(كتاب رونالدو 8)..التربية الإنكليزية وحكايات غرف الملابس

22 يوليو 2016
رونالدو بعد التوقيع مع مانشستر يونايتد (Getty)
+ الخط -


إذا كان رونالدو قادرا على فعل هذا في نصف ساعة فما الذي سيمكنه فعله في مباراة كاملة؟ سنفوز بالدوري مجددا وبدوري الأبطال أيضا.. هذا هو منطق المشجع التقليدي الذي طبقته الجماهير على البرتغالي.

بعد مواجهة بولتون بمباراتين دفع به فيرجسون بالتشكيل الأساسي أمام ولفرهامتون ولكن الظهير دينيس اروين لم يترك أمامه أي مساحة لدى استلامه الكرة ومنعه من الدوران والانطلاق ليسحبه المدرب الاسكتلندي بعد 67 دقيقة. باختصار لعب بشكل سيئ.

بدأت عملية تربية كريستيانو على الطريقة الإنكليزية، حيث يقص مهاجم ليستر سيتي جيمس سكوكروفت تعليمات مدربه ميكي آدمز له بضرورة تعريف رونالدو بـ"كيفية سير الأمور في الكرة الإنكليزية"، بمعنى أخرى "التحام قوي للترحيب به" وتلك الأشياء الأخرى الموجودة بين السطور.

يضيف سكوكروفت: "حاولت القيام بما طلبه المدرب ولكن نظرت لأجد رونالدو متقدما بـ20 ياردة أمامي". ربما لم ينجح ليستر في تقديم الترحاب المطلوب لرونالدو ولكن باقي دفاعات الدوري الإنكليزي فعلت هذا وأكثر.

في مباراة تشارلتون على سبيل المثال كانت كل الالتحامات قاسية ومن العيار الثقيل ورد فعل رونالدو كان سيئا: شكاوى كثيرة ومبالغات في السقوط كلها أمور رسمت صورة للاعب محبط. عاطفي. أجنبي. اكتساب تلك السمعة القادرة على تدمير مسيرة أي لاعب. كان أمامه تحدٍّ كبير إذا ما كان يرغب في النجاة بالـ"بريميير ليغ". لم يتعلق الأمر فقط بتجنب الالتحامات والتدخلات العنيفة، بل أيضا تغيير بنيته الجسدية وأسلوبه الكروي.

لهذا السبب توجه رونالدو في يوم من الأيام للإيطالي فالتر دي سالفو مدرب اللياقة البدنية ونظر في عينيه ثم قال: "أريد أن أصبح أفضل لاعب في العالم وأنت ستساعدني في هذا". قالها بإنكليزيته الضعيفة المضحكة التي جعلته في أيامه الأولى بالنادي يتسكع دائما مع مجموعة من اللاعبين الناطقين بالإسبانية مثل دييغو فورلان وكوينتون فورتشون والحارس ريكاردو وأيضا جيرارد بيكيه.

الصدر المنفوخ والقتل
يقول فيل نيفيل عن كريستيانو في أول أيامه: "كان يسير منفوخ الصدر في أيامه الأولى. واثقا من نفسه. كان ينظر بعينيه مباشرة إليك". كان عكس الصغار الذين كانوا يمرون في غرف الملابس دون التجرؤ على النظر لروي كين وجاري نيفيل أو ريان جيجز.

يضيف فيل نيفيل: "حينما وصل إلى هنا ربطته داخل ذهني بكانتونا. كريستيانو وصل إلى هنا قائلا: "هذا ليس شيئا ضخما، بل فقط المكان الذي أنتمي إليه". حينما تفعل مثل هذه التصرفات يجب أن تسدد الثمن. لا يمكن أن تخرج منها سليما ومعافى.

على سبيل المثال، الفتية الجدد دائما كانوا يرتدون ملابس لائقة وبشكل ملائم ولكن ليس كريستيانو الذي كان يرتدي ملابس مبهرجة بدت غير لائقة عليه. من هنا بدأت النكات والمزاح بخصوص الأمر.

يقول فورتشن: "كان يرتدي أضيق الملابس. أرماني أو أي علامة تجارية أخرى. سراويله كانت ضيقة للغاية. تقريبا هذه كانت الموضة في البرتغال. كانت هذه هي موضته وكنا نتلاعب معه ونقول (ألا توجد مساحة لشيء أخر أسفل في هذه المنطقة؟ يا روني تحتاج لأن تنظر على نفسك".

كان اللاعبون لا يكفون عن السخرية من شعره وأحذيته ونظاراته الشمسية وأسنانه وبشرته، لذا قرر سريعا تنفيذ علاج موسع لفكه ولجأ لاستخدام منتجات العناية بالبشرة.

