مصر: النظام يحاول إبعاد الشباب عن نقابة الصحافيين

22 سبتمبر 2018
إلغاء "المادة 37" يستبعد شباب الصحافيين (أحمد إسماعيل/الأناضول)
+ الخط -
تكشف تسريبات مشروع قانون نقابة الصحافيين المصرية الجديد عن محاولة النظام الحالي، برئاسة عبد الفتاح السيسي، إزاحة شباب الصحافيين تمامًا عن إدارة نقابتهم والإبقاء على الجيل القديم.

فقد أثار صحافيون مصريون أخيراً بعض تسريبات مواد قانون نقابة الصحافيين الجديد الذي يحاول النقيب عبد المحسن سلامة تمريره قبل الانتخابات المقبلة، في مارس/ آذار، خاصة المواد التي تقترح إلغاء انتخاب 6 من أعضاء مجلس النقابة "تحت السن" أي ممن لم يمضِ على عضويتهم أكثر من 15 عامًا.

وتنص "المادة 37" من قانون النقابة الحالي "رقم 76" لسنة 1970 على أن "يشكل مجلس النقابة من النقيب و12 عضوًا ممن لهم حق حضور الجمعية العمومية نصفهم على الأقل ممن لم تتجاوز مدة قيدهم في جدول المشتغلين 15عامًا".

وُضعت هذه المادة في القانون ضمانًا للتنوع العمري في مجلس النقابة وإتاحة الفرصة لشباب الصحافيين للمشاركة في صنع واتخاذ قرارات متعلقة بنقابتهم ومهنتهم، لكن إلغاءها سيعني أن أعضاء مجلس النقابة بالكامل يجب أن يكون قد مضت على عضويتهم في النقابة 15 عامًا حتى يحق لهم الترشح، ما يعني أن المجلس سيسيطر عليه جيل واحد فقط.

يتساءل الصحافي حازم حسني، المعارض لهذه التعديلات: "ما الضرر الواقع على الجماعة الصحافية من وجود مادة في قانون النقابة 76 لسنة 70 التي تضمن وجود 6 صحافيين شباب (بحكم كونهم تحت 15) في مجلس النقابة؟! لا يوجد أي ضرر.. بل على العكس، هذه المادة تضمن تمثيل كل الأعمار في مجلس نقابتهم سواء الزملاء الذين مضى على عضويتهم 15 سنة أو من لم يمضِ على عضويتهم 15 سنة".

وأضاف "طيب ليه بقى عبد المحسن عاوز يلغي كوتة تحت السن من مجلس نقابة الصحافيين؟ في تقديري: أولًا تنفيذاً لتعليمات السلطة التي تريد نقابة لا تعبر عن مصالح الصحافيين، وبما إنها نجحت في ذلك خلال آخر سنتين بالبلطجة، فهي تريد أن تضمن ذلك بالقانون".

وفسر الصحافي من خلال منشور عبر "فيسبوك"، أنه "طبيعي لما عبد المحسن يلغي كوتة الشباب، فهذا معناه أن من سينجح في الانتخابات رؤساء تحرير الذين هم أقلية في النقابة (آلاف الصحافيين تحت إمرة عشرات الصحافيين رؤساء التحرير) والذين يستطيعون صنع علاقات وشعبية وشهرة بحكم كونهم رؤساء تحرير وبالتالي المجلس هيعبر عن الأقلية التي غالباً ما تتظلم الأغلبية ضدهم في النقابة".

وأشار الصحافي أيضًا إلى أن هذه المادة من شأنها "ضمان سيطرة هؤلاء الذين لم يلتزموا بقرارات المحررين الذين يعملون تحت أيديهم في الجمعية العمومية".

يرى حسني أن "الزملاء تحت 15 سنة أكثر تحرراً من حسابات الزملاء فوق الـ 15 وبالتالي ستضمن السلطة غياب أي صوت معبر تعبيراً حقيقياً عن قوة وثورة الشباب في ضربات كثيرة مقبلة متوقعة".

ولنقابة الصحافيين المصرية تجربة هامة بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني، حين انضم لعضوية مجلس نقابتها، مجموعة من شباب الصحافيين ذوي الاتجاهات والتيارات الفكرية المتحررة من قيود النظام الحالي، بل والمعارضة له.

فقد فاز عمرو بدر بمقعد في مجلس النقابة في الانتخابات الأخيرة التي جرت في مارس/ آذار عام 2017، بعدما كان هو نفسه رمزًا لصدام الصحافيين والنقابة مع وزارة الداخلية المصرية التي اقتحمت النقابة قبلها بأشهر للقبض عليه وزميله محمود السقا.



ونشبت أزمة طاحنة بين نقابة الصحافيين المصرية ووزارة الداخلية في الأول من مايو/ أيار عام 2016، على خلفية اقتحام قوات من الشرطة المصرية مقر نقابة الصحافيين المصرية وسط القاهرة، للقبض على الصحافيين المعتصمين داخلها، عمرو بدر ومحمود السقا، على خلفية مواقفهما الرافضة لاتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية في 8 أبريل/ نيسان من عام 2016، وبموجبها تم نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.

وتطورت الأزمة بدعوة مجلس نقابة الصحافيين لاجتماع جمعية عمومية طارئ، شارك فيه آلاف الصحافيين، ورفعوا مطالبهم وهي اعتذار من الرئاسة، وإقالة وزير الداخلية، والإفراج عن الصحافيين المعتقلين وغيرها من المطالب التي أصر عليها الصحافيون الغاضبون، فيما لم تلتزم بها المؤسسات الصحافية إلا بضعة أيام، بعد ممارسة ضغوط عليها من قبل رجال الأعمال المالكين لها والحكومة.

