فشل وعود ترامب... زيادة الواردات الصناعية ترفع العجز التجاري الأميركي لمستويات قياسية

11 مارس 2019
واشنطن استوردت سلعاً صناعية بـ68.4 مليار دولار (بيل بوجليانو/Getty)
+ الخط -
أعلنت وزارة التجارة الأميركية، الخميس، بيانات التجارة الخارجية، والتي أشارت إلى تسجيل عجز تجاري قياسي، يقدر بأكثر من 891 مليار دولار في تجارة البضائع فقط، وهو الأعلى في تاريخ البلاد، في العام المنتهي 2018، ينخفض إلى 621 مليار دولار عند إضافة تجارة الخدمات، التي تشمل البنوك والسياحة وبراءات الاختراع، وهو ما يُعرف باسم الحساب الجاري.
ورغم التعارض مع وعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخفض العجز التجاري، عن طريق زيادة التعريفات الجمركية المفروضة على الواردات، ظهر تيار جديد في الولايات المتحدة، يُفتَرَض فيه الحياد، أو على الأقل عدم الانسياق وراء أجندة ترامب وحزبه الجمهوري، ممن يُرجِعون زيادة العجز التجاري إلى انتعاش الاقتصاد الأميركي، مع تباطؤ أغلب الاقتصادات الكبرى الأخرى، وعلى رأسها الاقتصادان الصيني والأوروبي.

وأكد ترامب، في العديد من المناسبات، أن ارتفاع العجز التجاري يعني فقدان المزيد من الوظائف ونقل الثروات من الأميركيين إلى مواطني الدول الأخرى، الأمر الذي تصور معه البعض أن يسبب الإعلان عن عجز تاريخي في الميزان التجاري للولايات المتحدة حرجاً بالغاً للرئيس الأميركي، خاصةً أنه يأتي في أيامٍ بدأ ترامب يستعد فيها لانتخابات الرئاسة 2020.
لكن العديد من خبراء الاقتصاد اعتبروا أن ارتفاع العجز التجاري للولايات المتحدة جاء كـ"عرَض جانبي حميد" لاستمرار انتعاش الاقتصاد الأميركي.
وفيما بدا تبريراً للظاهرة، قال ديفيد لينش، الكاتب الاقتصادي المتخصص في أمور التجارة، "بتخفيضه للضرائب وزيادة الإنفاق الحكومي، أعطى ترامب جرعة من الأدرينالين للاقتصاد، كما حاول تحفيز النمو والتوظيف، بتخفيف التنظيمات الحكومية، فأتاحت هذه الجهود للمواطن الأميركي راتباً أعلى، وتمكّن من شراء جهاز آيفون مُصَنَّع في الخارج، وسيارة تويوتا، ومشروب هاينكن".

وفي تقرير تحليلي لمجلس التحرير بصحيفة "وول ستريت جورنال" الأكثر تأثيراً في الأوساط الاقتصادية الأميركية، استعرض المحللون بالتفصيل العناصر التي تسببت في زيادة الواردات بمعدل أعلى من زيادة الصادرات الأميركية، وكان على رأسها ارتفاع الواردات من السلع الصناعية، بما قيمته 68.4 مليار دولار، والسلع الرأسمالية 52.7 مليارا، ما اعتبره كاتبو التقرير أمراً ضرورياً لدفع الإنشاءات التجارية والتصنيع مع استمرار انتعاش الاقتصاد. 
وأشار التقرير إلى أن زيادة إنفاق صناع السيارات على مستلزمات الإنتاج المستوردة تسبب بدوره في ارتفاع قيمة الواردات، بعد أن قللت تعريفات ترامب واردات السيارات الألمانية منتهية التصنيع إلى بلاده.

