"إعلام الأمراء": كيف تسيطر السعودية على الصحافة المصرية؟

29 اغسطس 2017
(جيانلويغي غويرسيا/فرانس برس)
+ الخط -
"كنت أقف في صالة تحرير جريدتنا المستقلة، عندما قرر رئيس التحرير حذف خبر عن السعودية، لم أفهم حينها، فقد كان الخبر مهنياً وسننفرد به، تساءلت مستفهماً، فأجابني: (هل تريد أن تتوقف تأشيرات الحج؟.. زملاؤك يفرحون بها). حينها لم أستوعب أي تأشيرات؟ ولكني بعد ذلك أدركت الأمر". 
هكذا أدلى أحد الصحافيين المصريين، بشهادته للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، عن سيطرة المملكة العربية السعودية على الإعلام في مصر.

الشهادة التي تضمّنتها دراسة أعدتها الشبكة، بعنوان "إعلام الأمراء، كيف سيطر الإعلام السعودي؟" تضمنت ما رواه الصحافي نفسه عن أن "ما شاهدته بنفسي بعدها أن وزارة الإعلام السعودية تستضيف للحج كل عام العشرات من رؤساء تحرير وكتاب ومقدمي برامج تلفزيونية استضافة كاملة، تتضمن تذاكر السفر والإقامة والتنقلات، عبر دعوات يوجهها السفير السعودي في القاهرة للإعلاميين أصدقاء المملكة. وأغلب المؤسسات الصحافية سواء القومية أو المستقلة تحصل على عدد من التأشيرات، وبعض الجرائد تُجري قرعة بين الزملاء والبعض الأخر يحتكر رؤساء التحرير وعائلاتهم رحلات الحج".

ولفتت الدراسة الصادرة في 70 صفحة، إلى وثائق ويكليكس التي تسربت في يونيو 2015، ما وصف بأنه ربما يكون تفاصيل عن طلبات تمويل مقدمة من الصحافي مصطفى بكري والداعية عمرو خالد.

كما أن هناك وثيقة مسربة بعنوان "فاتورة وكيل مؤسسة دار الهلال". ووفقا لويكليكس، فهي مذكرة من رئيس إدارة الشؤون الإعلامية في الخارجية السعودية إلى وكيل وزارة الثقافة والإعلام في المملكة، يطلب فيها صرف شيك بمبلغ 68 ألف دولار أميركي لدار الهلال المصرية.

وجاء في الطلب الذي قدم في فبراير/شباط 2012، أن هذه الأموال لأن دار الهلال نشرت حلقات أسبوعية خلال موسم حج 1432 هجرية عن الإنجازات التي حققتها المملكة العربية السعودية في مجال توسعة الحرمين الشريفين والمشاريع التي تم تدشينها مؤخراً.

وأفادت برقية بعنوان "الاعتذار لصحيفة مصرية" موجهة من وزارة الثقافة والإعلام لسفارة المملكة في القاهرة، أنّه بعدما تلقّت وزارة الثقافة والإعلام خطاباً من رئيس مجلس الإدارة رئيس تحرير جريدة مصرية، مشفوع به نسخ من الجريدة وفاتورة بمبلغ (5000) ريال سعودي، لقاء نشر موضوع بمناسبة اليوم الوطني الحادي والثمانين، وطلبه صرف قيمتها.



لماذا هذه السيطرة؟
تحت عنوان "لماذا هذه السيطرة؟ أجابت الدراسة "إذا كانت السعودية تسعى للسيطرة على الإعلام وأصحاب الأقلام في بلدان صديقة، فكيف مع بلدان أخرى معادية أو تريد السعودية اختراقها".

أفادت الدراسة "تستطيع الإجابة على هذا السؤال وأنت تشاهد قناتك المفضلة. فأنت الآن تشاهد القناة العربية الأشهر للأفلام الأميركية، وفجأة يطل عليك هذا الإعلان: "سميت بالثورة الخضراء.. أخفيت بعصبة سوداء.. بحث عن الحقيقة فوجد أبشع أساليب القمع والإرهاب.. عن قصة حقيقية لأكبر الملفات الإيرانية إجراماً"، معلقة "بهذا الحماس في الدفاع عن حقوق الإنسان بثت فضائية MBC2 السعودية، على مشاهديها إعلانا عن فيلم ضد القمع ستعرضه قريبًا".