وتفاقم الأمر بإحالة نقيب الصحافيين يحيى قلاش، وعضوي مجلس النقابة، جمال عبد الرحيم وخالد البلشي، للمحاكمة، بتهمة إيواء مطلوبين للعدالة. وصدر حكم من الدرجة الأولى بالسجن المشدد عامين وكفالة 10 آلاف جنيه لكل منهم، في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2016.
خرج عمرو بدر من السجن، وترشح لعضوية مجلس النقابة "تحت سن 15 عامًا" وفاز باكتساح.

كما أن شباب الصحافيين في مجلس النقابة الحالي هم من يتصدون للقوانين المكبلة للحريات ويسارعون لإنقاذ الصحافيين الذين يُلقى القبض عليهم أو يُعتدى عليهم على خلفية عملهم بمعدل شبه يومي.



وعلى الرغم من الدور الهام الذي لعبه شباب الصحافيين في الفترة الأخيرة، فالبعض يخشى من إحباطهم وتراجعهم، وهو ما عبر عنه الكاتب الصحافي محمد حماد، رئيس تحرير صحيفة "العربي"، في رسالة قال فيها "عندي كلمة أتوجه بها مباشرة إلى أذن شباب الصحافيين: مصيبة كبيرة ومرارة شديدة أن أشعر ـ بعد كل هذه السنين ـ أن شباب المهنة لا يولي الأهمية اللائقة بقضية قوانين الصحافة وقانون النقابة المزمع تمريره وسط هوجة العدوان المستمر على المهنة وعلى النقابة، نحن تحملنا نصيبنا ـ كما فعل الذين سبقونا ـ من النضال النقابي للحفاظ على الصحافة والنقابة، ومستقبلنا صار خلفنا، أما أنتم فالمستقبل كله لكم، وأمامكم، فاختاروا لأنفسكم ولمهنتكم ولنقابتكم ما يليق بها وبكم، تقاعسكم اليوم ستجنون ثماره المُرة غداً".

وأضاف "لست أدعوكم لشيء غير أن تهتموا، أن تنزعجوا، أن تغضبوا، ألا تتقاعسوا عن نصرة أنفسكم والدفاع عن أبسط حقوقكم، قانون النقابة يخص كل واحد فيكم، النقابة هي بيتكم الحامي لكل أعضائه والمدافع عن كل المنتسبين إلى هذه المهنة العظيمة التي يُراد لها اليوم أن تسكت إلى الأبد. ألا هل بلغت، اللهم فاشهد".

ووافقته الرأي الصحافية وفاء عادل: "لا تتعب نفسك أستاذ محمد.. معظم شباب الصحافيين عاشوا فى عهد لا قيم إلا قيم المال.. والفساد الذي كان مقنَّناً فلم يعودوا يروا شيئاً عيب ولا حرام. اعذرهم. فلا قدوة وتم التنكيل بالمدافعين عن الحق ولم يتحرك أحد للدفاع عنهم. اليوم كل صحافي يجري لتأمين أكل عيشه ويشوف مصلحته. عصر المعارضين العظام قد ولى للأسف إلا من رحم ربي".



لكن عمرو بدر رأى العكس: "أنا مؤمن جداً بالأجيال الجديدة ومقتنع تماماً إنهم موجودين معانا وجنبنا وبيحاولوا.. المشكلة إن المناخ العام صعب جداً وحجم وحاصر قدرتهم على التفاعل مع المهنة والنقابة.. وغضبهم وشعورهم بالظلم والتهميش صدر لهم إحباط مؤقت.. لكن يقيني إن ساعة الجد بيكونوا حاضرين في أول الصفوف.. لأنهم أبناء للمهنة وللنقابة".

وكان نقيب الصحافيين الحالي، عبد المحسن سلامة، أعلن الانتهاء من إعداد مشروع جديد لقانون النقابة وعرضه على المجلس في أقرب وقت، لكن أعضاء في مجلس النقابة نفوا علمهم بهذا القانون أو النية في تعديله، وأصدروا بيانًا أعربوا فيه عن رفضهم لممارسات النقيب، وقالوا فيه "إن قانوناً بهذه الأهمية لا يمكن أن يحتكر وضعه أحد، بل هو حق أصيل لأعضاء الجمعية العمومية للنقابة، ولا يمكن القبول باستبعاد كل الأجيال والرموز المهنية والنقابية وكل الخبرات من المشاركة في وضع قانون يحكم عمل النقابة ودورها وتأثيرها".

وأكدوا أن "الرغبة في الإسراع بوضع قانون نقابة الصحافيين وتمريره يثير الكثير من الشكوك وعلامات الاستفهام، ويطرح عشرات الأسئلة عن المستفيد حقاً من التعديل، ويظهر الأمر كأن هناك من يريد تفصيل قانون خاص يخدم به مصالحه ورغبته في الاستمرار في مواقع معينة داخل النقابة ومجلسها، ويستبعد آخرين من وجودهم بالمجلس والعمل النقابي بشكل عام".

الموقعون هم: جمال عبد الرحيم، ومحمد خراجة، ومحمود كامل، ومحمد سعد عبد الحفيظ، وعمرو بدر، ونصفهم "تحت السن".
المساهمون