"لو كانار أنشينيه"... البطة المقيدة تواصل الطيران منذ قرن

08 يوليو 2016
تبيع أسبوعيًا نحو 390 ألف نسخة (غابريال دوفال/فرانس برس)
+ الخط -
في 5 يوليو/تموز من سنة 1916، أي قبل قرن من الزمن، أُعلن في فرنسا عن ولادة صحيفة ساخرة "مشاغبة"، باسم لا يخلو من الطرافة: "لو كانار أنشينيه" (البطة المقيَّدة/ le canard enchainé). وبعد كل هذا الوقت الذي سادت فيه صحفٌ ثم بادت، لا تزال "لو كانار أنشينيه" تمارس شغبها "الجديّ" في البحث عن الحقيقة، وإدانة الفساد، أينما كان. 
ولا يمكن لأحد أن يصنِّف التوجّه الأيديولوجي لهذه الصحيفة، التي فضحت وأدانت كل تجاوزات السلطة والأحزاب وكل التيارات. ولا تزال هذه الصحيفة الفرنسية، التي تنهال عليها المعلومات من كل صوب وحدب (تأتيها، طوعاً، حتى من داخل كواليس الحكومة ومن داخل الأحزاب)، تحافظ على تميزها وفرادتها وحريتها، رغم محاولات السلطة استمالتها، أحيانًا، والتجسس عليها وتوريطها، أحيانًا أخرى، لكن من دون طائل. وظلت "البطة المقيّدة"، على موعد مع جمهورها، كل يوم أربعاء، وهو نفس يوم صدور صحيفة "شارلي إيبدو" الساخرة، ولا يزال جمهور وفيٌّ يُحيطها بعنايته، "ولم يَشِبْ، شعرةً واحدة"، كما يُقال.
تتّخذ الصحيفة من عبارة "يمكن أن تُقلّم ريشي ولكنّك لن تنال جلدي"، شعاراً لها. ويقول عنها مديرها الحالي، ميشيل غايارد: "لقد تأسست كرد فعل على البروباغاندا الحكومية، ولكن أيضًا كردّ فعل على صحف تلك الحقبة، القادرة على القول بأن الرصاصات الألمانية تخترق الأجساد ولكنها لا تقتل".
ولا يخفي مديرها الحالي أن ّمن مظاهر الفخر أن الصحيفة حافظت على الذهنية الأصلية لروادها الأوائل. ولا تتوقف فرادة الصحيفة، التي تبيع أسبوعيًا نحو 390 ألف نسخة، عند كونها لا تزال صامدة في وجه الزمن، وحريصة وغيوراً على حريتها، ولكن أيضًا، في قدرتها على التأقلم مع الثورة المعلوماتية التي عرفتها الصحف، أي التأقلم مع الزمن الرقمي، وما تعرفه الصحف الورقية من أزمات، دفعت بعضها إلى الانكفاء على الطبعات الرقمية فقط.
وفي سنة 2014، حقّقت هذه الصحيفة الأسبوعية، التي تصدر كل يوم أربعاء في ثماني صفحات، ولم يتغيّر ثمنها (1 يورو وعشرون سنتيمًا أو ما يعادلها)، منذ سنة 1991، أرباحًا تقدَّر بمليونَين و400 ألف يورو. وعلى الرغم من أن نجاح منافسها الرئيسي في فرنسا، "ميديا بارت"، يمكن تفسيره بالطاقات التي يوفرها النيت، إلا أن "لو كانار إنشينيه" لا تزال مترددة في الانفتاح على هذا العالَم، وإن كانت تفكر، على الأقل، في وضع أرشيفها الثري في الشبكة وتحت تصرف القراء والباحثين.
وبهذه المناسبة، التي لن تتكرر، ربما، قبل مائة سنة أخرى، أصدرت الصحيفة عددًا خاصًا بالمناسبة يتضمن أربع صفحات إضافيّة، تستعيد بعض القضايا والفضائح التي فجرتها، ومن بينها فضيحة المجوهرات التي حصل عليها الرئيس الفرنسي، فاليري جيسكار ديستان، من قبل بوكاسا، ديكتاتور أفريقيا الوسطى، وأيضًا فضيحة رئيس الوزراء، جاك شابان ديلماس، الذي تهرّب من الضريبة خلال أربع سنوات، وأيضًا فضيحة السكن الاجتماعي، التي كان الرئيس شيراك وجوبيه ضالعين فيها. بالإضافة إلى تنصّت المستشار بْويسون على رئيسه، نيكولا ساركوزي، وثروة جان- ماري لوبين وغيرها... عدا عن أنها ستصدر يوم 6 أكتوبر/ تشرين الأول القادم، عن دار سُويْ، كتابًا ضخمًا من 650 صفحة.
كما يُذكر أنّ هناك صحيفة أسبوعية مغربية، تصدر منذ سنوات، وتستلهم نظيرتها الفرنسية، وتحمل اسم "البطة المتحررة"، أو الطليقة، وإن كانت الحرية والجرأة نسبيّتَيْن.