"باريس اليوم"... سورياليّة نظريّة المؤامرة

05 ديسمبر 2018
استخدمت فرنسا العنف مع المتظاهرين (الأناضول)
+ الخط -
لا يفوّت إعلام النظام السوري فرصةً للتعليق على جميع الأحداث العالميّة والمحوريّة، ولكن بطريقته الخاصة. وعادةً لا يقوم بالتعقيب على تلك الأحداث بغرض مواكبته للأحداث العالمية، كهدف وسائل الإعلام الأساسي، وإنّما للمقارنة بين ما يحدث في الخارج والداخل السوري. ويأتي تحليل تلك الأحداث بسياقٍ واحد، مفاده أنّ ما تعيشه "الدول المتحضرة" من أزمات هو "نتيجة تمويلها للإرهاب في سورية"، وإيصال رسالة سياسية مفادها أنّ سورية في ظلّ نظام بشار الأسد "تعيش حالةً مثاليّةً من الأمان"، والدليل هو ما يحدث في الدول الأخرى.

وفي ظلّ الاحتجاجات في العاصمة الفرنسية باريس التي عُرفت باسم "السترات الصفراء"، أطلقت شبكة "دمشق الآن" الإعلاميّة التابعة للنظام السوري وسمي "#دمشق_اليوم # باريس_اليوم"، بهدف المقارنة بين ما يجري حالياً في مدينتي باريس ودمشق. وبدأت الشبكة بنشر الصور والفيديوهات التي تُظهر الحرائق والخراب في الشانزليزيه، مقارنةً بـ"الحياة الطبيعة والهادئة في ساحة الأمويين في العاصمة دمشق"، إضافةً إلى مقاطع فيديو توثّق العنف الممارس من قبل السلطة على أصحاب "السترات الصفراء" ومقاطع فيديو أخرى توضح "التآخي والانسجام بين المواطنين السوريين والسلطات، حيث يسير المواطنون بجانب العساكر بكل أمان في دمشق".

رسالة الفيديوهات واضحة، وهي أنّ فرنسا اليوم "تنال نصيبها من الإرهاب تحت مسمّى الحريّة"، وذلك ثمناً لـ"دعمها الثورة السورية"، في حين أنّ النظام السوري استطاع القضاء على الإرهاب، أما فرنسا فهي عاجزة عن ذلك. ورغم كثرة التعليقات الساخرة على تلك المقارنة الغريبة بين باريس ودمشق اليوم، إلا أن الفيديو حقق غرضه الأساسي، إذ أعاد نشره المئات من الناشطين المؤيدين للنظام السوري، مرفقين الفيديو بعبارة مفادها أن العدالة الإلهية تحققت ونالت فرنسا من الخراب ما نالته سورية، إضافة إلى التأكيد على فكرة أن الحياة في سورية هي أكثر أماناً واستقراراً من الحياة في فرنسا.

تبدو الفكرة التي يحاول إعلام النظام السوري الترويج لها مضحكة للغاية، خصوصاً أنّ منصات إعلامه التلفزيونية تبنّت وجهات نظر مختلفة عن الموضوع، ففي قناتي "سما" و"الإخبارية السورية"، انتقد الإعلاميون "قمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمظاهرات أصحاب السترات الصفراء"، لا بل نصحه المحلّلون السياسيون في تلك القنوات بالاستماع إلى مطالب الثوار وإيقاف أي أعمال عنف ضدهم، وانتقدوا سياسية فرنسا التي تزعم بأنها أرض الحريات، وتقوم في الوقت ذاته بقمع الحرية في أرضها والدعوة إلى تطبيقها في سورية.

وبات موضوع "الثورة الفرنسية" أحد أبرز المواضيع التي يتداولها إعلام النظام السوري، وخُصّصت لمناقشته ساعات طويلة من البرامج الحواريّة التي أثمرت عن أفكار ورؤى غريبة حول الموضوع. فعلى قناة "الإخبارية السورية"، دعا المحلّلون السياسيون "الدول الصديقة إلى مساندة الشعب الفرنسي في محنته"، من خلال عقد مؤتمر تحت عنوان "أصدقاء فرنسا" لمساعدة الشعب الفرنسي على التخلص من نظام ماكرون، وتفاخروا بأنّ سورية سوف تكون أول الدول الداعمة لإدارة الشعوب وتقرّ بحقها في الاختيار.

ومن الأفكار الغريبة والمتناقضة التي نجمت عن البرامج التحليلية عن القنوات السورية، أنّ ماكرون هو ضحية مؤامرة أميركية بحتة، إذ رأى بعض المحللين أن "ماكرون كان يحاول أن يقود الاتحاد الأوروبي إلى الاستقلال التام بعيداً عن أميركا، وفي سعيه إلى ذلك قام بالاتحاد مع الحليف الروسي، ممّا حرك الأميركيين إلى انتزاعه من مكانه وخلق فوضى وثورات مدفوعة للتخلص منه بالاستعانة بحزب اليمين المتطرف، لتتم مقاربة ماكرون ببشار الأسد الذي سعى إلى استقلال بلاده فحوصر بالمؤامرات".


الأمر نفسه تقريباً ذهبت إليه وسائل إعلام روسيّة رسمية، إذ قارنت وسائل إعلام رسمية روسية عدة، منذ الأحد، التظاهرات العنيفة التي قامت بها حركة "السترات الصفراء" في فرنسا بعدة "ثورات" شهدتها جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق في السنوات الماضية، معتبرةً أن الولايات المتحدة لها دور فيها، لأنها تريد معاقبة الرئيس الفرنسي، بحسب ما نقلت وكالة "فرانس برس".

وكتبت صحيفة "روسيسكايا غازيتا" الرسمية، في مقالة طويلة حول أعمال العنف التي هزّت باريس وعدة مدن فرنسية، أن "إضعاف ماكرون، وصولاً الى حصول فرصة لاستقالته، يصبّ في مصلحة ترامب". وأضافت "يكفي التذكير بأن رئيس الجمهورية الخامسة أعلن نفسه في الآونة الأخيرة زعيماً للاتحاد الاوروبي، مدافعاً عن فكرة إنشاء جيش أوروبي مستقل عن الولايات المتحدة ودافع بشدة عن الاتفاق النووي الإيراني".

وفي مقالة نشرت يوم الاثنين، اعتبرت كاتبة في وكالة "ريا نوفوستي" العامة للأنباء أنّ الحجج بأن الولايات المتحدة لها دور في الحركة الاحتجاجية "مقنعة جدا".

وكان المقدم المعروف في شبكة "روسيا-1" ديمتري كيسيليف قد بدأ الحديث عن هذا الأمر في برنامجه يوم الأحد، معتبرًا أنه من المستحيل أن تكون "زيادة طفيفة لأسعار الوقود وراء مشاهد نهب وتعبئة للشرطة وتصاعد الدخان وإطلاق نار ودماء وسحب الغاز المسيل للدموع"، مضيفاً "هذا الأمر يشبه تصدير أميركا لثورة ذات شعار بلون، وكل هذا لأن الرئيس ماكرون تحدّث عن ضرورة تشكيل جيش أوروبي".

يُذكر أنّ رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب، أعلن أمس الثلاثاء عن تراجع الحكومة بشكل مؤقت عن خطة للزيادة في الضرائب والتي تسبّبت باندلاع الاحتجاجات.