً من الغاز، بعد أن فرغت مطلع العام الجاري، الأمر الذي أجبره على تقنين استهلاك الأسطوانة واستخدام الكهرباء لطهو الطعام في أوقات توفرها النادرة أو اللجوء إلى مواقد الحطب والفحم.
ويتحكم الاحتلال الإسرائيلي في كمية الغاز المدخلة إلى غزة، منذ أن دمر وأغلق معبر الشجاعية (ناحل عوز)، شرق القطاع، في الأول من شهر أبريل/نيسان 2010، والذي كان مخصصاً لنقل مشتقات الوقود والغاز، ما دفع أصحاب محطات التعبئة إلى التوجه نحو معبر كرم أبو سالم واعتماده منفذاً تجارياً وحيد للقطاع.
ولا تلبي كميات الغاز التي تدخل القطاع إلا نصف احتياجات السكان اليومية، في الوقت الذي لا توجد مخزونات غاز في غزة، لافتقار معبر كرم أبو سالم التجاري لبنية تحتية تؤهله لتخزين الغاز بضعة أيام.
محمود زياد، صاحب إحدى محطات تعبئة وتوزيع الغاز، يقول إن أزمة الغاز تتفاقم عادة في فصل الشتاء وخلال فترة المنخفضات الجوية واشتداد موجات الصقيع، وتبدأ بالتلاشي تدريجيا مع ارتفاع درجات الحرارة، إلا أن الأزمة بقيت على حالها في العام الجاري؛ نظرا لحدوث تقليص متعمد في كميات الغاز الموردة إلى القطاع.
ويضيف زياد أن كميات غاز الطهو التي وصلت إلى شركات ومحطات التعبئة والتوزيع طوال شهري ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني الماضيين، لم تتجاوز 40 طن يوميا، الأمر الذي تسبب بإغلاق جميع محطات التعبئة أبوابها في وجه المواطنين وارتفاع أسعار بيع الغاز في الأسواق السوداء بهدف تحقيق الربح.
ويحتاج القطاع في الأيام العادية من الغاز الطبيعي إلى نحو 350 طنا يوميا، ولكن الكمية ترتفع خلال فصل الشتاء لتشغيل المواطنين المدافئ الكهربائية وكذلك زيادة استهلاك أصحاب مزارع الدجاج لغاز التدفئة.
وحمل زياد، الهيئة العامة للبترول في الضفة الغربية والشركات الإسرائيلية المكلفة بتوريد الغاز إلى غزة، المسؤولية عن استمرار أزمة الغاز واشتدادها في الأشهر الماضية.


وطالب زياد، الجهات المختصة في غزة بمتابعة أصحاب المركبات التي تعمل على الغاز، كونهم يستهلكون ما يفوق 40% من كميات الغاز الموردة يوميا للقطاع، بجانب تشديد الرقابة على محطات التوزيع للحد من عمليات الاحتكار، مشددا على أهمية إبعاد عمليات توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين عن الخلافات السياسية.
وسبق للقطاع أن شهد أزمات غاز متعددة، كان أبرزها نهاية عام 2014، عندما علقت الهيئة العامة للبترول توريد الغاز للقطاع، بسبب خلافات مالية بين وزارة المالية في رام الله وغزة، بعدما فرضت الأخيرة ضريبة مالية جديدة على كل أنبوبة غاز سعة 12 كيلوغراماً، قبل أن تتراجع عن قرارها.
وبعد ذلك ظهرت أزمة جديدة، بسبب عدم توريد الشركات الإسرائيلية والهيئة العامة للبترول في الضفة الغربية كميات كافية من الغاز إلى سكان غزة ومحطات التعبئة، وذلك في المنخفض الجوي العميق الذي ضرب القطاع على مدار عدة أيام متواصلة.

ويقول سمير حمادة، رئيس لجنة الغاز في جمعية أصحاب شركات الوقود في غزة، أن اعتماد معبر كرم أبو سالم الحدودي كمنفذ تجاري وحيد لقطاع غزة رغم محدودية قدرته الاستيعابية وإغلاقه بشكل متكرر، يعد السبب الأساسي لاستمرار أزمة غاز الطهو، واصفا أزمة الغاز التي يواجهها القطاع بـ "المعقدة".
ويضيف حمادة، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن القطاع بحاجة لقرابة 350 طنا من الغاز يوميا وترتفع الكمية لنحو 500 طن في أوقات الطوارئ وانخفاض درجات الحرارة، إلا أن الكمية التي تورد إلى القطاع في الأيام العادية تتراوح ما بين 200 إلى 240 طن، في حين تبلغ القدرة الاستيعابية القصوى لمعبر كرم أبو سالم، نحو 250 طناً يوميا".
ويتابع : "يعاني معبر كرم أبو سالم من ضعف بنيته التحتية وعدم جاهزيته لنقل مشتقات الوقود المختلفة أو تخزينها بالإضافة إلى إغلاقه المتكررة لأسباب مختلفة ودون سابق إنذار"، مطالبا بزيادة ساعات العمل على المعبر وفتحه بشكل استثنائي وتحديدا في يومي الجمعة والسبت، حتى يتم تجاوز تداعيات الأزمة الحالية.
ويشير إلى أن جميع الاقتراحات والحلول الاستراتيجية التي أعلن عنها بهدف إنهاء مشكلة نقص غاز الطهو بين الحين والآخر، كمد خط نقل إضافي يرفع مقدار الكمية الموردة إلى 400 طن يوميا وإجراء عملية توسعة وتطوير في معبر كرم أبو سالم، لم تدخل مرحلة التنفيذ بعد وبقيت مجرد وعودات.
ويوضح أن أزمة الغاز تلقي بتداعياتها السلبية على العديد من المنشآت الحيوية كالمصانع والمخابز ومزارع تربية الدواجن فضلا عن منازل المواطنين وحياتهم اليومية، مشيرا إلى أن أزمة الغاز ستنتهي كليا في حال رفع الاحتلال حصاره عن القطاع وأعاد فتح المعابر التجارية الحدودية التي أغلقها في السنوات الماضية.
وأغلق الاحتلال منذ أن فرض حصاره على غزة، المعابر التجارية الثلاثة التي كانت تمثل العصب الأساسي للاقتصاد المحلي، وأبقى على معبر كرم أبو سالم، الواقع أقصى جنوب شرق مدينة رفح، جنوب القطاع، كمنفذ وحيد تدخل من خلاله جميع احتياجات سكان القطاع، التي كانت تورد سابقا من المعابر المغلقة.
وأزال الاحتلال في عام 2007 معبر صوفا الذي كان مجهزا لدخول مواد البناء، وبعد نحو ثلاث سنوات أغلق معبر الشجاعية، الذي كان مخصصا لنقل مشتقات الوقود والغاز كافة، ومع مطلع عام 2012 دمر الاحتلال معبر المنطار الذي كان يعتبر من أكبر المعابر التجارية المجهزة لدخول مختلف البضائع.
ويعمل معبر كرم أبو سالم، الخاضع للسيطرة الإسرائيلية، نحو ثماني ساعات يوميا ما عدا يومي الجمعة والسبت، كما يغلقه الاحتلال أثناء فترة الأعياد والإجازات، وكذلك في الأحداث الطارئة، رغم أن المعبر غير مجهّز لتوفير احتياجات نحو مليوني مواطن فلسطيني في غزة.

المساهمون