يتحدث جاري نيفيل من منظور أخر ويقول: "كان يفرط في التدريبات وفي كل شيء ولكن الآن أنظر للماضي وأفكر قائلا: هذه معايير مرتفعة. أتذكر انه حينما كنت صغيرا فإن مدرب الشباب اريك هاريسون كان يقول إننا نمثل مانشستر يونايتد في أي شيء نفعله وإنه يجب علينا دائما التحلي بالذكاء وتنظيف شعرنا والظهور في أبهى منظر. لم أصل بالأمر حقيقة لهذا المستوى ولكن كريستيانو كان يرغب دائما في المثالية في كل شيء".

لم تتوقف النكات الثقيلة عند هذا الحد ففي بعض الأحيان في غرفة الملابس قد تسمع أحدا يقول "سمعنا أنك فقط تبقي قميص بيكهام دافئا وأنك تستخدم خزانته لحين عودته. سيسعد كثيرا بهذا بعد عودته". في بعض الأحيان كان كريستيانو يحاول الرد ولكن أحدهم يقول له: "تحدث معي حينما تلعب في كأس العالم"، لتنفجر غرفة الملابس بمقولة "آهااا.. لقد عرف من أين يمسكك. لقد قتلك.. قتلك!"

يعترف جاري نيفيل قائلا: "بالنظر الآن للماضي أعتقد أن هذه كانت غرفة ملابس صعبة للغاية. كان عليك أن تتحلى بالقوة للتمكن من الصمود فيها. بكل أمانة أظن أن هذا هو كان ما صنعه".

قصة المرآة
الآن هو أنسب وقت لقصة المرآة التي لها أكثر من رواية. تقول الأولى إنه حينما وصل كريستيانو لمانشستر اختار الخزانة المواجهة للمرآة، فيما تقول الثانية إن رونالدو كان من وضع المرآة أمام خزانة ملابسه، حيث يقول فيل نيفيل إنه وضع مرآة طولها متران هناك.

يقدم كوينتون فورتشن رواية أخرى حيث يقول "وصل الأمر بنا إلى وضع مرآة في خزانته حتى يتمكن من رؤية نفسه كما يرغب". على ما يبدو فإن اللاعبين كانوا يجدون في الأمر متعة ما.

يضيف جاري نيفيل بخصوص الأمر "كل ما أعرفه هو كالتالي: أولا هو كان لديه خزانة وثانيا كانت هناك مرآة على العمود بجوار الركن وثالثا فإن كريستيانو أحب تلك المرآة".

في التدريبات
كانت رغبة كريستيانو في ترك انطباع رائع تأخذه لنهايات لا يرغب فيها. كان يرغب في القيام بكل المهارات في التدريبات: المراوغة والكباري والكعوب وبكل شيء. كان اللعب مع الفريق وتسجيل الأهداف يحتل أهمية ثانوية في أولوياته. كان يرغب في أن يكون الأول في كل شيء واكتساب إعجاب وتقدير زملائه.

يقول فورتشن "في البداية كان يقول (سأمرر لك)، والذي غالبا ما يبدو مثل سماع عبارة (أنا الأفضل). كان يقول تلك العبارة وعلى وجهه الملامح التي تراها وهو يسجل هدفا. تلك النظرة".

يضيف فيل نيفيل من جانبه "اللاعبون الواثقون من أنفسهم يخضعون لاختبار في أول ثلاثة شهور". في يوم من الأيام قام سكولز بتدخل عنيف. في اليوم التالي كان الدور على كين. كانت هذه طريقة تعليمه كيف يختار مواجهاته الفردية بعناية وتعريفه بالوقت الملائم للمراوغة وقبل كل شيء جعله يسدد ثمن طريقة التعامل المتكبرة.

يظن البعض أن هذه القواعد غير المكتوبة هي الطريقة التي ينجو بها اللاعبون الاعتياديون في مانشستر يونايتد- عبر ذبح أي أونصة من الموهبة- ولكن في الحقيقة الامر يمكن تفسيره كآلية دفاعية ليس أكثر أو كطريقة لتفهم كرة القدم، فإذا كانت النتيجة 0-0 فلا داعي للإفراط في محاولة القيام بخدع سحرية وإذا كانت 1-0 أيضا بل واذا كانت 3-0 أو5-0. في مانشستر يونايتد عليك أن تفكر دائما في الطريقة الأكثر فاعلية للقضاء على منافسك.

خلاف مع فان نيستلروي
"لا يمكنني اللعب معه. إنه لا يمرر الكرة".. كان نيستلروي غالبا ما يصرخ بهذه العبارة في التدريبات ويضيف "لا يمكنني القيام بالركض لأنه لن يمرر الكرة". سمع ريو فرديناند المهاجم الهولندي يقول أكثر من مرة إنه لا يريد اللعب معه.

يشرح إدوين فان دير سار الأمر من جانبه قائلا "أعتقد أن رود كان معتادا على تلقي تمريرة من بيكهام في كل مرة لأن الأخير لم يكن لديه تلك القدرة على المراوغة، لذا فكان يجب عليه القيام بشيء أخر. رونالدو كان يمتلك السرعة والحيل اللازمة للتفوق على منافسيه".

