أول موازنة للعثماني... هدايا ضريبية لشركات المغرب ولا تجاوب مع العمال

19 أكتوبر 2017
الاتحادات العمالية تطالب بزيادة الأجور (الأناضول)
+ الخط -
لم يختلف أول مشروع موازنة وضعته حكومة سعد الدين العثماني، عما درجت عليه الحكومة السابقة، حيث ركزت على التحكم في عجز الموازنة، بينما يبقى معدل النمو المتوقع مرتهنًا لمحصول الحبوب.
واعتبر وزير الاقتصاد والمالية، محمد بو سعيد، حين عرض مشروع موازنة 2018 أمام مجلس الحكومة، أنه يغلب عليه الطابع الاجتماعي، في الوقت نفسه الذي يسعى عبر تحفيزات ضريبية إلى تشجيع الاستثمار الخاص والشركات.
وشدد على أن هذا المشروع يهدف إلى تحريك الاقتصاد وتلبية متطلبات القطاع الخاص وبث روح جديدة من الثقة.

المستثمر الأول

تتوقع الحكومة محاصرة عجز الموازنة، كي يستقر في حدود 3% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تترقب تراجع معدل النمو الاقتصادي من 4.6% في العام الحالي، إلى 3.2%، وذلك على أساس محصول حبوب في حدود 70 مليون قنطار.
وينتظر أن ترتفع الإيرادات الجارية للموازنة بأكثر من مليار دولار، كي تستقر في حدود 24 مليار دولار، بينما سيستقر الإنفاق الجاري في حدود 22 مليار دولار، حيث تمثل فيه كتلة أجور الموظفين حوالي النصف على اعتبار أنها ستصل إلى حوالي 11 مليار دولار.
ويبدو أن الدولة تبقى المستثمر الأكبر في المملكة، حيث يُنتظر أن تصل نفقات الاستثمار إلى حوالى 20.5 مليار دولار، تشمل شركات الدولة والجماعات المحلية، بالإضافة لما تسخره الموازنة لاستثمارات جديدة بنحو 7 مليارات دولار.
ويؤشر ذلك حسب ما يذهب إليه الاقتصادي المغربي إدريس الفينا، على حقيقة راسخة في الأعوام الأخيرة، والتي تتمثل في كون الدولة هي التي تدفع عجلة الاستثمار في المغرب، حيث أنه يمثل أكثر من 20% من الناتج المحلي الإجمالي، بما لذلك من تأثير على النمو الاقتصادي.

تمرد كتلة الأجور

أكد وزير الاقتصاد والمالية، محمد بوسعيد، أن نصف الموازنة مخصصة لتلبية الاحتياجات ذات الطابع الاجتماعي، إذ يستوعب التعليم 6 مليارات دولار، والصحة 1.5 مليار ولار، حيث يشهد هذا القطاع إنشاء أربع فرصة عمل حكومية، كما سيخصص 360 مليون دولار للقرى والأرياف.

ولم تتمكن الحكومة من خفض كتلة الأجور، حسب ما يظهر من مشروع الموازنة، على اعتبار أنها ستستقر في حدود 11 مليار دولار في العام المقبل، مقابل 10.6 مليارات دولار في العام الحالي.
غير أنه يتضح تسجيل انخفاض عدد فرص العمل الحكومية الدائمة المتوقعة في العام المقبل، حيث ستستقر في حدود 19 ألف فرصة عمل، مقابل 23 ألف فرصة عمل يجري توفيرها وفق موازنة العام الحالي، أغلبها موجهة للتعليم والداخلية والدفاع.
وينتظر أن توفر الحكومة في العام المقبل 20 ألف فرصة عمل عبر نظام التعاقد مع مدرسين، وهو عدد سيصل إلى 55 ألف في العامين المقبلين.
وينبه الخبير الضريبي، محمد رهج، إلى أنه عند تناول فرص العمل المحدثة عبر الموازنة في العام الواحد، يتوجب مقارنتها بعدد المحالين على التقاعد في نفس العام.
ويشير الباحث المهدي البركاني، إلى أن أولويات الحكومة تستدعي توفير وظائف حكومية كافية وتلبية مطالب بعض الجهات من الخدمات الاجتماعية، ومواصلة الاستثمارات العمومية التي يمكن أن تساهم في تحفيز النمو.

