أنا زلاتان (36) أول كلاسيكو..والشعور بغربة وسط هدوء البرسا

27 سبتمبر 2015
+ الخط -


يستكمل "العربي الجديد" تقديم سلسلة مقالات (عصير الكرة) عن أفضل وأبرز ما كتب حول أسرار الساحرة المستديرة وعالم نجومها، وندخل سويا إلى الكتاب الخاص بالنجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش.

خلال فترة التحضير للموسم عندما كانت يدي مُصابة، وانخرطت مع المجموعة الجديدة في النادي، هذا الأمر لم يكن سهلا بالطبع بسبب اللغة، كنت أتسكع كثيرا مع اللاعبين الذين يتحدثون الإنجليزية، تييري هنري وماكسويل، لكن الأمور سارت بشكل جيد مع البقية أيضا، ميسي وأنييستا وتشافي كلهم كانوا في غاية البساطة، أشخاصاً رائعين ومن السهل التعامل معهم، ليسوا من ذلك النوع الذي يدخل غرف الملابس: "ها أنا هُنا، أنا الأعظم والأجمل"، ليسوا كذلك أبدا، بالإضافة إلى أنهُ لم تكن هناك أي عروض أزياء في غرف الملابس كما يفعل العديد من اللاعبين في إيطاليا، ميسي والبقية كانوا يأتون إلى غرف الملابس ببدلات رياضية، ولم يحاولوا أبدا جلب الأنظار بتلك الطريقة، كذلك كان غوارديولا أيضا.

غوارديولا كان يبدو جيدا، فيأتي لي بعد كل فترة تدريب ويتحدث معي، أراد بحق أن يدخلني إلى أجواء الفريق، وفي الحقيقة، أجواء الفريق كانت خاصة، الأجواء كانت أشبه بأجواء مدرسة، عرفت ذلك على الفور، لقد كانت مثل أجواء نادي إياكس، لكن هُنا البرسا، الفريق الأفضل في العالم، توقعت أسلوبا أكثر قسوة وعنفاً في النادي بصراحة، لكن كل شيء كان هادئا وجميلا، والمجموعة كانت متفقة تماما، لهذا أحيانا كنتُ أفكر: هؤلاء اللاعبون نجوم كبار جدا، رغم ذلك يتصرفون وكأنهم طلاب مدرسة، قد يكون ذلك على سبيل التعاطف، من يدري؟

كانوا جميعهم يقفون بخط واحد مع غوارديولا؛ فقد لعب في النادي وحقق معهُ 5 أو 6 بطولات ليغا، كان قائد الفريق في عام 1997، وعندما وصلتُ إلى النادي كان هو مدرب الفريق منذ سنتين، ولقد حقق معهم نجاحات كبيرة، بالتأكيد كان مُدربا يستحق كل الاحترام، ومنذ البداية حاولت أن أتبعه بطبيعة الحال، لم تكن هناك أشياء غير معتادة بالنسبة لي، فلقد قمت بتغيير الأندية التي لعبت لها عدة مرات، ولم يسبق لي أن انطلقت منذ البداية وتحدثت عن وجوب ترتيب بعض الأمور، لا، فلقد كنت أشعر بالأجواء أولا، أعرف من هو القوي هُنا؟ من هو الضعيف؟ من هو الذي يقوم بالكلام المهم؟ وماهي نوعية المجموعة؟ حينما أعرف كل ذلك، تصبح لدي تصورات مسبقة عن كل ما يمكنني فعله للفريق، لهذا مع برشلونة حاولت ان أنخرط بهدوء وبسرعة.

الصحف الإسبانية كتبت أنني ذلك الولد السيئ، والذي يحتاج إلى مساعدة الآخرين. هذا الأمر جعلني أحاول إثبات العكس، وبالفعل، قمت بالعمل على ذلك، وبدلا من أن أكون بشخصيتي المعروفة، أصبحت أحاول أن أكون ألطف شخص في العالم، وهذا تصرف غبي حقا مني، يجب ألا تترك كلام الصحف يؤثر فيك، فهذا تصرف غير احترافي.

لم يسبق أن حدث هذا الأمر لي، لكن رغم ذلك، لم تحدث أمور شنيعة وعظيمة، فلقد كانت الأمور تسير على ما يرام، كنت أقول لنفسي: حسنا سوف ينتهي هذا الأمر قريبا، سأعود لأكون كما كنت، ربما هي مجرد تخيلات وكوابيس، خاصة أن غوارديولا لم يكن وقحا معي حينها، إطلاقا، فلقد كان يؤمن بي، كان يرى كمية الأهداف التي أسجلها، والقيمة التي أعنيها للفريق، لكن رغم ذلك، لم يختف ذلك الشعور: غوارديولا يفهمني بشكل مختلف عن البقية؟" نحنُ هُنا نضع أقدامنا على أرض الواقع".

