عاد الرقيب على الإعلام بقوة في الجزائر خلال الفترة الأخيرة، إذ تضرب السلطات إغلاقاً كاملاً على وسائل الإعلام الرسمية، من التلفزيون والإذاعة، بشأن التغطيات الصحافية للأحداث السياسية، وتمنع تغطية تظاهرات الحراك الشعبي والطلبة، كما تفرض رقابة صارمة على القنوات المستقلة التي تراجعت عن تغطية الحراك وصلت إلى منعها من استضافة شخصيات معارضة ودفعها إلى حالة من الرقابة الذاتية في تعاطيها مع بيانات المعارضة والمجموعات السياسية المناوئة لتدخل الجيش في الشأن السياسي.
قبل سنوات كان فوزي، وهو عقيد سابق في جهاز الاستخبارات، رقيباً على الصحف والقنوات. لا يعرفه صحافيون كثيرون، لكنهم سمعوا اسمه، فظله لم يفارق قاعات التحرير في الصحف والقنوات. لكن جهاز الاستخبارات في الجزائر وبعده الرئاسة لم يكونا الرقيب الوحيد على الخط التحريري لوسائل الإعلام الجزائرية، فالإشهار (الإعلانات) كانت الرقيب المادي الذي تلوي به السلطة ذراع أي مؤسسة صحافية لاعتماد المهنية والحياد، فضلاً عن الرقابة الذاتية التي تشكلت على مدى سنوات داخل قاعات التحرير.
بعد اندلاع تظاهرات الحراك الشعبي في 22 فبراير/ شباط الماضي، عاش الإعلام الجزائري فترة واهية من الحرية والانفتاح؛ بعض المعارضين الذين قضوا سنوات في لائحة الممنوعين من الإطلالة على القنوات والإذاعات الحكومية أصبحوا ضيوفاً في برامجها، والقنوات والصحف المستقلة رفعت سقف الحرية والنقاش السياسي، لكن الحال لم يدم طويلاً، إذ عادت السلطة ومن ورائها المؤسسة العسكرية تحديداً للإمساك بعقال الإعلام، وبدأت مساحات الحرية تتقلص أولاً داخل التلفزيون الرسمي الذي أطفأ كاميراته أمام تظاهرات الحراك الشعبي وأغلق ميكروفوناته على الناشطين والمعارضين السياسيين لتوجهات السلطة.
ويعتقد صحافيون في الإذاعة الرسمية أن "رقابة ناعمة في مؤسستهم تدفع الرقابة الذاتية، إضافة إلى تعليمات بتقليص مجال الحديث عن الحراك وتجنب استضافة المعارضين للانتخابات". وقالت صحافية في الإذاعة إن "الرقيب له أساليبه في بسط السيطرة على الخط التحريري، إذ طلب منا مرة إذاعة تقارير تضمنت كلمات ومفردات من قبيل الشرذمة والزواف (يطلق ضد كل شخص ينتقد قائد الأركان أو المؤسسة العسكرية)، ورفضنا ذلك لتنافيه مع الكرّاس المهني".
اقــرأ أيضاً
وقبل أيام ضاق الصحافيون العاملون في الإذاعة الحكومية ذرعاً بالرقيب والتضييق الممارس عليهم، وأعلنوا عن حركة احتجاجية لرفض المقص والتوجيه المستمر للأخبار، وهددوا بشن إضراب مفتوح عن العمل، بسبب "استمرار الرقابة على عملهم ومنعهم من تغطية الأحداث الوطنية، وعلى رأسها الحراك الشعبي منذ 22 فبراير/ شباط الماضي، والمطالبة باحترام حرية الصحافة". وكشف بيان صحافيي الإذاعة عن وجود قائمة شخصيات تمنع دعوتها للمشاركة في مختلف البرامج.
قد تكون مفهومة هيمنة السلطة على وسائل إعلام حكومية وفرض رقابة على خطها التحريري ومضمونها الإخباري، لكن الوضع يبدو أسوأ في عدد من الصحف المستقلة الموالية للسلطة وفي القنوات المستقلة، خاصة أن أغلبها ينشط في إطار غير قانوني، ما يسهل على السلطات غلقها في حال تجاوزت الخطوط المرسومة للصحافة. وأبرز مظاهر هذه الرقابة: قبل أيام نشرت 20 شخصية وطنية بياناً يدعو إلى تأجيل الانتخابات، لكن القنوات المستقلة لم تتفاعل معه ولم تبث سطراً واحداً منه، لكنها سارعت بعد وقت قصير إلى مواكبة عاجلة لتصريحات قائد الجيش، رغم أنها لم تحمل أي معلومة أو معطى سياسي جديد.
