11 عنواناً عربياً في "أفلامنا": يوميات قهر وتحدّ وذاكرة

02 ابريل 2021
علي سليمان في "200 م" لأمين نايفة: فنّ التعبير الصامت (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -

 

استعادة منصّة "أفلامنا" نشاطها السينمائي، بعد توقّف أشهرٍ قليلة لبلورة هذا المشروع الجديد لـ"جمعية بيروت دي سي"، تؤكّد أهمية التواصل الثقافي والفني بين أفلامٍ عربية ومُشاهدين يرغبون في اكتشاف نتاجات السينما العربية، وبعض جديدها على الأقلّ يستحق صفة التجديد أيضاً، وإنْ بتواضع يتلاءم وأحوال الإنتاج السينمائي العربي الراهن.

الاستعادة تبدأ، في مارس/ آذار 2021، بتظاهرة "هل كلّنا فدائيّون؟" ("العربي الجديد"، 11 مارس/ آذار 2021)، المتضمّنة أفلاماً من فلسطين وعنها، مُنجزة في ستينيات القرن الـ20 وسبعينياته، وأحدها مُنتج عام 2016 ("خارج الإطار، ثورة حتى النصر" لمهند اليعقوبي). التظاهرة التالية معقودة على أفلامٍ، تُشارك الجمعية نفسها في دعم إنتاجها، مُنجزة كلّها بين عامي 2017 و2020، وبعضها معروضٌ في مهرجانات دولية.

"مدار بيروت دي سي" عنوانٌ يقول إنّ الجمعية راغبةٌ في عرض نتاجات عربية معنيّة بهموم فردية في بيئات عدّة. الأفلام الـ11، المختارة للعرض في الأسابيع المقبلة، متنوّعة الاشتغالات، لكنّها تشترك في قراءة يوميات المعاناة البشرية في دول عربيّة، تعيش أهوال ماضٍ غير مدفون، وخراب حاضرٍ يُعطِّل كلّ مساءلة وتذكّر ونبشٍ في "المحظور" الذي تفرضه سلطاتٍ ورقابات. تقول الجمعية، في تعريفها الـ"مدار"، إنّ البرنامج يشتمل على "أفلامٍ اجتماعية الصبغة، واقتباسات لروايات أدبية عالية المستوى، وأفلام حرب، ودراسات تاريخية، وقصص لاجئين، وتصوير جريء لمهمّشين من لبنان وتونس والسودان وفلسطين وسوريا". يُضيف التعريف أنّ الأفلام "تعكس الجماليات المتنوّعة للسينما العربية المعاصرة من جهة، والسياسات العربية المتبدّلة في الأعوام الـ20 الماضية، من جهة أخرى".

ذاكرة الحرب اللبنانية ماثلةٌ في الفيلمين الروائيين، "جدار الصوت" (2019، 93 دقيقة) للّبناني أحمد غصين (بين 29 مارس/ آذار و4 أبريل/ نيسان 2021)، و"1982" (2019، 100 دقيقة) للّبناني الأميركي وليد مونس (بين 19 و25 أبريل/ نيسان 2021). والحرب اثنتان: أولى أهلية (1975 ـ 1990)، يختار مونس منها مرحلة الاجتياح الإسرائيلي (1982) عبر قصص قليلة، أبرزها قصة حبّ بين مُراهِقَين في مدرسة تطلّ على بيروت (1982)؛ وثانية إسرائيلية ضد لبنان (2006)، تبقى مجرّد لحظة تاريخية لقراءة وقائع وذكرياتٍ، ولطرح أسئلة عن الموت والهوية والحبّ والعلاقات والمقاومة والثقافة ("جدار الصوت"، "العربي الجديد"، 29 و31 يناير/ كانون الثاني 2020). لكنّ الحرب نفسها غير ظاهرةٍ وغير طاغية وغير مُباشرة. ظلالها حاضرة، وتأثيراتها واضحة، وأدواتها مكشوفة؛ ومع هذا، لا جيوش ولا معارك ولا دماء، وإنْ يكن صوت الحرب مسموعاً، وأشباح جنود إسرائيليين تمرّ قليلاً خلف زجاج منزلٍ.

 

 

حربٌ أخرى يُرتَكز على آثارها في الوثائقيّ "نحن من هناك" (2020، 82 دقيقة) لوسام طانيوس (بين 5 و11 أبريل/ نيسان 2021): للمخرج اللبناني الشاب قريبان سوريان من جهة الأم، يسعيان إلى خلاصٍ من حربٍ واقعةٍ في بلدهما، بحثاً عن سبل عيشٍ آمن في أوروبا. المخرج يرافقهما في محطات مختلفة من سيرتهما، المقتصرة على نتفٍ من ذكرياتٍ سورية، وأيامٍ قليلة في لبنان بانتظار لحظة "الخروج"، المضطرب والقلِق، إلى المهجر الأوروبي ("العربي الجديد"، 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020). تلك الحرب نفسها تجد في الوثائقي "تحت التحت" (2018، 72 دقيقة) للّبنانية ساره قصقص (بين 5 و11 أبريل/ نيسان 2021) حيّزاً لها، عبر شخصية طفلٍ سوريّ يلجأ إلى بيروت هرباً ورغبةً في مكانٍ أدفأ وأهدأ، لكنّه يواجه تحدّيات قاسية، كتلك التي يواجهها سائق سيارة أجرة فلسطيني، وسيدتان لبنانيتان تعانيان فقراً ومرضاً وانكساراً وخيبات ومواجع ("العربي الجديد"، 7 يناير/ كانون الثاني 2019).