كنت ذلك الشخص الذي لم يفهم هذا الأمر، وفقا لما يقوله غوارديولا؟ لم أفهم حقا وكنت أحاول نسيان الأمر، كنت أقول لنفسي: ركّز، وانسَ هذا الأمر. لكن المشكلة استمرت، وبدأت أسأل نفسي أكثر وأكثر: "هل يجب على الجميع أن يكونوا متساوين في هذا النادي؟" لم يكن الأمر صحيا، لا يوجد أحد يساوي الآخر، الناس قد يتظاهرون بذلك أحيانا، لكن الاختلافات تظهر حتى من خلال العطاء والتضحيات التي يقدمها كل لاعب في الملعب، بالتأكيد، غوراديولا كان ناجحا، والنادي حقق معهُ الكثير، يجب علي أن أصفق له بسبب ذلك، فالفوز هو الفوز، لكن: بالنظر إلى ما حدث، أعتقد أن ما فعلهُ غوراديولا كان لهُ ثمن في المقابل، الثمن كانت تلك الشخصيات العظيمة التي طُردت من الفريق، فلم يكن أبدا من سبيل الصدف أن غوراديولا كانت لديه مشاكل مع أشخاص، مثل رونالدينيو وديكو وإيتو وهنري وأنا، فنحن لسنا "أشخاصاً عاديين".

كُنا نشكل تهديدا لغوراديولا، لهذا خطط للتخلص منا، وأنا أكرهُ مثل هذه التصرفات، فإذا لم تكن شخصا عاديا، لا أعتقد أنهُ يجب عليك أن تغير من طبيعتك، فلا يُمكن لأحد أن يكون بالمواصفات الكاملة. اللعـنة، لو كنت أحاول أن تتم مساواتي باللاعبين السويديين في فريق مالمو، لما كنتُ أجلس هُنا اليوم، الاستماع إلى بعض الأمور، وتجاهل بعضها، كان دائما هو أساس نجاحي الحقيقي، هذا الأمر لا ينطبق على الجميع، لكنهُ فعلا ينطبق علي، وغوارديولا لم يعط هذا الأمر أي اهتمام، كان يعتقد أن بإمكانه أن يقوم بذلك من أجلي، أن يجعلني على خط السواسية مثلما يفعل ميسي وأنييستا وتشافي، هؤلاء اللاعبون لا أقول أن هناك أي مشكلة فيهم، أبدا، بل على العكس، التواجد مع مثل هؤلاء اللاعبين في نفس الفريق كان أمرا رائعا فاللاعبون الجيدون دائما ما يحفزوني لفعل الأفضل، كنت أنظر لهم كما أنظر إلى أي لاعب بموهبة عظيمة: هل يمكنني أن أتعلم منه شيئا، هل يمكنني أن أدفع نفسي لأقدم الأفضل والأميز؟

لكن يجب أن تنظروا إلى تاريخ هؤلاء اللاعبين وخلفيتهم: تشافي جاء إلى البرسا بعمر 11 سنة، أنييستا جاء بعمر 12 سنة، وميسي بعمر 13 سنة، لقد تم تشكيلهم من قبل النادي، لم يقوموا بأي شيء غير تعلم طريقة النادي، وهذا بالتأكيد كان أمرا جيدا لهم، هكذا كانت تسير الأمور بالنسبة لهم، لكن ليس بالنسبة لي، لقد جئت من خارج النادي، قدمت ومعي شخصيتي التي كان يجب أن يوجد مكان لها، لكن لم يحدث ذلك في عالم غوارديولا الصغير.

الضغوطات كانت هائلة علينا جميعا قبل الكلاسيكو في ملعب الكامب نو، كانت هناك أحاديث كثيرة عن المدرب التشيلي للريال حينها بيلغريني، وعن احتمال إقالته إذا لم يفز الريال في المباراة، كانت الأحاديث تتركز علي وعلى رونالدو، وعلى كاكا وميسي، غوارديولا وبيلغريني، تحدثوا عن مواجهات شخصية، المدينة كانت تعج بالتوقعات، دخلت إلى غرف الملابس قبل اللقاء عند مسرح الشركة الراعية أودي، غوارديولا بدأ اللقاء بهنري في المقدمة، مع ميسي على اليمين وأنييستا على اليسار، المدرجات كانت مُظلمة، والملعب كان مضيئا، فلاشات الكاميرا كانت في كل مكان.