وأكدت الدراسة أن MBC صدّرت دعايتها على مواقع التواصل الاجتماعي بأن هذا الفيلم: عن قصة حقيقية تعرض القمع والاعتقالات والإرهاب الإيراني. صحافي إيراني يفضح ذلك في فيلم rosewater الذي بث في 28 إبريل/نيسان 2017 على MBC2، مروجا بوسم #خريف_الملالي، الذي أضاف البعد السياسي بصورة لا لبس فيها، لعرض فيلم موضوعه "القمع" الذي تمارسه السلطات الإيرانية وتعرّضها لحقوق الإنسان، وتزامن عرض الفيلم مع موسم الانتخابات الرئاسية والبلدية في الجمهورية الإسلامية، وهي الانتخابات التي أسفرت عن فوز حسن روحاني.

واستنتجت الدراسة أن "القنوات الترفيهية أضحت في خدمة راعي الإسلام السني ضد الدولة الشيعية، والصراع السعودي الإيراني يطل إليك في بيتك وأنت تشاهد أفلامك المفضلة، عبر مشاهد مؤثرة يصحبها خطب عن القمع والاعتقالات والانتخابات".

"السعودية كانت وراء قرار حجب عدد كبير من المواقع الإخبارية المصرية"، استنتاج آخر توصلت إليه الدراسة، إذ قالت "نعم هي السعودية. حجبت الجهات المعنية في المملكة العربية السعودية مواقع الإعلام القطرية على شبكة الإنترنت، بما في ذلك قنوات الجزيرة والمواقع الإلكترونية للصحف القطرية. وجاء الحظر السعودي للمنافذ الإعلامية القطرية بسبب اختلاق تصريحات لأمير قطر واختراق وكالة الأنباء القطرية "قنا"، لنقل هذه الفبركات، وادعاء مواقف دعم الجماعات المتطرفة والتحريض على الأحداث في البحرين، وبرروا الحظر في رسالة على الموقع تنص "عفواً الموقع المطلوب مخالف لأنظمة وزارة الثقافة والإعلام".

وأضافت الدراسة "في السعودية تم حجب مئات آلاف المواقع لأسباب سياسية واجتماعية ودينية. وحجبت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية 600 ألف موقع على مدار العامين الماضيين كانت غير مدرجة تحت مخالفات الجرائم المعلوماتية. وصرحت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية، في إبريل 2017، بأنه تمت معالجة أكثر من 900 ألف رابط مخالف عام 2016. داعية مستخدمي الإنترنت في المملكة إلى الإبلاغ عن المواقع الإباحية، كما صرحت بأنها حجبت 68 بالمائة من مواقع نسبة الإباحة بها تجاوزت 92 بالمائة، مشيرة إلى أنه تمت معالجة روابط مسيئة للأطفال بلغت أكثر من 1300 رابط".



كيف بدأت السيطرة؟
سؤال طرحته الدراسة وأجابت عنه "في البدء كانت الصحافة. جميع الصحف الصادرة في المملكة العربية السعودية مملوكة للقطاع الخاص، لكنها بشكل ما أو بآخر كلها تحت سيطرة الدولة، هذه هي الريادة السعودية الإعلامية منذ اللحظة الأولى".

وأضافت "نظريا لا شيء تابع للدولة، ولكن عمليا كل شيء ملك للدولة. فمنذ اللحظة الأولى والصحف السعودية خاضعة كليا، فلا يسمح بإطلاق جريدة إلا بأمر ملكي. ومنذ سبعينيات القرن الماضي بدأت السعودية، عبر قاطرة جريدة الشرق الأوسط، وهي إحدى الصحف الرائدة في الصحافة العربية، تعود ملكية الجريدة للأمير تركي بن سلمان آل سعود".
وبحسب الدراسة "الشرق الأوسط ومعها الحياة اللندنية كانتا رأس حربة الإعلام السعودي. واللافت أنهما صدرتا من لندن، ليكون بعد ذلك نفس الأمر، لا إعلام سعودياً ذا طابع إقليمي وموجها للعرب ينطلق من السعودية".