ورأت الصحافية أم الخير حميدي، التي تعمل في موقع إخباري بعد تجربة في قناة مستقلة، أن الوضع تفرضه حالة من "الرقابة الذاتية والتملق للسلطة للحصول على الإشهار أكثر منها حالة رقابة سلطوية". وأوضحت لـ"العربي الجديد"، أن "مالكي المؤسسات الإعلامية يحاولون تقديم خدمات مجانية، ويفضلون التملق للسلطة، فلا يهم نقل الحقيقة، بل ضمان حصتهم من الإشهار".
وحتى عندما تفلت صحف وصحافيون من الرقابة، كما هي الحال في صحيفتي "الخبر" و"الوطن"، فإن الرقيب ينتظر صحافييها في قاعات التحقيق؛ قبل أيام استُدعي صحافيان من "الخبر"، خالد بودية وبوعلام غمراسة، لدى جهاز الدرك للتحقيق معهما بشأن مصادر الأخبار ووثائق تتضمن معلومات رسمية نشرتها الصحيفة، وهذا في حد ذاته محاولة لترهيب كامل الجسم الصحافي، ناهيك عن مضايقات واعتقالات لصحافيين لمجرد أدائهم مهامهم وتغطية تظاهرات الحراك الشعبي، كما حدث مع مراسل قناة "الحرة" و"آر تي"، ومنع فريق قناة "التلفزيون العربي" من العمل إلى إشعار آخر.
في الغالب يجمع الصحافيون على ممارسة السلطة رقابة فعلية على وسائل الإعلام وضغوطاً مختلفة عبر أكثر من وسيلة، وهذا ما يفتح الباب واسعاً أمام تشكل حالة من الرقابة الذاتية في قاعات التحرير لاعتبارات عدة. وهناك صحف عدة عانت من التضييق، ففي بداية الحراك حدث "نوع من التحرر"، قال الصحافي العامل في موقع "الحوار" الإخباري، قدور جربوعة، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أن المؤسسة العسكرية سيطرت لاحقاً، وخاصة خطابات قايد صالح، مشيراً إلى أن "سجن معارضين زاد من خوف وسائل الإعلام". ولفت الصحافي جربوعة إلى أن "تورط جل وسائل الإعلام في دعم السلطة السابقة جعلها في عين الحراك الذي كان ينادي بمعاقبة ملاكها". وعلى الرغم من بعض التنديد الذي لقيته هيمنة السلطة والتضييق على الصحافيين ومنعهم من تغطية الحراك الشعبي، من قبل عدد من الشخصيات والأحزاب والتنظيمات المدنية والحقوقية المحلية والدولية، وبيانات المنظمات الصحافية في الجزائر والخارج، خاصة أنه يتزامن مع مناخ انتخابي يفترض أن تكون مساحات حرية الصحافة فيه أكبر بكثير، فإن ذلك لم يلجم السلطة عن نهجها، بل عادت إلى مراحل كان وضع الصحافة فيها أسوأ".
اقــرأ أيضاً
ورأى الأستاذ في كلية الإعلام، رضوان بوجمعة، أن تفكيك هذا الوضع يتطلب فهم العوامل المشكلة له، وهي غياب الديمقراطية وهيمنة السلطة والفساد المالي في علاقته بالإعلام. وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "الرقابة الذاتية موجودة عند الصحافيين منذ إلغاء المسار الديمقراطي في يناير/ كانون الثاني عام 1992، بسبب ضغط السلطة آنذاك والمحاكم والقتل، أما اليوم فهناك رقابة سلطة ورقابة حراس البوابة، أي هناك رقابة تفرضها السلطة منذ انتشار الفساد في المنظومة الإعلامية التي أغرقت في المال الفاسد ابتداء من 2009 على الأقل، حين اغتنى الكثير من الناشرين بسبب المال الفاسد ومال الريع الإشهاري والتمويل الخفي والظاهر لرجال المال الذين يقبع البعض منهم في السجون"، مضيفا أنه "بموجب ذلك تشكل جيل يتكون من الكثير من الصحافيين الذين يمارسون الابتزاز، ومديري مؤسسات إعلامية يفرضون الرقابة على الصحافيين الذين مع مرور الوقت أصبحوا مبرمجين على نوع من الرقابة الذاتية".