من البداية لاحظ الجميع ذلك: الريال كان أفضل، الفريق خلق الفرص الأكبر، في الدقيقة العشرين من اللقاء راوغ كاكا بشكل أنيق ورائع جدا ومرر ببراعة لرونالدو الذي كان متمركزا أمام المرمى بشكل جيد، لكنهُ أضاع الفرصة، فيكتور فالديز حارس مرمى فريقنا تصدى لها بقدمه، بعدها فقط بدقيقة هيغواين كاد أن يسجل، كان الأمر قريبا جدا، الريال كان قريبا من التسجيل وخلق العديد من الفرص، في حين أننا لعبنا بطريق مسدود وعانينا من كثرة التمريرات الخاطئة، التوتر بدأ ينتشر في الفريق، والجماهير بدأت تستهجن فقط تصرفات كاسياس عندما يتأخر في تنفيذ ركلة المرمى، ماعدا ذلك استمر الريال بالسيطرة على الشوط الأول الذي انتهى بنتيجة 0-0 وكنا محظوظين بذلك.

في بداية الشوط الثاني طلب مني غوارديولا إجراء عمليات الأحماء، ولقد كان ذلك شعورا لطيفا، يجب علي قول ذلك، الجماهير كانت تصرخ وتشجعني، وهذا أثر بي، لهذا قمت بالتصفيق لهم في المقابل، هنري خرج بعد 45 دقيقة وشاركتُ أنا، وكنتُ في حالة نفسية رائعة، لم أغب لفترة طويلة لكنني شعرت بذلك عندما دخلت إلى الملعب، ربما لأنني غبت عن لقاء دوري الأبطال في دور المجموعات ضد فريقي السابق أنتر ميلان، على كل أنا عدتُ الآن، وفي الملعب لم أفوت الكثير من الدقائق قبل أن أعلن عن نفسي، داني ألفيس استقبل الكرة على الجهة اليمنى، الظهير البرازيلي لديه سرعة وفكر هجومي وتمرير سريع، لاحظت وجود اضطرابات في دفاع الريال، وفي مثل هذه الوضعيات، أنا لا أفكر كثيرا، انطلقت مسرعا إلى العمق ووصلتني الكرة العرضية من ألفيس، تلقيت الكرة وأنا حر، واستقبلتها بتسديدة طائرة بقدمي اليسرى...هدف، المدرجات استيقظت على وقع ذلك الهدف، وشعرت بذلك فورا عبر جسدي كله: لن يوقفني أحد الآن.



اللقاء انتهى بنتيجة 1-0، كنت أنا جالب الانتصار، الجميع قام بتحيتي في كل مكان، لم يكن أحد في تلك اللحظة يشك في أنني أستحق تلك القيمة: 70 مليون يورو، كنت في أفضل حالاتي، بعد ذلك جاءت فترة التوقف الشتوية، ذهبت إلى الإجازة وقمت بالتزلج كما ذكرت لكم، وحظيت بوقت ممتع، لكنني بقيت مشدودا، وبعد بداية العام الجديد أصبح ذلك يؤثر في داخلي أكثر من أي وقت مضى، ولم أعد على سجيتي أبدا، هكذا شعرت، أصبحت مختلفا، شعرت بأنني أصبحت زلاتان غير واثق، في كل مرة كان يجتمع فيها مينو مع إدارة برشلونة كنت أسأله عما يقولونه عني.

لم يسبق لي أن أبديت أي اهتمام بهذه الأمور، كنت أحرص على أن ألعب بشكل جيد، ومن ثم دع الناس يتحدثون كما يريدون، لكن الآن، هذا الأمر أصبح أمرا مهما لدي، وهذا كان مؤشر على أنني لستُ بخير، ثقتي تحطمت وشعرت بأنني إنسان مُحبط، كنتُ بالكاد أحتفل عندما أسجل، لم أكن أغضب أبدا في الملعب، وهذا شيء غير جيد تماما، عانيت من أشياء لم أكن أعاني منها بتلك الحساسية، أنا رجل قوي، مررت بالكثير خلال حياتي لكن أن تحصل يوما بعد الآخر على نظرات وتعليقات تلمح إلى أنك مختلف، أو غير لائق، فهذا بالتأكيد سوف يؤثر فيك، كان الأمر وكأنني عدتُ بكل وقتي إلى الوراء، عدت إلى السنوات التي ما قبل انطلاقة مسيرتي، كنت فعلا أتحسس من أشياء بالكاد كنت أستطيع ذكرها، نظرات، تعليقات وبعض المواقف البسيطة التي لم أكن أهتم بها سابقا، كنت معتادا على تلك الضوضاء القاسية، نشأت معها منذ صغري.

المساهمون