3 أفلام قصيرة لبنانية: تحريك موفَّق وكلام مُفيد

11 أكتوبر 2023
فادي أبي سمرا في "أبواب": فنّ الأداء الأصيل (الملف الصحافي)
+ الخط -

 

المشترك بين 3 أفلام، فائزة بجوائز "مسابقة الأفلام القصيرة"، في الدورة الـ28 (25 سبتمبر/أيلول ـ 4 أكتوبر/تشرين الأول 2023) لـ"مهرجان السينما الأوروبية" (لبنان)، يتمثّل بكمٍّ كبيرٍ من القهر والخيبة والانكسار، ومعاندة القدر والواقع، والبحث عن منفذٍ إمّا بعد اغتسال غير واضحة نتائجه، وإمّا بتعرية روح وذاتٍ، لعلّ في التعرية خلاصاً منشوداً. ورغم أنّ فيها فسحة أملٍ بخلاصٍ، ملتبس أو غامضٍ، أو لحظة انكشافٍ صافٍ، فالطاغي يقول إنّ قسوة الألم أقوى، والغرق في نزاعٍ غير منتهٍ مع أشباح الماضي، ومع كوابيسه وأسئلته المعلّقة، أعنف من كلّ بادرة مُضيئة في عتمة خانقة.

الجوائز معنوية: حضور الفائزين/الفائزات دورات مقبلة لـ3 مهرجانات سينمائية أوروبية، تموّله مراكز ثقافية وسفارات أجنبية عاملة في بيروت. "2019" لآية دبس وشهناز عمرو وحسن علي ونضال القاضي ويوسف طليح: جائزة "معهد غوته" في بيروت (مهرجان ألماني)؛ و"رجل الغراب" ليوهان عبد النور: جائزتا "المعهد الفرنسي في لبنان" و"الجمهور" (وهذه جديدة، والمهرجان فرنسي)؛ و"أبواب" لريبال شديد: جائزة السفارة البولندية في بيروت (المهرجان بولندي).

الفيلمان الأولان مُنجزان بتقنية التحريك. الأول نتاج "مرسم الحكايا" (مبادرة تعليمية مستقلّة في فنّ التحريك، 2022 ـ 2023)، والثاني "ماجيستر في التحريك" (الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة، 2023). التمرين يُنتج صُوراً تعكس فداحة خرابٍ يتفشّى في مدينة أو فرد. التقاط نبض حياة، مرتبكة وهائمة في متاهة قهرٍ ودمار، مُترجَم بمتتاليات فنية جميلة، رغم السواد القابض على النبض والحياة معاً. عائلة مؤلّفة من أبوين وابنة في مدينة غير متوقِّعَة سقوطاً لها في أسودٍ مُتشعّب الأسباب، وصبيّة تواجِه غرباناً سود اللون لحماية جدٍّ، وتخرج إلى المدى الواسع للمواجهة. الابنة تلعب في منزلٍ متواضع، والأبوان يستمعان إلى نشرة أخبار تلفزيونية. الصبيّة متنبّهة إلى غرابٍ غير مُنفَكٍّ عن إزعاجها في هدأة غرفة تضمّها مع جدّها النائم. الابنة فرِحة بما لديها، والصبيّة ساعية إلى أمانٍ، كأنّه مؤجّل.

فجأة، يبدأ الأسود بالتهام الأبنية، قبل دخوله المنزل وانقضاضه على الابنة، التي تكتشف جانباً آخر من حياة، تظنّها هادئة، والجانب هذا موحش وقاسٍ وبغيض (2019). الصبيّة تطارد غرباناً، وتمرّ في لحظة، يُسيطر فيها الأزرقُ على المشهد، قبل بلوغها حالة، يُفترض بها (الحالة) أنْ تكون صفاءً وسكينة لها (الصَبيّة)، بعد دهشة إزاء فعلٍ لجدّها يُنهي ذاك النزاع (رجل الغراب). يدٌ تمتدّ لإنقاذ الابنة من مُصابها، واليد للأم؛ ويدٌ أخرى تُعين على إنهاء ذاك النزاع الحادّ، واليد تلك للجدّ.

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

هذا بعض الناتج من المُشاهدة. الفيلمان يمتلكان مساحة أوسع لمعاينة قلقٍ واضطراب وتوتر، والتحريك مشغولٌ بشيءٍ من حِرفيّة تشي ببراعة في رسم الشخصيات (معظمها غير واضحة المعالم والملامح كلّياً، فبعض الغموض متوافقٌ وحالاتٍ تُصوِّر وقائع وانفعالاتٍ)، وسرد الحكايات من دون كلامٍ.

غياب الكلام في "2019" و"رجل الغراب" يُقابله كلامٌ كثيرٌ في "أبواب" ("العربي الجديد"، 3 إبريل/ نيسان 2023)، من دون أنْ يكون ثرثرة. شخصيتان فقط تظهران معاً في البداية، ففريد (فادي أبي سمرا) يتناول طعاماً مع ابنه رواد (ريبال شديد) قبل عودته إلى عمله في دولة خليجية. شيءٌ من توتّر، يتحوّل لاحقاً إلى نزاعٍ يكشف مسائل مخبّأة، أو غير مُنتَبَهٍ إليها كفاية، أقلّه من أبٍ يظنّ أنّ ما يفعله في الخليج يهدف إلى اهتمامٍ بعائلة. سريعاً، يُصبح فريد وحيداً في المشهد. دخوله غرفة نوم رواد، الذي يستحمّ، يفتح أبواب الجحيم. سبب الدخول؟ يريد الأب معرفة ماذا يفعل الابن في غرفته. لديه شكّ في أنّ شيئاً "غير سوي" يحصل. جارور مغلق في مكتبٍ يُزيد من غضبه، ورواد يخرج من الحمّام، وفريد يتمكّن من إغلاق باب الغرفة بالمفتاح. اتصالات هاتفية مع الزوجة/الأم (رولا بو منصور) لتهدئة الوضع، فالكلام المتبادل بين فريد ورواد (غير الظاهر أبداً، إذْ يكتفي ريبال شديد بنبرة صوتية لتعبيراتٍ مختلفة عن حالاتٍ وانفعالات وذكريات) كاشفٌ وفاضحٌ وقاسٍ.

"أبواب" (فيلم التخرّج، "جامعة القديس يوسف"، 2022) مرآة ذاتٍ. الاشتغال السينمائي فيه أهمّ من "الحكاية" وسردها، إنْ يكن الفيلم مبنياً، فقط، على حكاية وسردٍ لها.

المساهمون