قبل سنوات كان فوزي، وهو عقيد سابق في جهاز الاستخبارات، رقيباً على الصحف والقنوات. لا يعرفه صحافيون كثيرون، لكنهم سمعوا اسمه، فظله لم يفارق قاعات التحرير في الصحف والقنوات. لكن جهاز الاستخبارات في الجزائر وبعده الرئاسة لم يكونا الرقيب الوحيد على الخط التحريري لوسائل الإعلام الجزائرية، فالإشهار (الإعلانات) كانت الرقيب المادي الذي تلوي به السلطة ذراع أي مؤسسة صحافية لاعتماد المهنية والحياد، فضلاً عن الرقابة الذاتية التي تشكلت على مدى سنوات داخل قاعات التحرير.
بعد اندلاع تظاهرات الحراك الشعبي في 22 فبراير/ شباط الماضي، عاش الإعلام الجزائري فترة واهية من الحرية والانفتاح؛ بعض المعارضين الذين قضوا سنوات في لائحة الممنوعين من الإطلالة على القنوات والإذاعات الحكومية أصبحوا ضيوفاً في برامجها، والقنوات والصحف المستقلة رفعت سقف الحرية والنقاش السياسي، لكن الحال لم يدم طويلاً، إذ عادت السلطة ومن ورائها المؤسسة العسكرية تحديداً للإمساك بعقال الإعلام، وبدأت مساحات الحرية تتقلص أولاً داخل التلفزيون الرسمي الذي أطفأ كاميراته أمام تظاهرات الحراك الشعبي وأغلق ميكروفوناته على الناشطين والمعارضين السياسيين لتوجهات السلطة.
ويعتقد صحافيون في الإذاعة الرسمية أن "رقابة ناعمة في مؤسستهم تدفع الرقابة الذاتية، إضافة إلى تعليمات بتقليص مجال الحديث عن الحراك وتجنب استضافة المعارضين للانتخابات". وقالت صحافية في الإذاعة إن "الرقيب له أساليبه في بسط السيطرة على الخط التحريري، إذ طلب منا مرة إذاعة تقارير تضمنت كلمات ومفردات من قبيل الشرذمة والزواف (يطلق ضد كل شخص ينتقد قائد الأركان أو المؤسسة العسكرية)، ورفضنا ذلك لتنافيه مع الكرّاس المهني".
وقبل أيام ضاق الصحافيون العاملون في الإذاعة الحكومية ذرعاً بالرقيب والتضييق الممارس عليهم، وأعلنوا عن حركة احتجاجية لرفض المقص والتوجيه المستمر للأخبار، وهددوا بشن إضراب مفتوح عن العمل، بسبب "استمرار الرقابة على عملهم ومنعهم من تغطية الأحداث الوطنية، وعلى رأسها الحراك الشعبي منذ 22 فبراير/ شباط الماضي، والمطالبة باحترام حرية الصحافة". وكشف بيان صحافيي الإذاعة عن وجود قائمة شخصيات تمنع دعوتها للمشاركة في مختلف البرامج.
قد تكون مفهومة هيمنة السلطة على وسائل إعلام حكومية وفرض رقابة على خطها التحريري ومضمونها الإخباري، لكن الوضع يبدو أسوأ في عدد من الصحف المستقلة الموالية للسلطة وفي القنوات المستقلة، خاصة أن أغلبها ينشط في إطار غير قانوني، ما يسهل على السلطات غلقها في حال تجاوزت الخطوط المرسومة للصحافة. وأبرز مظاهر هذه الرقابة: قبل أيام نشرت 20 شخصية وطنية بياناً يدعو إلى تأجيل الانتخابات، لكن القنوات المستقلة لم تتفاعل معه ولم تبث سطراً واحداً منه، لكنها سارعت بعد وقت قصير إلى مواكبة عاجلة لتصريحات قائد الجيش، رغم أنها لم تحمل أي معلومة أو معطى سياسي جديد.