أما عن التلفزيون، فأكدت الدراسة أن الانطلاقة كانت عندما توفي الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، في 23 يناير/كانون الثاني 2015، عن عمر يجاوز 91 عاماً. عندما تحولت كل القنوات الأكثر تأثيرا والأعلى مشاهدة إلى إذاعة القرآن الكريم، فعلت ذلك قنوات الأفلام الأجنبية، قنوات الأفلام العربية، القنوات الترفيهية، القنوات الدينية. الإعلام العربي توقف.. لأن الإعلام العربي - في أغلبه- سعودي.

وعلى الرغم من تأكيد الدراسة على تأخّر الإعلام السعودي المحل، مقارنة بالدول العربية الأخرى، إلا أن هذا التأخر السعودي الكبير أعقبته صحوة هائلة، ولكن هذه المرة في مجال الفضائيات، فمجموعة آرا السعودية تأسست في لندن عام 1990، لتطلق MBC كأول فضائية عربية من دبي. ثم انطلقت مجموعة راديو وتلفزيون العرب art التي أسسها رجل الأعمال السعودي صالح كامل عام 1993 بعد انسحابه من قنوات إم بي سي، وهي أول قنوات عربية تعتمد على التشفير والاشتراك بمقابل مادي ومقرها الرئيسي في مدينة جدة السعودية، ثم أضيفت إليها مجموعة أوربت التي تعتمد على التشفير والاشتراك فيها بمقابل مالي، ويملكها الأمير بندر بن محمد آل سعود.

وهناك قنوات مجموعة المجد التابعة لشركة علا نجد السعودية، وهي قنوات توصف بأنها "إسلامية" مقرها الرئيسي الرياض، لكنها بدأت بثها من دبي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2002، ولديها استديوهات في دبي والرياض وعمّان والقاهرة، وتضم شبكة قنوات فضائية سعودية تقول إنها تعمل وفقا لما تسميه "الضوابط الشرعية الإسلامية"؛ قناة المجد العامة، المجد للقرآن الكريم، المجد للحديث النبوي، المجد العلمية، المجد الإخبارية، المجد الوثائقية، المجد الطبيعية، راديو دال للأطفال، المجد للأطفال، بسمة للأطفال، المجد فكر والعب، ماسة المجد، روضة للأطفال، قناة ماسة المجد، القنوات الآمنة للأسرة، قناة المجد الفضائية، شبكة قنوات فضائية سعودية متنوعة ذات ضوابط شرعية. وكذلك هناك قناة سبيس تون المملوكة لرجال أعمال سعوديين بالتعاون مع شركة يابانية موجهة للأطفال، مقرها الرئيسي جدة، وتبث من البحرين.



إيبسوس... والصراع على الأكثر تأثيرًا
"أفادت الدراسة بأنه، في مارس/آذار 2015، كشف تقرير لاتحاد إذاعات الدول العربية، أن عدد القنوات الفضائية التي تتولى بثها أو إعادة بثها هيئات عربية عامة وخاصة بلغ 1394 قناة، واعتبر اتحاد إذاعات الدول العربية أن الطفرة في عدد الفضائيات سببها تنامي دور القطاع الخاص".

"تبدو الأرقام بالغة الضخامة، بل وارتفعت قليلاً، خلال العامين الأخيرين. لكن مَن المسيطر، ومن الأهم والأكثر تأثيراً، وما هو تأثير هذه الفضائيات ومكانتها في العالم العربي؟ هذه الأسئلة قد تبدو بسيطة، ولكن الوصول إلى معلومة في العالم في مجال الميديا صعب، والأسوأ أنها أسئلة مفخخة، إذ إن الأرقام ليست بالضرورة تعبر عن الحقيقة، لأن مصدر الأرقام نفسه تحوم حوله شكوك" بحسب الدراسة، التي أشارت إلى أنه، في ديسمبر/كانون الأول 2014، صدرت عن شركة الأبحاث الشهيرة ipsos قائمة بأكثر القنوات مشاهدة لدى الجمهور المصري، في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، كشفت أن MBC مصر تتصدر الأعلى مشاهدة، متفوقة على cbc وcbc سفرة والحياة وصدى البلد، بل ومتفوقة كذلك على القناة الأولى (ماسبيرو)، في حين جاءت MBC مصر2 في المركز السابع قبل النهار ودريم 2 وروتانا سينما".