هدايا لرجال الأعمال

استجابت الحكومة في مشروع الموازنة لمطالب رجال الأعمال الذين ألحوا في الأشهر الأخيرة، على استحداث ضريبة تصاعدية على الشركات من أجل تحسين الأوضاع المالية للمستثمرين.
وبرر الاتحاد العام لشركات المغرب، المطالبة بهذا الإجراء، في الظروف الحالية، بكون إيرادات الموازنة تحسنت في العام الحالي، ما يتيح للحكومة إبداء نوع من التجاوب مع مطالب رجال الأعمال.
ويتضح أن النظام الجديد يقضي بفرض الضريبة بسعر 10% بالنسبة للأرباح التي تقل أو تساوي 30 ألف دولار، و20% للأرباح التي تقل أو تساوي 100 ألف دولار، و31% للأرباح التي تتجاوز 100 ألف دولار.
غير أن الحكومة لم تكتف بهذه الإجراءات، بل تجاوبت مع مطالب الاتحاد العام لمقاولات المغرب الذي طالب بإعفاء الشركات الحديثة من المساهمات الاجتماعية والضريبة على الدخل، بهدف خلق فرص العمل.
وبعدما كانت الشركات تتمتع بتلك الإعفاءات عند توفيرها لخمس فرص عمل، التزمت الحكومة في مشروع الموازنة للعام المقبل، برفع ذلك العدد إلى عشرة من العمال، حيث يستفيدون من تلك الإعفاءات إذا لم يتجاوز دخلهم ألف دولار.
ويعتبر الاتحاد العام لمقاولات المغرب، أن إعفاء الشركات الحديثة من الضريبة على الدخل والتحملات الاجتماعية، سيساعد على خلق 250 ألف فرصة عمل.
ويبدو أن ذلك الالتزام من قبل رجال الأعمال أغرى الحكومة بالاستجابة لهم، خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة، حيث وصل عدد العاطلين في الربع الثاني من العام الجاري إلى 1.31 مليون.
غير أن الخبير المغربي، محمد الرهج، ينبه إلي أن ثمة إمكانية كبيرة للحصول على إيرادات مهمة عبر الضريبة على الشركات، خاصة في ظل وجود أكثر من 60% تعلن عن تحقيق خسارة سنوية دون أن تختفي، زيادة على شيوع التهرب والغش الضريبي.
وتتطلع الحكومة إلى تشجيع الشركات على الاستثمار وخلق فرص العمل، في انتظار ما سيسفر عنه الحوار الاجتماعي مع الاتحادات العمالية، في ظل مطالبة رجال الأعمال بإعادة النظر في قانون العمل، حيث يريدون مرونة أكثر في سوق العمل، وهو ما ترفضه الاتحادات.

في قاعة الانتظار

يُظهر مشروع الموازنة للعام المقبل الذي عُرضت خطوطه العريضة، أن الحكومة لم تتجاوب مع المطالب التي عبرت عنها الاتحاد العمالية، الرامية إلي الزياة في الأجور وتحسين الدخل.
وطالبت الاتحادات في أول جلسة للحوار في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بإعادة النظر في الضريبة على الدخل، بما يحسن دخل العمال، ورفع التعويضات العائلية.
وشددت تلك الاتحادات على ضرورة تحسين القدرة الشرائية للموظفين والعمال عبر إجراءات خاصة في مشروع الموازنة للعام المقبل.
ويؤكد عبد الرحيم الهندوف، القيادي باتحاد الموظفين، أن القدرة الشرائية للموظفين تضررت كثيرًا في المغرب، خاصة في ظل زيادة اقتطاعات التقاعد وعدم الزيادة في الأجور في الأعوام الأخيرة.
ويلاحظ، الخبير الاقتصادي، الرهج، أن أجور الموظفين لم ترتفع منذ أكثر من ستة أعوام، عندما قررت حكومة عباس الفاسي، زيادة 60 دولارا للموظفين، بما لذلك من تأثيرات على القدرة الشرائية لأولئك الموظفين.
وكانت الحكومة المغربية قد انشغلت بالمطالب الاجتماعية التي تطورت في بعض المناطق إلى احتجاجات، ما أدى إلى تأخير المذكرة التوجيهية لإعداد موازنة العام 2018.
المساهمون