ورأت الصحافية أم الخير حميدي، التي تعمل في موقع إخباري بعد تجربة في قناة مستقلة، أن الوضع تفرضه حالة من "الرقابة الذاتية والتملق للسلطة للحصول على الإشهار أكثر منها حالة رقابة سلطوية". وأوضحت لـ"العربي الجديد"، أن "مالكي المؤسسات الإعلامية يحاولون تقديم خدمات مجانية، ويفضلون التملق للسلطة، فلا يهم نقل الحقيقة، بل ضمان حصتهم من الإشهار".
وحتى عندما تفلت صحف وصحافيون من الرقابة، كما هي الحال في صحيفتي "الخبر" و"الوطن"، فإن الرقيب ينتظر صحافييها في قاعات التحقيق؛ قبل أيام استُدعي صحافيان من "الخبر"، خالد بودية وبوعلام غمراسة، لدى جهاز الدرك للتحقيق معهما بشأن مصادر الأخبار ووثائق تتضمن معلومات رسمية نشرتها الصحيفة، وهذا في حد ذاته محاولة لترهيب كامل الجسم الصحافي، ناهيك عن مضايقات واعتقالات لصحافيين لمجرد أدائهم مهامهم وتغطية تظاهرات الحراك الشعبي، كما حدث مع مراسل قناة "الحرة" و"آر تي"، ومنع فريق قناة "التلفزيون العربي" من العمل إلى إشعار آخر.
في الغالب يجمع الصحافيون على ممارسة السلطة رقابة فعلية على وسائل الإعلام وضغوطاً مختلفة عبر أكثر من وسيلة، وهذا ما يفتح الباب واسعاً أمام تشكل حالة من الرقابة الذاتية في قاعات التحرير لاعتبارات عدة. وهناك صحف عدة عانت من التضييق، ففي بداية الحراك حدث "نوع من التحرر"، قال الصحافي العامل في موقع "الحوار" الإخباري، قدور جربوعة، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أن المؤسسة العسكرية سيطرت لاحقاً، وخاصة خطابات قايد صالح، مشيراً إلى أن "سجن معارضين زاد من خوف وسائل الإعلام". ولفت الصحافي جربوعة إلى أن "تورط جل وسائل الإعلام في دعم السلطة السابقة جعلها في عين الحراك الذي كان ينادي بمعاقبة ملاكها". وعلى الرغم من بعض التنديد الذي لقيته هيمنة السلطة والتضييق على الصحافيين ومنعهم من تغطية الحراك الشعبي، من قبل عدد من الشخصيات والأحزاب والتنظيمات المدنية والحقوقية المحلية والدولية، وبيانات المنظمات الصحافية في الجزائر والخارج، خاصة أنه يتزامن مع مناخ انتخابي يفترض أن تكون مساحات حرية الصحافة فيه أكبر بكثير، فإن ذلك لم يلجم السلطة عن نهجها، بل عادت إلى مراحل كان وضع الصحافة فيها أسوأ".
ورأى الأستاذ في كلية الإعلام، رضوان بوجمعة، أن تفكيك هذا الوضع يتطلب فهم العوامل المشكلة له، وهي غياب الديمقراطية وهيمنة السلطة والفساد المالي في علاقته بالإعلام. وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "الرقابة الذاتية موجودة عند الصحافيين منذ إلغاء المسار الديمقراطي في يناير/ كانون الثاني عام 1992، بسبب ضغط السلطة آنذاك والمحاكم والقتل، أما اليوم فهناك رقابة سلطة ورقابة حراس البوابة، أي هناك رقابة تفرضها السلطة منذ انتشار الفساد في المنظومة الإعلامية التي أغرقت في المال الفاسد ابتداء من 2009 على الأقل، حين اغتنى الكثير من الناشرين بسبب المال الفاسد ومال الريع الإشهاري والتمويل الخفي والظاهر لرجال المال الذين يقبع البعض منهم في السجون"، مضيفا أنه "بموجب ذلك تشكل جيل يتكون من الكثير من الصحافيين الذين يمارسون الابتزاز، ومديري مؤسسات إعلامية يفرضون الرقابة على الصحافيين الذين مع مرور الوقت أصبحوا مبرمجين على نوع من الرقابة الذاتية".