الذاكرة خزّانٌ كبيرٌ، يحتوي على كمٍّ من الحكايات والأحوال، وبعضها مؤثّر، بشكلٍ ما، في راهنٍ معطوبٍ، كما في الوثائقيّ "شعورٌ أكبر من الحبّ" (2017، 93 دقيقة) للّبنانية ماري جرمانوس سابا (بين 26 أبريل/ نيسان و2 مايو/ أيار 2021). العودة إلى ما قبل الحرب الأهلية اللبنانية مدخلٌ إلى إعادة اكتشاف لحظة معطّلة من لحظات الغليان المحليّ، الناتج من اضطراب العيش في الاجتماع والسياسة والأفكار والأحزاب والنقابات والعلاقات. بذهابها إلى النصف الأول من سبعينيات القرن الـ20، تحاور جرمانوس سابا تاريخاً، وتجهد في تحريض عارفيه على قول وقائع لتوثيقها، وعلى استعادة لحظات لفهم مجريات أحداثها واللاحق عليها ("العربي الجديد"، 2 أبريل/ نيسان 2018).

أفلامٌ أخرى تبحث في وقائع مستلّة من سيرة المواجهة اليومية مع مصائب وتحدّيات، وبعضها منبثقٌ من احتلال إسرائيل بلداً وأرضاً وناساً وتاريخاً: "200 م" (2020، 98 دقيقة) لأمين نايفة (بين 5 و11 أبريل/ نيسان 2021). جدار فصل عنصري يكاد يمزّق عائلة كتمزيقه بلداً، ويخترق ذواتٍ وأرواحاً تجهد في مقارعته بشتّى الوسائل ("العربي الجديد"، 4 سبتمبر/ أيلول 2020). بعضٌ آخر من تلك المصاعب والتحدّيات متأتٍ من بؤس وفقرٍ ومعاناة، تعشش في بيئةٍ (طرابلس، شمال لبنان) مهملة ومنبوذة ومعرّضة لأنماطٍ عدّة من الخراب، في الاجتماع والعيش والعلاقات، كما في الوثائقي "نَفَس" (2020، 67 دقيقة) لريمي عيتاني (بين 12 و18 أبريل/ نيسان 2021).

أحوال العلاقات حاضرة في فيلمين تونسيين، أحدهما روائي بعنوان "بيك نعيش" (2019، 96 دقيقة) لمهدي برصاوي (بين 12 و18 أبريل/ نيسان 2021): إصابة الابن المُراهق برصاص مسلّحين يواجهون رجال أمن وشرطة، في تونس بعد "ثورة الياسمين"، يفتح أبواباً مغلقة في علاقة والديه أحدهما بالآخر، ويفضح مخبّأ وتفاصيل عيشٍ وبيع أعضاء بين تونس وليبيا ("العربي الجديد"، 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019). الآخر وثائقي بعنوان "عالبار"، أو "على العارضة" (2019، 97 دقيقة) لسامي التليلي (بين 19 و25 أبريل/ نيسان 2021): يستعير الفيلم عنوانه من ركلةٍ تونسية غير موفّقة (إذْ تُصيب الكرة عارضة مرمى الفريق الخصم في لحظة حرجة)، ويستعيد تاريخاً يتداخل فيه الرياضي بالنقابي والسياسي، في مرحلة مرتبكة من التاريخ الحديث لتونس ("العربي الجديد"، 6 ديسمبر/ كانون الأول 2019).

هناك أيضاً الوثائقيّ "قفص السكر" (2019، 60 دقيقة) للسورية زينة القهوجي (بين 30 مارس/ آذار و4 أبريل/ نيسان 2021)، والروائي "ستموت في العشرين" (2019، 105 دقائق) للسوداني أمجد أبو العلاء (بين 26 أبريل/ نيسان و2 مايو/ أيار 2021): في الأول، تستخدم المخرجة كاميرتها في مراقبة محيط المنزل، وتسجل يوميات والديها في 8 أعوام، منذ بدء الحرب في بلدها. أما الثاني، فيروي سيرة مراهق "يُحكَم" عليه بالموت بعد 20 عاماً، فتنفتح عوالم وتُكشف أسرار وتُروى حكايات ويُفضح مستورٌ ("العربي الجديد"، 15 مايو/ أيار 2020).

المساهمون