سفيان ونذير... عودة الشائعات إلى المربع الأول

26 سبتمبر 2018
لفّت الشائعات قضية الصحافيين منذ بدايتها (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أنّ تواتر أخبار العثور على جثّتي سفيان الشواربي ونذير القطاري من حين إلى آخر، أفقد هذه الأخبار الكثير من مصداقيتها وجعل الأطراف المتدخلة في القضية تتعامل معها بالكثير من الحذر. فرغم أن قناة "النبأ" الليبية أعلنت عن خبر العثور على جثتي الشواربي والقطاري شرق مدينة درنة الليبية، إلا أن الخبر لم يلق الاهتمام من قبل الكثير من التونسيين.

وفي ساعة متأخرة من مساء الإثنين 25 أيلول/ سبتمبر، نشر الناشط الليبي خالد درنة تدوينة على صفحته في "فيسبوك" أعلن فيها أنه "سيتم الكشف عن موقع دفن جثامين الصحافيين التونسيين سفيان الشواربي ونذير القطاري في غابة بومسافر وانتشالهما منها بعد خطفهما في سبتمبر 2014 وقتلهما، الأول ذبحاً بالسكين والآخر رمياً بالرصاص من قبل عناصر تنظيم (داعش)".

وتحدث خالد درنة عن تفاصيل عملية خطف سفيان الشورابي ونذير القطاري، إذ قال: "جاءت عملية خطفهما بعدما كانا معتقلَين لدى جهاز حرس المنشآت النفطية السابق بآمره المدعو إبراهيم جضران، وأثناء تنقلهما من أجدابيا إلى طبرق ومروراً عبر بوابة (النوار) الواقعة جنوب مدينة درنة. وهذا ما أدلى به الإرهابي (عبدالرزاق ناصف بطاو) في برنامج وثائق خاصة في 7 يناير 2017"، ليتم بعد ذلك تداول الخبر من عديد وسائل الإعلام الليبية وبعض الصفحات التي أكدت العثور على جثتي سفيان ونذير.

واختفى الصحافيان بعد توجههما إلى الأراضي الليبية يوم 6 أيلول/ سبتمبر 2014 لإعداد ريبورتاج لصالح قناة "فيرست تي في" التلفزيونية الخاصة حول حرس المنشآت النفطية، ليتم إيقافهما في مرحلة أولى ويتم إطلاق سراحهما بعد ذلك ليختفيا بعد يومين، أي في 8 أيلول/ سبتمبر 2014 وتنقطع أخبارهما ما عدا بعض التصريحات من هنا وهناك حول عملية قتلهما والعثور على جثتيهما؛ إذ سبق لجماعة تابعة لتنظيم "داعش" الإرهابي، فرع برقة الليبية، أن أعلنت في 8 يناير/ كانون الثاني عام 2015 عن تصفيتها الصحافيين، ليتضح بعد ذلك أن المعلومات التي تم تسريبها غير صحيحة.

كما أعلنت وكيلة شؤون حقوق الإنسان في وزارة العدل التابعة لحكومة طبرق الليبية، سحر بانون، في 29 إبريل/نيسان عام 2015، عن مقتل سفيان الشواربي ونذير القطاري على يد مجموعة مسلحة تتكون من ليبيين ومصريين، وقالت إنّه تمّ القبض على المجموعة واعترف أفرادها بقتل الصحافيين التونسيين من دون تحديد مكان دفنهما.

هذا التكرار في عملية الكشف عن قتلهما من دون تأكيد الخبر يجعل تسريب خالد درنة ووسائل الإعلام الليبية فاقداً المصداقيّة، وهو ما أكدته والدة نذير القطاري، سنية رجب، التي نفت في اتصال مع "العربي الجديد" ما تمّ نشره قائلةً: "نذير وسفيان حيّان ما دام لم يثبت التحليل الجيني عكس ذلك. ليست كل مقبرة فيها جثتهما وليست كل رفات هي لهما وليست كل حكاية تحكى هي عن مقتلهما"، طالبةً من الجميع مراعاة الظروف النفسية للعائلتين وعدم التسرع في إيراد الأخبار من دون التأكد منها.



رأي ذهب إليه الكثيرون في تونس، ومنهم السلطات التونسية التي لم تبد أي ردّ فعل عما نشر. لكن مصادر مقربة من الحكومة التونسية أكدت لـ"العربي الجديد" أنّ هناك حذراً في التعامل مع هذا الملف، خصوصاً أنّ بعض الأطراف الليبية تريد توظيفه من أجل تصفية حسابات سياسية في الصراع الدائر حول مناطق النفوذ فى الأراضي الليبية، وأن الموقف التونسي يبنى على معطيات واقعية يتمّ تقديمها من قبل أطراف رسمية لا عن طريق بعض الأخبار التي ترد من هنا وهناك دون التأكد منها عملياً.

ويبدو أنّ مصدر الخبر الأساسي، خالد درنة، يسوّق لطرف سياسي ما في المعادلة السياسية الليبية المعقدة، مستغلاً حادثة اختفاء سفيان ونذير؛ إذ قال بعد ساعات من نشره الخبر الأول إنه "قريبا، سيكون عرض انتشال جثماني الصحافيين التونسيين من غابة بومسافر في مدينة درنة والذي استغرق لأكثر من 12 ساعة في "البحث والانتشال" وبوجود الهلال الأحمر - درنة مشكورا". وأضاف موجهاً الشكر لطرف سياسي ما بالقول: "الحدث الأهم والأكبر ومن الإنجازات الأمنية والعسكرية المهمة والدالة على دقة العمل الأمني والاستخباراتي وتتبع خيوط الجريمة وما أسفرت عنه التحقيقات الدقيقة لإخراج الحقيقة والجهد الإعلامي الحربي والمواكب للأحداث الأمنية والعسكرية".

من ناحيتها، لم تؤكد النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين الخبر. وعلى لسان عضو مكتبها التنفيذي فوزية الغيلوفي في اتصال مع "العربي الجديد"، بيّنت أن تواتر أخبار العثور على جثتي سفيان ونذير دون التأكد من حقيقة الأمر يجعل الخبر ضعيفا خصوصاً أنّه سبق أن تمّ إيراد مثل هذه الأخبار ليتضح بعد ذلك عدم صحتها، طالبة من كل العاملين على الملف التثبت قبل بث هذه الأخبار التي يكون لها الوقع السيئ على عائلة الصحافيين التونسيين.

النقابة الوطنية للصحافيين ترى وبعض المنظمات التونسية والدولية أن الحلّ الأسلم في التعاطي مع قضية سفيان ونذير هو تدويلها، حتى يتمّ التخلص من ضغط تصفيات الحسابات الداخلية الليبية على حساب سفيان ونذير، وبالتالي تولي محكمة العدل الدولية البحث في القضية من خلال تقديم ملف لها.

واعتبرت أن قضية سفيان الشواربي ونذير القطاري ليست خبراً تبثه قناة أو تدوينة يكتبها ناشط لفائدة هذا الطرف الليبي أو ذاك، بل قضية تتعلق بصحافيين دفع الكثير من أجل عملهما وعائلات تترقب الأخبار حول مصيرهما.


المساهمون