يوم السادس من شهر شباط عام 2020، أخرج ريال سوسييداد منافسه ريال مدريد من بطولة كأس ملك إسبانيا في الدور نصف النهائي بنتيجة مثيرة (4 – 3). لم يتوقع أسعد رجل في مدريد آنذاك، إيمانول ألغاسيل، أنه سيقود فريقه إلى أول نهائي في الكأس منذ عام 1988 وأول لقب مُحتمل منذ عام 1987.
هي قصة ريال سوسييداد في موسم 2019-2020. هي أكثر من قصة كروية جميلة ترويها الأسطر. الرحلة نحو نهائي كأس الملك في إشبيلية كانت بمثابة الحلوى الصغيرة لما هو أكبر من ذلك. فبين السطور هناك أشياء جميلة ميزت ريال سوسييداد مؤخراً.
بالنسبة لجماهير الفريق الأزرق والأبيض، التغيير الأكبر كان في تحديث ملعب "أنويتا" الشهير، ومن لا يعرف إسم "أنويتا" عليه أن يسأل برشلونة وريال مدريد عنه جيداً، الملعب الذي شهد سقوط كبار "الليغا". تم التخلص من المضمار الموجود حول الملعب لتوسيعه وتحديثه وأمسى أكثر جمالاً.
اليوم أقرب مشجع لأرض الملعب يبتعد فقط 8 أمتار بعد أن كان 40 متراً سابقاً، وارتفعت السعة الإجمالية من 32 ألف متفرج إلى 40 ألفا. لكن مشروع فريق ريال سوسييداد كان أكبر من مجرد مقاعد إضافية في المدرجات. هي عملية تحديث لكل شيء، فالجماهير أرادت فريقا بطلا، وهذا ما حصلت عليه.
تعاقدات شابة مثالية
تعاقد ريال سوسييداد مع مارتين أوديغارد، الشاب النرويجي المُلفت في خط الوسط، وإلى جانبه المهاجم السويدي أليكساندر إيساك والجناح الإسباني المخضرم بورتو، والظهير الخبير ناتشو مونريال مايكل ميرينو والحارس أليكس ريميرو، وهم مجموعة مثالية لبداية مشروع كروي يُنافس الكبار في إسبانيا.
هذه المجموعة من اللاعبين اجتمعت مع المجموعة السابقة وتم تطعيمها بمواهب شابة من أكاديمية "زوبييتا"، ولم يكن من الصعب اختيار عناصر مُميزة بفضل وجود شخص اسمه تشابي ألونسو على رأس القيادة الفنية للفريق الثاني في ريال سوسييداد.
مدرب من البيئة
إن كل ما ذُكر في الأعلى يحتاج إلى مدرب يعرف جيداً ماذا يفعل على أرض الملعب، إيمانول ألغاسيل كان الرجل المناسب لهذه المهمة، فهو من البيئة نفسها، صعد من الأكاديمية، لعب لريال سوسييداد ودرب فريق الأكاديمية، كما وشغل منصب مساعد مدرب للفريق الأول.
لا أحد يعرف ريال سوسييداد مثل ألغاسيل، لا أحد يعرف كيفية تطوير اللاعبين ودمجهم مع المواهب الصغيرة مثله، وهو من أهم أسرار عودة سوسييداد إلى الواجهة من جديد. وهنا يأتي التنويه الأهم وهو أن فريق ريال سوسييداد يملك أصغر تشكيلة في "الليغا"، عمل كبير قام به ألغاسيل وما زال يعمل بذكاء.
أوديغارد وإيساك: ثنائية سحرية
من أبرز صفقات ريال سوسييداد في موسم 2019-2020، كان، من دون شك، مارتين أوديغار والمهاجم إيساك. الأول وصل من ريال مدريد والثاني إعارة من فريق بوروسيا دورتموند الألماني. لعب الاثنان معاً لفترة مع أندية كبيرة في منشآت رياضية أفضل، وسيكونان سوياً حديث الجماهير في السنوات القادمة.
صنع أوديغارد وإيساك صداقة جميلة داخل الملعب وخارجه، تعلما اللغة الإسبانية سوياً، هما أشبه بطالبين على مقاعد الدراسة، لا يهتمان بالأرقام الموجودة في حسابتهما المالية. هناك الأهم من المال بالنسبة لهما، هما مثال للاحتراف والانضباط.
إنسانية وروح رياضية
في إحدى جولات بطولة كأس ملك إسبانيا، اكتسح ريال سوسييداد فريق بيسيريل من الدرجة الرابعة (8 - صفر)، لم يرحم اللاعبون أحداً على أرض الملعب لمدة 90 دقيقة. لكن بعد المباراة، شعر الجميع بالحزن، وشعروا بخيبة أمل الفريق المنافس بسبب النتيجة القاسية، فتمت دعوة بيسيريل بأكملها لحضور مباراة لريال سوسييداد.
ورغم أن عدد سكان قرية بيسيريل هو 754 مواطنا، حضر منهم 502 في شهر شباط لمتابعة مباراة ريال سوسييداد ضد فريق فالنسيا. استمتع الزائرون بالملعب الجديد وشاركوا جماهير صاحب الأرض فرحته بالتأهل إلى الدور القادم.
إدارة تحترم جمهورها
أمسى اسم ملعب ريال سوسييداد "ريالي أرينا" لأسباب تسويقية، وهو ليس شركة مراهانات طبعاً، لأن سوسييداد هو الفريق الوحيد في "الليغا" الذي رفض أي شراكة مع شركات مراهنات. وهنا تبرز العلاقة الجميلة بين الفريق وجمهوره، حين احترم الفريق رغبة جمهوره بعدم العمل مع شركات مراهانات.
وفي التفاصيل، صوت حوالي 5,715 مشجعا ضد قرار العمل مع شركات مراهانات، مقابل 841 صوتاً في عام 2018. ورغم خسارة فريق سوسييداد قيمة 3 ملايين يورو سنوياً، إلا أنه اعتبر أن رأي جمهوره له قمية أكبر والحفاظ على سعادته هو الأهم.
في طريق سوسييداد إلى نهائي كأس ملك إسبانيا 2020، وبعد كل مباراة، كان الفريق يتوجه لتحية الجمهور والاحتفال معه. وحتى في ملعب "سانتياغو برنابيو"، احتفل الفريق بالتأهل إلى النهائي مع الجماهير القليلة الذي واكبت الفريق في رحلته إلى العاصمة مدريد.
كان الفوز على ريال مدريد هو السادس على التوالي لريال سوسييداد في جميع المسابقات آنذاك، وهو اليوم يحتل المركز الرابع في ترتيب "الليغا"، ويُنافس على مقعد مؤهل إلى دوري أبطال أوروبا، ويبحث عن لقبه السادس تاريخياً فقط.
من العمل بنجاح وشفافية، إلى اكتساب حُب المنافس والحفاظ على ثقة الجمهور والاقتراب من لقب أول بعد 42 سنة من الانتظار، استحق ريال سوسييداد لقب "بطل الشعب".