"ولكن الأمور ليست بهذه البساطة"، بحسب الدراسة "فقد حررت مجموعة من الفضائيات المصرية: النهار والحياة وسى بى سى وأون تى في ودريم، عدة محاضر تشكو فيها من تضررها الأدبي والمادي من ما وصفته بالتلاعب والتزوير الذي تقوم به شركة "إيبسوس" لصالح قنوات أجنبية في إصدار تقارير نسب المشاهدة الخاصة بالقنوات الفضائية".
وتوصلت الدراسة إلى أنه "من الواضح أن المنافسة لا تتعلق بمجرد ضخ أموال فقط، ولكن من الجليّ أن هناك أبعاداً أخرى للصراع في سوق الإعلام العربي".




من المسيطر؟

"هناك مجموعة محددة من أصحاب الإمبراطوريات الإعلامية السعودية، وبالطبع القاسم المشترك بينهم هو انتماؤهم للعائلة المالكة السعودية، وأبرزهم اسمان يتصدران كل المشهد. وليد آل براهيم بن عبد العزيز آل إبراهيم مالك قنوات تلفزيون الشرق الأوسط MBC، وأخ الجوهرة أرملة الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، العاهل السعودي السابق"، هكذا تجيب الدراسة عن سؤال "من المسيطر". وتضيف "ولكن رأس حربة المجموعة وذروة سنامها هو قناة العربية الإخبارية وهي فضائية لا تتبع النظام السعودي بشكل رسمي ولكنها في نفس الوقت تكاد تعد الناطق الرسمي باسمه".
وأضافت الدراسة "انتقد المذيع حافظ الميرازي الإعلام السعودي الذي لا يجرؤ على انتقاد الملك السعودي بينما يعطي لنفسه الحق في انتقاد بقية الرؤساء، وأعلن أنه سيقدم استقالته حال لم يفسح له المجال لنقد النظام السعودي كما ينتقد النظام المصري إبان الربيع العربي"، وكانت النتيجة أن الميرازي لم يظهر على شاشة "العربية" بعدها.
اختتمت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان دراستها بـ"السعودية لا تكتفي باستخدام قنوات الأخبار والمنوعات كمخلب قط في صراعها الإقليمي الطائفي، كما لا تكتفي بتشريع قوانين داخلية تعاقب بالسجن على تهم فضفاضة تسجن كل شخص ينتج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، عن طريق الشبكة المعلوماتية. بل تتوسع بضم صحف وصحافيين تحت عباءتها، فضلا عن محاولات السيطرة على الإنترنت بحجب المواقع التي تعتقد أنها تتنافى مع الدين أو المواقع التي تتهمها بأنها تروج للإباحية".

وأضافت الدراسة "أيضا فالسعودية تواصل نشاطها ليمتد إلى داخل البلدان العربية حتى أنها تتهم بالتلاعب في نتائج استطلاعات المشاهدة لصالح الفضائيات السعودية على حساب الفضائيات المملوكة لجهات وبلدان أخرى. ولا تستثني هذه السيطرة الصحف المصرية، بل إنها عبر رحلات الحج حينا والإعلانات أحيانا تنجح كثيراً في هذه السيطرة، حتى أن الأمر يصل إلى أن تعتبرها جهات أمنية مصرية قدوة في عالم حجب مواقع الإنترنت وفرض الرقابة عليها".

"ووسط إنفاق هائل وإمبراطوريات إعلامية ضخمة، وبينما أمراء العائلة المالكة يسيطرون على نسبة هائلة مما هو مرئي أو مقروء، يمتد الأثر لإذكاء وترسيخ رؤى تمزج بين السياسي والديني في ثوبه الديني المتشدد، رؤى الدولة السنية ضد الدولة الشيعية في جانب، وتسفيه الجدل أو حق النقد وإعلاء قيمة الطاعة لرجال الدين وأولي الأمر من جانب آخر، وما بين مادة إعلامية موجهة ومنتقاة وإعلاميين يتم شمولهم بالعناية والهدايا والرعاية، تتوارى رسالة الإعلام ودوره، من ناقل مراقب وناقد إلى شاكر ومادح ومدجن. ليتحوّل من إعلام الجمهور إلى إعلام الأمراء"، بحسب الدراسة.