وفي نفس السياق، اعتبر محللون أن زيادة واردات السلع الاستهلاكية جاءت كنتيجة طبيعية لارتفاع حصة الإنفاق الاستهلاكي من إجمالي الناتج المحلي الأميركي، وهو ما تسبب فيه قانون الإصلاح الضريبي الذي أقره ترامب، مطلع العام الماضي، فزاد إنفاق الأميركيين على السلع المنزلية والملابس وأجهزة التليفون المحمول ولعب الأطفال، بما يقرب من عشرة مليارات من الدولارات، بعد أن قلّت مدفوعاتهم للضرائب.
ورغم ما يبدو من التحليل من انحياز للرئيس الأميركي وسياساته، إلا أن فريق التحرير دحض، في المقال، حججه بأن العجز التجاري يتسبب في فقدان الأميركيين للوظائف، بعد أن أشاروا إلى انخفاض معدل البطالة إلى أدنى مستوياته، فيما يقرب من نصف قرن، في نفس الوقت الذي سجل فيه العجز التجاري للبضائع أعلى مستوى له في تاريخ الولايات المتحدة.

وأكد الكُتَّاب أن الإنفاق الاستثماري يعد أكثر أهمية لخلق الوظائف من تقليل العجز أو تحقيق فائض.
وأيّد الاتجاه نفسه ويليام رينش، الباحث في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية بواشنطن، والذي عمل في وزارة التجارة الأميركية لفترة، إذ قال "قواعد الاقتصاد الكلي تسيطر في النهاية. لا يمكنك تمنّي اختفائها، ولا يمكنك فرض تعريفات عليها لإيقافها".

وعلى نحوٍ متصل، أيّد الاقتصادي المصري الأميركي الشهير محمد العريان، على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، فكرة تسبب قوة الاقتصاد الأميركي في ارتفاع العجز التجاري، وغرد مؤكداً أن "من ضمن أهم العوامل التي ساهمت في ارتفاع العجز يجيء ارتفاع الأجور في أميركا بمعدلات أعلى من دول العالم الأخرى، وقوة الدولار الأميركي مقارنة بالعملات الأخرى".
ومن ناحيةٍ أخرى، أظهرت بيانات وزارة العمل الأميركية، يوم الجمعة الماضي، تباطؤ نمو الوظائف غير الزراعية، حيث لم يضف الاقتصاد سوى 20 ألف وظيفة جديدة، خلال شهر فبراير/شباط المنتهي، وهو أقل عدد وظائف تتم إضافتها في أي شهر منذ سبتمبر/أيلول 2017، حين منعت الأعاصيرُ الشركاتِ الأميركية من الاستمرار في التوسع في التعيينات.

ورغم انتقاده الدائم للرئيس ترامب وسياساته الاقتصادية، اعتبر دين بيكر، كبير الاقتصاديين في مركز أبحاث السياسة والاقتصاد، أن السبب في انخفاض الوظائف المضافة خلال الشهر الماضي "ربما يرجع إلى الطقس السيئ"، خلال شهر فبراير/شباط، خاصة أن الشهرين السابقين شهدا إضافات قوية للوظائف في الولايات المتحدة. 
وبالفعل، يبدو العجز التجاري الأميركي الحالي ضخماً عند مقارنته بالعجز التجاري للدول الأوروبية، في أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة. لكن المؤكد أن أغلب تلك البلدان كانت في حالة سيئة جداً بتأثير الحرب، وكانت حركة رؤوس الأموال محدودة، ولم يكن الاقتصاد العالمي متشابكاً، كما هو الحال الآن.

أما في الوقت الحالي، فإن الكثير من الأموال التي ينفقها المستهلكون الأميركيون على شراء السلع الأجنبية المستوردة تعود إلى الولايات المتحدة مرة أخرى، في صورة استثمارات مباشرة أو شراء عقارات أو ودائع نقدية.
ومع انتقال التصنيع إلى مواقع أكثر إنتاجية، تقل تكاليف الإنتاج، ويستفيد المستهلك، الأمر الذي يرفع معدلات الإنفاق ويساهم في انتعاش الاقتصاد، فتنتج عن ذلك استثمارات جديدة في البنية التحتية، وابتكارات تكنولوجية، وموارد طبيعة جديدة. ويقول جورج اليساندريا، الاقتصادي في بنك الاحتياط الفيدرالي بفيلادلفيا "في هذا الإطار، ربما يكون العجز التجاري مؤشراً على النمو والانتعاش الاقتصادي".



المساهمون