كريستيانو كان جناحا بروح رأس حربة أو رأس حربة نفي إلى مركز الجناح. هذا هو الأمر ولكن هناك شيء أخر يتعلق بالجانب الإنساني وهو أن نيستلروي كان نجم اليونايتد حينما وصل كريستيانو الذي خلال وقت قصير تمكن من أسر عقول المشجعين.

الأمر بين كريستيانو والمهاجم الهولندي وصل لجوانب بعيدة حيث يقول فرديناند "جمعهما أكثر من نقاش. ركله رود في إحدى المرات واضطررت لركله بالمثل لحماية رونالدو قليلا".

وقع هذا الشجار قبل أخر مباراة في موسم 2005-2006 أمام تشارلتون حيث بدأ كريستيانو المباراة فيما لم يدخل نيستلروي في القائمة. بعدها لم يلعب الهولندي لمانشستر يونايتد مجددا.

السر وراء الغطس
قضى ريو فرديناند 18 شهرا يوجه لكريستيانو نفس النصيحة قبل كل مباراة "الأهداف وصناعتها"، فيما ذكره لاعبون أخرون بأنه عليه البقاء ثابتا وألا يغطس حتى لا يخسر فريقه النقاط. في الحقيقة كانت كل أنواع التدخلات والالتحامات تمارس ضده، ولكن المبالغة في الأداء المسرحي كانت تحرمه من أي شيء.

في يوم من الأيام تحدث معه فيرغسون بصراحة وقال "انظر.. لم نحصل على أي ركلة جزاء أو أي خطأ أمام ليدز لأنه في كل مرة تسقط. لم نحصل على أخطاء لأن الحكام ظنوا أنك كنت تغطس بسهولة. في المباراة التالية أمام تشارلتون في كل مرة لمست فيها الكرة أطلقت الجماهير صافرات الاستهجان وهذا يؤثر على الفريق. أنت تسقط بسهولة كبيرة".

يقول فيل نيفيل "كان يواجه صعوبات كثيرا لأنه لم يكن قويا بالصورة الكافية. كان يسقط كثيرا. لا أعتقد أنه حينها كان لديه القوة الكافية للعب تسعين دقيقة. لست واثقا اذا ما كان في تلك الفترة يعرف مفهوم اللعب للفريق. تميزه كان يعني له أن الفريق يجب أن يلتف حوله وليس أن يلتف هو حول الفريق. لكي تحدث رغبته كان عليه أن يستحق ذلك أولا".

العصا والجزرة وفيرغسون
في إحدى المباريات أمام بنفيكا لعب بشكل سيئ للغاية. كرر نفس الأخطاء ولم يقدر فيرغسون على احتواء غضبه واستدعاه لمكتبه وصرخ فيه "من تظن نفسك؟ أتحاول اللعب لنفسك؟ لن تصبح لاعب كرة قدم أبدا إذا ما قمت بهذا".

حاول كريستيانو الدفاع عن نفسه ثم انهمرت الدموع وجاء رد الفعل التقليدي منه: مواصلة العمل في التدريبات من أجل تحسين عيوبه فيما أن الفريق عمل على تذكيره بالأمر دائما عبر كوينتون فورتشن وريو فرديناند.

- ها هو يبكي في غرفة الملابس مجددا!

- فلتذهب للجحيم! ما الذي تتحدث عنه؟

-ابك يا طفل! ابك!

تعامل فيرغسون معه بسياسة العصا والجزرة. كان هذا هو أفضل طريقة لمعاملة فتى موهوب بهذه الطريقة، حيث يسأله أمام الفريق بأكمله لإحراجه حول خطأ ارتكبه، ثم يجلس بعدها بـ10 دقائق على انفراد ليحدثه بهدوء عن الأمر الصحيح وأن الكرة الإنكليزية مختلفة.

يقول كريستيانو "كان فيرغسون بمثابة والدي الثاني منذ وصولي لمانشستر. لا أحترمه فقط بل أشعر ناحيته بالعاطفة التي يكنها الابن لوالده".

اكتشف فيرغسون أن اللاعبين الذين اعتادوا على المناخ المشمس يعانون كثيرا حينما يحرمون منه، أو تحديدا حينما يبدؤون اللعب في إنكلترا، لذا كان في بعض الأحيان يمنح رونالدو عطلة للعودة لمنزله بحجج مثل متابعة تطوره البدني أو أي شيء أخر ولكنها كانت في الأساس لإعادة شحن بطاريات اللاعب.

يقول مايك فيلان "كان الجميع ينظرون حولهم ويتساءلون: لماذا حصل على عطلة؟" فيما يضيف فورتشن "ما كان يريده رونالدو كان يحصل عليه. كان المدرب يسمح بالكثير من الأشياء لأجل حمايته. لا تقفز عاليا. لا تتدخل معه بعنف. بل وكان يترك له تلك الحرية والثقة التي كان بالفعل يتحلى بها".

المساهمون